B085

أثر الميثولوجيا الدمشقية في نشأة المدينة ونموها

ميثودولوجيا في تاريخ قدسية المكان

إنَّ التاريخ علم خالص له شروطه التي تقتضيها العلوم كلها، يقوم على أصول خلفتها عقول السلف وأيديهم، وبإهمالها يجهل التاريخ عصرها ورجالها؛ والتاريخ دراية، ثمّ رواية، وهي قاعدة بناء المثودولوجيا[1] التي ينهجها الباحث ليصل إلى مساحة خاصة به لتشكيل معنى ودلالة مختلفين، بعيداً عن التصور التقليدي لمجموع المعلومات والحقائق والمفاهيم والأفكار، وذلك من خلال إعادة دراسة مجموعة النظريات والمصطلحات والأفكار، وإجراء دراسة مقارنة نقدية للوسائل المختلفة مع تطبيق المقاربات البحثية؛ فالموضوع إذاً يتعدى نقل الرواية والإلمام بقواعد اللغة والنصّ.

اعتمد ابن خلدون[2] في كتابته للتاريخ على طبائع العمران وجعلها محكاً علمياً لنقد الأخبار التاريخية وتمحيصها؛ واعتمد معاصره فلافيوس بلوندوس[3] في تدوينه لتاريخ روما على المحاكمة العقلية والتحليل العلمي، متجاوزاً أساطير سابقيه.

وتتالت اليقظات العلمية في قراءة التاريخ، ودعمتها الاكتشافات الجغرافية والأثرية، وأخذت تتراجع الأساطير التي تدعم المواقف الدينية والمطامع السياسية لتقف في جانب الحقيقة المجردة.

فالوعي التاريخي يجاري تقدم أساليب العلم وطرق المعرفة واتجاهاتها الحديثة في تحليل الظواهر الطبيعية والإنسانية وتقويمها؛ والتاريخ يتسع ليشمل مظاهر الحياة الماضية أجمعها، والأحداث الماضية تنفذ إلى جوهر الحاضر لتثمتل أحد وجوهه، خاصة، في ظل التوجه نحو توكيد الصفة العلمية الموثقة للتاريخ بعيداً عن جمال الأسلوب الأدبي المؤثر في القارئ؛ ولكن غياب بعض الفقرات التاريخية، وتعدد الروايات حولها، وتناقض التحليلات، يُؤسَس البحث على مفهوم ميثولوجيا قدسية المكان بالاعتماد على روايات نقلها مؤرخون عُقَّل، حتى ولو تركوها، غالباً، دون نفي أو تأكيد “برواية فلان عن فلان” و”حدثنا فلان”، وعبارة “والله أعلم”؛ وعلى الرغم من أن بعض أساتذتنا أطلقوا على بعض منها صفات مثل: “أكاذيب وركام خزعبلات”[4]، إلا أننا آثرنا الاستمرار في اعتمادها لعدم وجود ما يثبتها أو ينفيها نفياً قاطعاً؛ سيّما وأنَّ هذه الروايات تضفي ضياء وقدسية على المكان منذ تدوينها بأحداث تليق بأهميته وتنسجم مع معتقداته، علماً بأنها لا تؤخر إيماناً ولا تزيد فجوراً، بل هي مجرد إرث نحمله لنودعه ثانية، فلا معنى للتراث دون ميثولوجيته.

تناقلت الدراسات التي تناولت دمشق ومنطقتها العديد من الروايات المتكررة في كتب التاريخ، وكانت توصل الأخبار متجاوزة حقباً ومغفلة أخرى، ومكتفية بالتنويه عن بعضها؛ وتتقارب النتائج وتتقاطع في إسناد أسطوري للنشأة الموغلة في التاريخ، على الرغم من ندرة القراءات الأثرية، لصعوبة التنقيبات الأثرية في مدينة دمشق القديمة، ويزداد وضوحها خلال الفترة الآرامية، استناداً إلى الرواية التوراتية التي لا يمكن الوثوق بها، وإلى بعض النصوص والمراسلات المكتشفة في حواضر أمم أخرى، والتي أخرجت منها الدراسات نسيجاً يربطها باسم دمشق من خلال تحليل لساني لقواعد اللغات المحكية وترجمتها في الأمم السالفة، بأسلوب يبرر ارتباط الأسماء العديدة المدرجة في تلك الوثائق بدمشق، أو ادعاء اكتشاف أصل التسمية.

ويبدو للوهلة الأولى أنَّ هذا البحث مكرر لكثرة المقالات التي كتبت في تاريخ دمشق، إلا أن تفرده بجنوحه عن المألوف يبدأ من كثافة ورود الروايات والتحليلات، ويتجلى من خلال التحليلات والتعليقات التي تعقب عرض نصوص المرجعيات التاريخية، وبشكل خاص في النتائج المقترح اعتمادها حول قدسية دمشق.

 وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن البحث سيلجأ إلى طريق العلم المثبت بالمكتشفات والتحليلات، بشكلٍ موازٍ للميثولوجيا، مفرقاً ما بين دمشق المعبد، ودمشق المدينة، ودمشق المنطقة؛ في السياق العلمي، على أساس أن الميثولوجيا[5] تمثل الصياغة الاولى للتاريخ والجغرافيا والاجتماع، وتعني: “قصة مقدسة” أو “قصة تقليدية” أو “قصة عن الآلهة”، لكنها لا تعني “قصة مختلقة”، وهي عبارة عن قصة محلية تنتمي لثقافة المكان تتكون من أبطال حقيقيين، تم تعظيمهم، ومن ثمّ ارتقت مكانتهم بتواتر نقل أخبارهم؛ ويعتبر علماء الآثار ميثولوجيا الأطلال من وسائل المعرفة التي تنشط العلاقة ما بين الإنسان والمكان؛ ويمكن للباحث استخدام هذا المفهوم دون قصد الإساءة إلى عقيدة ما، مع التنويه إلى أن البعض قد يُصنف الأنبياء والأديان مع الأساطير.

والعمل المنجز في هذا البحث قابل للنقد دون شك كغيره من الدراسات الأدبية، فكتابة التاريخ لا تكون إلا للشاهد، وغير ذلك تكون أقرب للملحمة؛ وفي غياب الإثباتات يمكن للمهتم دراسة الكتابات والأدبيات والاستعانة بماهو متوفر من وثائق التنقيبات ليسطر قصة أقرب إلى الواقعية، يكرس فيها ما يتلاقى مع ثقافته وأخلاقه، دون إغفال القصاصات غير المستعملة لاحتمال وجود الصواب فيها.

وتأتي أهمية البحث من جانبين:

  • الأول في تجميع النصوص العديدة التي تتناول دمشق تاريخياً حريَّها وتحريرها.
  • الثاني تأكيد أهمية البقعة المقدسة وتأثيرها في تاريخ عمران دمشق المدينة عبر المراحل المتعاقبة، وبيان تميز دلالات المكان عن دلالات عمرانه.

 وبهذا يتناول المجال الزمني للبحث مراحل ما قبل التاريخ للتمهيد، ويعتمد نوعاً من التفصيل الضروري للألفين السابقين للميلاد، ويختتم زمن البحث بمرحلة إنشاء الجامع الكبير في المرحلة الأموية.

وتتجلى إشكالية البحث في رصد قصور ملحوظ في الكتابات العديدة التي كانت تمجد الإنجازات المعمارية والعمرانية في دمشق وتنسبها إلى الأمم الوافدة والفاتحة وكأنها هي من صنعت تاريخ المكان، في حين تكمن الحقيقة في أنَّ المكان بميثولوجيته هو من صنع تاريخ تلك الأمم.

ويهدف البحث إلى دراسة تطور المكان المقدس ومحيطه الملاصق، وتحوّله إلى مدينة للنخبة الحاكمة؛ ووضع صياغة مقبولة لتاريخ نشأة دمشق حتى مرحلة بناء الجامع الكبير فوق البقعة المقدسة؛ وذلك من خلال تمهيد لمناقشة مصدر الاسم “دمشق”، يليه محور رئيسي مقسم إلى أربع مراحل يعتمد على منهج استقرائي تحليلي للمقولات والأخبار؛ يبدأ من تحليل نشأة المكان المقدس وتطوره إلى مدينة بتأثير ميثولوجيا المكان المقدس، مع بيان تأثيرها على جميع مراحل النشأة والتطور، وتنتهي المراحل إلى خاتمة رمزية ونتائج توضّح أن الميثولوجيا هي التي حافظت على المكان، ومقترحات من شأنها وضع قدسية دمشق في مكانها الطبيعي بين الأماكن المقدسة في عالم الأديان والميثولوجيا.

ويستدعي إنجاز البحث الاعتماد على الكتب المقدسة، والمعاجم والمراجع التاريخية الكلاسيكية التي تتناول تاريخ مدينة دمشق وغوطتها، إضافة إلى كتب الجغرافيين والرحالة، والكتب التي تدون الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمدينة، كما اعتمد البحث على عدد من الدراسات التخصصية الحديثة والمعاصرة، التي تتناول بالتحليل بعضاً من الروايات والقصص التاريخية والدينية، وعدداً من تقارير التنقيبات، والأبحاث والمقالات والدراسات التخطيطية؛ ناهيك عن بيانات ومعلومات من مراجع قد يكون من المبالغة إدراجها.

وقد تمَّ إنجاز هذا البحث وفق المنهجية التي أدرجها الأستاذ أسد رستم[6] في كتابه مصطلح التاريخ[10: 160]، والتي تتألف من خطوات تبدأ بتقميش المراجع وإعداد والبيانات وتصنيفها وترتيبها وتعيين تواريخها وتحري نصوصها ومفاضلة أخبار رواتها وناقليها؛ فتحديد أخبار العمران، والدين، والجغرافيا وغيرها؛ ثمّ نقد الأصول، خصوصاً فيما يتعلق بالنصوص المدرجة في الكتب السردية الكلاسيكية؛ ثمَّ تنظيم العمل؛ وتفسير النصّ؛ ومحاولة تحقيق العدالة والضبط؛ ثمَّ التوجه نحو التثبت من صحة الروايات؛ وتنظيم الحقائق التاريخية بموجب محتوياتها؛ وهنا يأتي دور الاجتهاد[7] في تلافي ما يقع من فراغ؛ مدعماً بالتعليل والإيضاح؛ معروضاً بأسلوب قريب من الحقائق التي تتواءم مع التاريخ الحقيقي.

دمشق المكان المقدس:

تأتي الكتابات في المصادر التاريخية القديمة إلى تعليل تسمية دمشق بأشكال ملحقة بقدسية دينية، ترتبط بشخص قوي يعود إليه بناء المكان، ويُوحى في هذه الأدبيات بأنه شخصية معروفة النسب، أو أنه أحد أبطال ملحمة تاريخية شهيرة؛ وتتمسك هذه الكتابات على أن هذا الشخص يدعى “دمشق”، أو إحدى صياغاته في لهجات أُمم المنطقة، وتُجمع على أن هذا الاسم أطلق على المكان تعلقاً به.

ففي مصدر الاسم، قيل: “سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو فلسطين وأيليلء وحمص والأردن، وبنى كل واحد موضعاً فسمي باسمه”[6: 1/15]؛ وقال أهل السير: “سميت دمشق بدمشاق بن قاني بن لامك بن أرفخشذ بن سام بن نوح؛ وفي موضع آخر ولد يقظان بن عابر سالف وهم السلف، وهو الذي بنى قصبة دمشق”؛ وقال مؤرخو أخبار العجم: “في شهر أيار بنى دمشوش الملك مدينة جلق، وهي مدينة دمشق وحفر نهرها بردى ونقره في الجبل حتى جرى إلى المدينة”[43: 237]؛ كذلك تأتي الروايات إلى قول: “إنَّ هوداً[8] نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها”[8: 11]، وقيل إنّه بنى جدران هذا الجامع الأربعة[9]، وكان هود قبل إبراهيم[10] الخليل بمدة”[5: 20]؛ وقيل: إنَّ العازر[11] غلام إبراهيم بنى دمشق”[6: 1/13]؛ وقال غير هؤلاء: “سميت بدماشق أو دمشاق أو دامشيقوس بن نمرود[12] بن كنعان، وهو الذي بناها، وكان مع إبراهيم، آمن به وصار معه، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار”[6: 1/13]؛ وقيل: “إنَّ ذا القرنين[13] أَمَرَ دمشقش، أو دمسقس، أو دمشق غلامه وأمينه ببناء المدينة، وسميت باسمه”[5: 15].

وبالمنحى نفسه، لقبت بجيرون[14] لأسباب مشابهة تتعلق بشخصيات تاريخية من الميثولوجيا الدينية المحلية لتسهيل إقرارها؛ فقد قيل: نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح دمشق، وبنى مدينتها، وسماها جيرون، وهي إرم ذات العماد، وليس ثمة أعمدة من الحجارة في موضع أكثر مما في دمشق[6: 1/9]؛ وقال آخرون: “بناها عاد، وقيل: بل ولده سعد، كان له ولدان أحدهما اسمه جيرون والآخر بريد، فبنى لهما قصرين على أعمدة، وفتح لكل منهما باباً إلى المعبد، فسمي كل واحد باسم صاحبه، وهو أول من صنع المدينة وأحدث بها البناء، وعمل لها الأبواب”[5: 16]؛ وقيل: “جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، هو الذي بناه، وكان بناؤه له قبل الخليل، بل قبل ثمود وهود أيضاً، وكان فوقه حصن عظيم، وقصر منيف”[6: 1/13]. ويقول آخرون: “إنَّ الشياطين هي التي بنت باب جيرون لسليمان، وكان المارد الذي تكفل بعمارته اسمه جيرون فسمي به”[6: 1/11].

وتتعدد الروايات لتُشرك في بناء دمشق شخصيات لم تُربط بأيٍّ من أسماء دمشق؛ فقد روى بعض الأوائل: “أن مكان دمشق كان داراً لنوح، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأن ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ[15] من ناحية البقاع[16]“؛[43: 237] وقد روي عن كعب الأحبار: “أن أول حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحران”؛ وهي ذات العماد في قول عوف بن خالد وعكرمة وغيرهما[43: 237]؛ وقيل: “إنَّ أول من بناها بيوراسف[17]، الملك الكيوناني”[6: 1/14].

ولا يمكن الاستدلال من النصوص السابقة أن المقصود هو بناء دمشق المدينة، بل هي تؤكد أن الاهتمام كان ينصب على المنطقة المقدسة تطبيقاً لميثولوجيتها الطاغية على من يقوم بإعمارها وتحصينها ووصلها بقصوره، وتعظيم قدسية المكان بإشادة بوابات عظيمة دون ذكر الأبنية الموجودة عليه.

وتأتي أغلب الدراسات اللغوية إلى تحقيق تسمية دمشق بأشكال عديدة متباينة فيما بينها؛ إلا أنها تبقى عاجزة عن الإقناع لضعف المعنى وسذاجته، رغم الإيحاء القوي المرافق المدعوم بالشواهد اللغوية التي تحاول نسب التسمية إلى ترجمات من اللغات المحكية في مراحل حياة المدينة؛ فثمّة دراسات استقرائية في تاريخ دمشق تشير إلى أن دمشق كانت تحمل اسم: آبوم؛[51: 477] كما أكدت دراسات أخرى أن مملكة آبوم كانت قائمة في الألف الثاني قبل الميلاد، وأنَّ مملكة آرام تلتها في الألف الأول؛ وقد ظهر اسم آبوم لأول مرة في وثائق سقارة في مصر، وظهر في ألواح تل العمارنة في عدة أشكال: آ بي، وأوبي، وبي؛ كما ظهر في النصوص الحثية[18] في وثائق المُعَمَّرة[19] بلفظ: آ بى، أو آبا؛ وبإعادة الاسم بالتحليلات للجذر اللغوي الموجود في اللغات المحلية بصيغ: أبّ، وإببَه، وأبب، وأبّا، وأبيب؛ التي تعني بمجملها إما عشب أو سنبلة أو سنبلة خضراء أو الربيع، كما فُسر بالقصب الكثيف؛ على أساس أنَّ هذا الاسم ينسجم مع النبات المعروف في غوطة دمشق.[56: 34] واستُدل بأن اسم آبوم يُشير إلى دمشق كوميدي[20] كمنطقة خضراء. [45: 74] ولكن يعتقد بأنَّ هذا الاسم قد أطلق أيضاً على مدينة أخرى واقعة على ضفاف الخابور[26: 14]؛ وأن دمشق لم تكن في ذاك الوقت مدينة أصلاً، وإلا لمرَّ ذكرها مع إيبلا وماري ويمحاض وقطنا وقادش.

ولا تظهر هذه التحولات اللفظية، إلا اختلاف اللهجات والألسنة والقراءات، ومع تقرير مضمون الدراسة بوجود حاضرة آبوم، إلا أنها لم تكن في المكان المقدس من دمشق، وأغلب الظن أنها كانت في محيطه، وكانت تمثل مركزاً لإحدى المجموعات السكانية التي تتشكل منها منطقة دمشق، ويشير ذكرها في المراسلات المصرية باسم: آبي إلى احتمال وجودها في الجهة الغربية، وعلى اتصال قوي مع الطرقات المتوجهة إلى الشرق والجنوب الشرقي؛ على عكس الدراسة[56: 37] التي تعتمد وجود مركز هذه المدينة في تلة الصالحية[21] التي تمتاز بموقعها الاستطلاعي المرتفع الذي يساعد على مراقبة المواصلات باتجاه تدمر وقطنا[22] إلى الشرق من دمشق والمشرف على ضفاف فروع بردى[50: 68].

وكان أول ذكر مؤكد لدمشق ورد في النصوص الهروغليفية المصرية في معبد الكرنك، ضمن نصوص اللعنة المصرية[23][45: 20]، عندما ورد اسم “تا ماس ق” على انها من المدن السورية التي احتلها تحوتمس الثالث في طريقه إلى الفرات، وتظهر ثانية على قاعدة أحد تماثيل معبد في طيبة التي تذكر أسماء البلاد الصديقة لمصر منها “تِ ماس ق”، مع الإشارة إلى أنَّ عاصمة المنطقة هي كوميدي التي كانت تُحكم من قِبَلِ أمراء محليين موالين لمصر.[26: 15]

وغالباً كان اسم: تا ماس ق، يشير إلى المكان المقدس دمشق؛ وعلى هذا فإن آبي تقع ضمن منطقة دمشق، وإنَّها إحدى التجمعات القوية حولها آنذاك، فالتجمعات حول دمشق لم تكن تشترك في نصرتها الخارجية ولا في معتقداتها الدينية، وكانت تمثل بوابات ومفاتيح للطرقات التجارية التي تسيطر عليها؛ وكان الموقع المقدس منطقة عبادة واجتماع حيادية نسبياً.

ويعتقد البعض أنَّ لدمشق ونواحيها اسم آخر هو: غاراميريشو، أو أميريشو، أو أميريش، وفسروه: قلعة الأموريين، واستنتجوا من هذا الاسم أن الأموريين ملكوا دمشق ونواحيها؛[47: 3/659] ومنهم من يرجّح أنَّ اسم دمشق من أصل لغوي سامي، يمكن فهمه بطريقتين، الأولى: تعتبر الدال اسم إشارة، والثانية: أنَّ أصلها “دار” وربط باسم جبل هومَشُ في ملحمة جلجامش حيث تغرب الشمس وتنتهي الفرضية بأنّ دمشق: مدينة الشمس؛[35: 15] ومنهم من نسب مسق أو مشقِ إلى الجذر: سقى، وترجمها بالدار المسقية؛[36: 7] وهناك من يعتقد بأن حرف الدال يمثل اختصار اسم الموصول الآرامي: دي، أما مسق/ مشق فأصلها من الفعل الكنعاني/ الآرامي/ الآشوري/ العربي المشترك بمعنى: السقاية، وبذلك يكون معنى الاسم: البقعة المسقية؛[45: 26] أو الأرض المروية أو الأرض الخصبة، أو المجاورة للجبل، وكلها تفسيرات تتماشى مع الموقع الجغرافي لدمشق؛[26: 17]

ويعتقد آخرون أن تكون “مسق” مشتقة من كلمة: مِشْقَ، التي تعني الحوار الفخاري فهي مدينة الفخار.[36: 8] وفي رواية أخرى،[47: 3/659] أنَّ الآراميين أحبوا أن يقحموا: راء بين الحرفين الأولين، فقالوا: درمسق، كما حررت في العهد القديم: “فجاء درمْسق لنجدة حدد عزر ملك صوبة فضرب داود من آرام اثنين وعشرين الف رجل”.{1 سفر الأيام 18: 6}

أما اليونان والرومان، فقد دعوها: دَمَسقوس، وترجموها: مضاعف المسك لطيبها،[42: 163] وفي رأي آخر لتبرير التسمية، ادعى فيه المؤرخ ستيفانوس البيزنطي[24] أنَّ اسم دمشق من أصل يوناني هو: درمسقوس، وأنَّه مؤلف من لفظتين يونانيتين معناهما: الجلد والأديم؛ ويورد ثلاث قصصٍ لتأكيد رأيه،[41: 5] الأولى تتعلق بأسطورة صراع البطل الجبار أسكوس مع الآلهة، وقصة قدوم ذَمَسْكوس وبنائه للمدينة، وقصة عقاب إله الخمر ديونيسيوس لذمسكوس[46: 451]؛ لكن هذا الاشتقاق مستبعد، ولعل ستيفانوس أخطأ في اعتبار أن الاسم يوناني بالأصل.[47: 3/659]

وتشير الرواية الأخيرة إلى قِدم محاولات اكتشاف أصل تسمية دمشق، الذي كان مجهولاً تماماً آنذاك، وكان من الممكن أن تقبل مثل هذه الرواية، ولو ملحمياً، عن أي من الشعوب التي وفدت إلى دمشق باستثناء الإغريق، لأنهم الوحيدون الذين قاموا بتغيير اسم دمشق عندما أقاموا فيها كمحاولة لتأكيد صلاتهم، وتسجيل إسهاماتهم في نشوء المدينة.

وقال العرب: “دَمْشَقَ فعل، من أقوال العرب، وإنَّها سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا”[6: 1/19]. كما أطلق العرب عليها لقب: جلق، ولكن العديد نسبوه لمكان آخر في غوطة دمشق، أو إنَّه خارج دمشق تماماً، يتعلق بمرابط بني غسان[47: 3/438]. ويمكن الاستعجال بإسقاط التحليلات اللغوية العربية والرومية لضعفها وركاكتها، وللبعد التاريخي ما بين التسمية وزمن إلحاق الاسم باللغة.

ويمكن تأييد أنّ  التسمية من أصل آخر، فما ورد لا يمكن اعتماد  تبرير معناه مع خلافات اشتقاقه وتفسيره وترجمته، وهي ليست بأعمق من التفسير العربي لترجمة دمشق بـ”السرعة”؛ وهناك كثير من الفرضيات الأخرى، ولكنها لم تتوصل إلى تفسير مقنع يستند إلى معطيات نصية.‏ أضف إلى ذلك أن التاء أقدم من الدال، الواردة في النصوص المصرية ومن الصعب تحولها إلى دال ثم ذال كي تصبح اسم إشارة. ويُرجع آخرون أساس المشكلة إلى اعتماد الأصل السامي للاسم. كذلك تُستبعد التفسيرات المرتبط بالسومرية التصويرية التي ترجمها الآكاديون والتي تربط تسمية دمشق باسم: شاميري شو، والمترجمة إلى: دولاب ماء، أو أنها تعني: بلاد قوافل الحمير.[36: 12]

وعموماً، فإنَّ التحليلات اللغوية السابقة تجتمع على إطلاق صفات طيبة عن منطقة دمشق، وليس المكان المقدس، وهي تتعارض إلى حد بعيد مع أسلوب تسمية المدن والمناطق قديماً؛ واعتماداً على قناعة المؤرخ اللاتيني تاكيتوس[25] عندما يقول: “اختص القدماء بإشراك الآلهة في نشأة المدن ليضيفوا عليها طابعاً أكثر جلالاً”؛ يتمسك البحث بقبول جميع القصص والروايات الميثولوجية التي كانت تعيد التسمية إلى شخصية هامة مرتبطة بنسب إلى الآلهة؛ فلابد من أن يكون الاسم أطلق لأول مرة نسبة إلى شخصية تاريخية أسطورية عظيمة عُبدت في هذه المنطقة، تستحق أن تُحَارب وتَنْتصر أو تُهزم، وأن يُسجل هذا النصر على ألواح وجدران، وفي مراسلات الحضارات الأخرى؛ ويُشير إلحاق فكرة تكرار بناء دمشق بالشخصيات المنوه عنها أنفاً إلى أن الدخول في تاريخ دمشق كان مقروناً ببناء المكان المقدس والإقامة بجواره تأثراً بميثولوجيته؛ ولا يعني البناء في كل مرّة على أنه إحداث من عدم، ولكنه يعبر عن تمسك الشخصيات التاريخية بربط تاريخها باسم المكان المقدس لتكتسي به نصراً تاريخياً ملحمياً لإقدامها على بناء المكان بعد تهدمه أو لتحسينه، ولم تكن هذه الشخصيات تجيز إزاحة المكان ولا تغيير الاسم احتراماً وتكريماً وقدسية؛ ولا يستدعي تعدد الروايات عن أشخاص يحملون الاسم نفسه إسقاط عدد منها، مع التشديد على أهمية تكرار الاسم لعدة شخصيات، واستحالة تقرير تشابه الأسماء أو إمكانية التكرار، وباعتماد كل ما لم يثبت نقيضه بالمكتشفات والوثائق، يصح إذا ما اعتُبر أنَّ الجميع أقدم على البناء بعد الفتح، والتاريخ يسجل تهدم دمشق مرات عديدة وتغير دورها في دوال العالم القديم.

كما يمكن قبول تكرار اسم دمشق لعدد من الشخصيات التاريخية على أنه لقب مكتسب، أو نحو ذلك من الصفات التي تدل على أنه بنى، وأقام، وحظي من قدسية المكان بانتسابه إليه، ومع الزمن احتفظ باللقب المميّز وتم إهمال الاسم الأصلي؛ على اعتبار أن اللقب أهم من الاسم ذاته، فاللقب ذكر تخصيص بالحصر لشخص، والغاية منه معرفة تباين درجة التميز، باعتبار أن فائدة ذكر اللقب نفي الحكم عن غيره، وعدم استقامة الكلام دون ذكره، لأن اللقب في الأصل ما جعل علماً مشعراً بمدحٍ أو ذمّ، والأصل في مفهوم اللقب هو تعليق الحكم على أسماء الأعلام؛ ويصح أن تكون الألقاب للأمكنة أو للمكانة، للمهنة أو للعلم، للعائلة أو للقبيلة، وغير ذلك؛ وكثيراً ما تطالعنا كتب التاريخ عن ملوك وقياصرة تجاوزت ألقابها أسماءها لدرجة نسيانها.

تخطيطاً لا يمكن فهم فعل “البناء” على أنه بناء مدينة، لأن بناء المدينة قديماً يستدعي توفر شروط ومقومات هامة لا تتوفر في موقع مدينة دمشق، تتعلق بالأمور الدفاعية والصحية والبيئية وتربة التأسيس[26]، ويستدعي وجود حكم قوي ووفرة من السكان والإمكانات والأمان على مدى زمني واسع، وهذا ما لم نستقرأه في المراحل المبكرة من تاريخ دمشق؛ أضف إلى ذلك استحالة قدوم شعب كامل للإقامة دفعة واحدة بعد كل فتح؛ ويمكن تصنيف دمشق على أنها مزار ديني يقع في واحة مأهولة تمثل ميناء برياً للخطوط التجارية المتقاطعة فيها، ويصعب تقبل دمشق مدينة عاصمة، في المراحل المبكرة من التاريخ لتوضعها في واحة على تخوم الصحراء، وإحاطتها بحواجز طبيعية ضخمة تعيق نفوذها للمحيط إلا من خلال منافذ محددة، ويمكن أن تقبل الروايات فيما لو اتجه الاعتقاد بأن المقصود بدمشق هو مكان العبادة الهام والعريق، الذي كان العرب يدعونه بالحصن[27]، فسقوط المعبد الرئيسي يعني سقوط المنطقة، وإعادة تأهيله بشكل يتناسب مع آلهة الوافدين الجدد، هو ما يوطد تحقيق الانتصار.

 دمشق المعبد:

أتى ذكر دمشق في الروايات التي تتناول ما قبل التاريخ، مقصوداً به مكان عبادة وتقرب للآلهة لا غير، وتميزت الأماكن المحيطة في الغوطة وحولها بالسكن والإقامة، ولم يتم ذكر دمشق على أنها حاضرة احتوت على حياة اجتماعية، ولم يكن هناك ذكر لأية مبالغة في وصف تخطيطها ولاعمرانها، مثل: بابل ونينوى وماري وإيبلا، وتضمن ذكرها إشارات تزداد وميضاً مع تقدم الزمن، بحيث تؤلف رواياتها تطوراً منطقياً لنشأة حاضرة بتأثير قدسيتها، ملكت العالم فيما بعد.

فقد وَرَدَ بناء جدران في دمشق أكثر من مرة، ويفهم من ذلك أن الجدار لا بد وأن يكون بجانب شيء هام مثل مقام أو آلهة، أو مكان تعبد، ولا معنى لأن يُشاد جدار في مكان فارغ يخلو من أية إشارة أو حدث، كما لا يفهم من الجدار مجرد سور، فلا معنى لإشادة جدار واحد منه ولا حتى أربعة، كما جاء عن هود، إذا لم يقصد منه غاية، وغالبا يفهم الجدار بمعنى السوق، فالأسواق كانت غالبا ما تشاد على جدران المعبد على شكل مَحَال بمجازات موحدة، تبدأ يومها مع طقوس العبادة وتغلق بانتهائها.

وتشير إحدى التفسيرات التاريخية[9: 167] إلى أنَّ أساس المعبد كهف مقدس للعبادة خلال حقبة إنسان الكهوف في منطقة دمشق، استناداً إلى انتشار كهوف سكنية عديدة في المرتفعات المحيطة، وإلى أن المؤرخين أوردوا ذكر عددٍ من الكهوف المستخدمة للعبادات، لا يزال عدد منها في برزة وقاسيون والربوة[28]، ومنها كهف مقدس في جوبر منسوب للنبي إلياس[29]، وكهف كنيسة حنانيا؛ وتؤكد الدراسة إلى ضرورة وجود كهف أسفل المعابد القديمة، ويدلل على ذلك قصة[30] اكتشاف رأس يوحنا المعمدان في كهف مهيب عند بناء الجامع الكبير في عهد الوليد؛ وكذلك قصة[31] اكتشاف الباب أسفل الحائط عند تأسيس جدران الجامع،[30: 357] وغير ذلك من الروايات.

وبعد أن انتشرت المعابد في معظم المدن السورية، وشاعت الهياكل التي كانت تُقام في العراء بالقرب من الأشجار أو الينابيع  أو على الأماكن المرتفعة؛ وعلى اعتبار أنَّ المعبد هو سكن الآلهة، ومركز اتصال بين الإنسان والإله؛[49: 115] فكان إنشاء المعابد يخضع لشروط إيكوليجية تأتي من مهمة الآلهة الموجودة فيه، وتتعلق بمشاهدته عن بعد في منطقة نفوذه، وبسهولة الوصول إليه، وكان اختيار الموقع مرتبطاً ببيئة طبيعية خلابة، ولا تحتاج المعابد إلى تحصينات وحمايات، لأنها كانت تُحترم وتُهاب حتى من الأعداء، وكانت ترتبط إلى حد كبير بالمكان أكثر من ارتباطها بالسكان؛ ولم تحتَج المعابد إلى أسوار إلا عندما كثُر عُبادها وقوي نفوذها وزاد غناها ومُورِست نشاطات اقتصادية وثقافية بقربها، وعندها يحتاج المعبد إلى حماية وإدارة، وتكون السلطة على منطقة نفوذ المعبد لمن يقوم بها؛ ويعد هذا التطور بمكانة اللبنة الأولى من نشأة المدينة بتأثير معبدها.[7: 149]

وقد سيطرت المعابد على معظم نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، بموجب سلطتها الدينية، وتحكمت بقدرات اقتصادية كبيرة من الهدايا والهبات والقرابين والنذور، وكان لها سلطان تنظيم حياة المتعبدين وجعلهم يخضعون لمشيئة الآلهة، وعدا عن أنها كانت مقراً لإقامة الآلهة وسكن الكهان، فقد كانت تقام في رحابها طقوس العبادة من تطهر، وصلوات ودعوات، وتقديم القرابين، والأعياد والاحتفالات الدينية، ومراسم الدفن وتطبيق معتقدات ما بعد الموت، إضافة لاستطلاع المستقبل بالتنبؤ على يد العرافة؛ وكانت للمعابد ميزة منح حق اللجوء للمكان بحماية الآلهة.[49: 174]

وبهذا الإطار، كانت المعابد ذات نفوذ كبير على الحياة الاقتصادية عن طريق القائمين عليها، وكانت المعابد الكبرى مثل معبد دمشق وبعلبك وحمص تتمتع باستقلال مالي كبير، كان الكهنة بفضله يستطيعون أن يتحملوا مصاريف ديانتهم الباذخة، وحول المعبد كانت ثمَّة ضياع كبيرة يسكنها مزارعون وحرفيون، يُثابون مما تنتجه الأرض من ثمار ويخضعون لضرائب يقدمونها للمعبد[14: 22]؛ وقد أدت بعض المعابد دوراً في تجارة العبيد.[37: 301]

وفي الحياة اليومية كان للمعابد دور الصدارة في توزيع اللحوم وغيرها من المواد الغذائية، وكان للمعابد أملاك واسعة، وقد وجدت مشاغل ارتبطت بالهياكل، وكانت منتجاتها تساهم في إغنائها، وكان الكهنة يقتطعون العشور[32] من تجارة القوافل. [49: 193] وقد كان تكديس هذه الثروات ذات المصادر المتنوعة، إضافة لهبات المتعبدين، تعطي لبعض المعابد صفة البنوك في وقتنا، ذلك أن قدسية المعابد كانت كفيلة بتأمين حماية الأموال فيها.[15: 33] كما شكلت فترات الحج[33] فرصاً للتبادل بين الحجاج المتعبدين سواء كانت رحلاتهم طويلة أو قصيرة الأمد، حيث كانوا يقومون بإنفاق أموالهم على تقديم ذبائحهم[53: 183]، وفي دمشق كان يُقام سوق واسع ودائم يقع على سور المعبد[15: 35].

ويمكن إرجاع ذكر مكان معبد دمشق إلى رواية[34] هابيل وقابيل عندما وضعا قربانيهما على صخرة عظيمة في الموضع الذي يعرف بباب الساعات[35]، وسميت بقية الأماكن في الرواية بأسمائها في محيطه؛ فقد تمت الإشارة إلى بيت أبيات ولهيا ومقري وقينية وغيرها[8: 10]؛ وفي تجميع أخبار إبراهيم، قيل: إنَّ دمشق بُنيت على رأس سنة 3145 من جملة الدهر الذي يقولون إنه 7000 سنة، وولد إبراهيم الخليل بعد بنائها بخمس سنين، وقيل: إنه ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وإنّه رأى الكوكب ثم القمر ثم الشمس، من غار في جبل قاسيون؛[4: 46] وجاء في الأخبار أن إبراهيم قاتل شمالي دمشق، عند برزة، قوماً من أعدائه فظفر بهم، وكان مقامه لمقاتلتهم عند هذه القرية، وبه سميت عند بروزه على أعدائه، وبها متعبده بسفح الجبل ينسب إليه، وكانت دمشق عامرة إذ ذاك.[5: 21] وقد ورد ذكرها بالتوراة في عصر إبراهيم في إشارة إلى أنه كان في إثر خاطفي ابن أخيه لوط، “وَانْقَسَمَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً هُوَ وَعَبِيدُهُ فَكَسَّرَهُمْ وَتَبِعَهُمْ إِلَى حُوبَةَ[36] الَّتِي عَنْ شِمَالِ دِمَشْقَ”{سفر التكوين 14: 15}، “فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيماً، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟”{سفر التكوين 15: 2}.

ويُعتقد أن برزة هي أم دمشق، حيث دلت المكتشفات[9: 15] على أنها كانت حاضرة على اتصال شعاعي بجهاتها كافة، حرستا ودوما والقابون والتل ومنين، وأنها على اتصال وثيق مع بعلبك، من خلال طريق غربي هام باتجاه دمر والهامة وسوق وادي بردى إلى التكية ذلك الشريط[37] الذي شكل في تاريخ دمشق منطقة متناسقة ذات حكم مستقل، وفي بعض الأحيان متصل مع دمشق، وطريق آخر شرقي باتجاه تدمر عبر صيدنايا ومعلولا؛ وعلى هذا فإن برزة تأخذ أهميتها منذ فترة مبكرة من تاريخ المنطقة المحيطة بدمشق.

وفي هذا السياق، تُرجع إحدى روايات بناء دمشق إلى عازر غلام إبراهيم أو إلى دماشق بن نمرود بن كنعان الذي كان دفعه إليه نمروذ بعد أن نجى الله إبراهيم من النار،[8: 37] وتستكمل الرواية من قول الكاتب الدمشقي نيقولاس[38]: “إنَّ إبراهيم أقام بها مدة وجيزة بعد خروجه من أرض حاران، وقبل دخوله أرض الميعاد، وقيل: إنَّه استقر فيها عشرين سنة بعد أن تَبلغ دعوته[39]، وأنها كانت محطته الأولى بعد تركه موطنه، وتوجه منها إلى بيت المقدس وعاد إليها، ثمَّ توجه إلى مصر، وعاد إليها، ثم خرج ومعه هاجر وإسماعيل إلى مكة، وتركهما بواد غير ذي زرع، ثم عاد إليها؛[40] وكان اسم إبراهيم مشهوراً في منطقة دمشق في أيامه، والدمشقيون يقولون إنَّه يسكن قرية قريبة من المدينة باسمه، فلوا مُلك عليها لسكنها”[8: 65]؛ ولو تم ذلك لربما بُنيت الكعبة في تلك المنطقة المقدسة بدمشق، فخلاصة الروايات توضح أنَّ إبراهيم كان متحفزاً للإقامة في المكان، وكأنَّه ينتظر إشارة من الرب تصله من رغبة شعب المنطقة بتنصيبه ملكاً عليها.

وفي إشارة غير مباشرة لوجود الصابئة[41] من أتباع دين إبراهيم ويوحنا المعمدان في دمشق، فقد قيل: إنَّ “الجدار والقبة التي فوق المحراب عند المقصورة من بناء الصابئة، وكان مصلاهم بها، ثمّ صار بعد ذلك لعبادة آلهتهم”[27: 166]. وقالوا: “بناها جيرون بن عاد، والصابئة تزعم أن البيت الذي كان بها هو أحد البيوت السبعة المبنية على أسماء الكواكب، وأنه بيت المشتري؛ فيرون حَجَّه والسعي إليه”[28: 82].

وتستمر الإشارة إلى المكان المقدس في دمشق، ففي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: “أن دار شداد[42] بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأماً إلى الطريق وأنه كان يزرع الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين، قنطرة دار بطيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد”.

وقيل إنَّ ذا القرنين اختطَّ المدينة بعد فتحها، وجعل لها ثلاثة أبواب: الأول باب جيرون، والثاني باب البريد، والثالث باب الفراديس، وهذا القدر هو المدينة، فإذا أغلقت هذه الأبواب الثلاثة فقد أغلقت المدينة وتحصنت[5: 15]. وقيل: إنَّ “دمشق من بناء اليونان، لأنَّ محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي، ثم كان بعدهم النصارى فصلوا فيها إلى الشرق، ثم كان فيها بعدهم المسلمون فصلوا إلى الكعبة المشرفة جنوباً”[42: 58].

لم تتمايز الروايات السابقة فيما بينها بالأهمية، لكن أوضحها ما يتعلق بإبراهيم، حيث تمت الإشارة إلى أنَّ إقامته كانت في برزة، ولكنه كان يتطلع للسيطرة على حكم المنطقة المقدسة لأهميتها، تعاطياً مع ما تفرضه ميثولوجيتها على المجتمعات المحيطة، وتجتمع الروايات الأخرى على تعظيم قدسية المكان وأهميته، دون التعرض لمدينة كبيرة أو صغيرة، ولا حتى قرية؛ بل كانت الروايات تظهر أنَّ ميثولوجيا الموقع المقدس كانت ضمن اعتبارات الأماكن المقدسة التي يمكن أن ترتبط بنشأة الأديان السماوية، وأنها أحد أهم المحطات التي كانت تمهد لولادتها أو نشأتها، ولا يظهر لدمشق أي دور سياسي، أو قبلي.

دمشق الحصن:

وتؤكد المراجع التاريخية أن المراحل المتأخرة من الألف الثالث ق.م وبدايات مرحلة الألفية الثانية ق.م كانت قد شهدت توالي هجرة جماعات من عرب شبه الجزيرة العربية إلى الشام، اتجهت نحو الأماكن التي تكفل استقرارهم، وكان هدفهم الوصول إلى المنطقة الممتدة على ساحل البحر المتوسط بين مصر والعراق، وقد ساعد على الهجرة عدم وجود حواجز طبيعية معيقة لهم، وعدم وجود قوى كبرى تمنع وفود هذه الهجرات، وسهل حياتهم وإقامتهم فيها تحملهم لقسوة العيش ومعرفتهم بالطرقات، ومنهم من اتجه شرقاً نحو بلاد دجلة والفرات، ومنهم من استقر في فلسطين وسورية، وهناك من اتجه إلى سيناء.[42: 39] وكان للعرب الرحل[43] الدور الأهم في حركة القوافل التجارية والجيوش الفاتحة والمتحاربة، وفي نقل الأخبار والاستطلاع، وفي نشر اللغة العربية؛ وكان لهم تأثيرهم في ترجيح كفة المنتصر في الحروب، وكانوا يدينون للأطراف المتناحرة، ويحكمون المدن والمناطق بتكليف وبوصاية منهم.[45: 218]

وغالباً ما كانوا يتوضعون حول المدن والقرى التي يمكن أن يعتمدوا فيها على بعض نواحي العيش وتأمين بعض الخدمات، على شكل كيانات وتجمعات صغيرة؛ وكانوا يعيشون على هامش تاريخ المناطق الوافدين إليها، وغالباً ما كانوا يلتزمون بعدم دخول المدينة كمواطنين فيها خشية من المدنية أو نبذ المدنية للمظاهر البدوية فيها، وكانوا يُحسنون استخدام إمكانياتهم وقوتهم في سبيل استقرارهم، ومنهم من شيد لها قرى في محيط المدن، ومنهم من التزم الترحال في محيطها، وقد سجل التاريخ اقتحامهم لها عندما تملكوا على مدن ومناطق، وأسسوا ممالك.

وهناك من يعتقد[25: 101] أن أصل شعوب المنطقة من أقوام الجزيرة العربية[44]، إلا أن هذا الاعتقاد يضعف عند إثباتات أبحاث الأحفوريات ودراسات تاريخ علم الإنسان القديم[24: 74]، التي تشير إلى أنَّ هذه المناطق من أولى الأماكن التي سكنت منذ بدايات التاريخ، وفي تجاهل دور سكان المنطقة الأصليين، والتعامل مع المنطقة وكأنها كانت خاوية من السكان، وأنَّ شبه الجزيرة العربية هي منبع الهجرات البشرية لهذه المناطق، إجحاف من عقول الباحثين، وإغفال لدور السكان الأصليين في صناعة تاريخ بلادهم. ويمكن ترجيح[23: 78] أن عدداً من القبائل العربية[45] الوافدة على سورية مثل الأنباط والتدمريين والإيتوريين والآراميين والكنعانيين والفينيقيين والعمونيين والموآبيين والأدوميين، أصبحوا منذ العصر السلوقي هم النواة الثابتة والأكثرية الغالبة من السكان.[45: 219]

وتذكر الكتب[31: 189] أن دمشق قبل عهود الآراميين[46] كانت أشبه بقرية صغيرة، وكان معبدها في المكان المقدس، وقد تجمعت حوله عدة مبان، وكانوا يقومون بتبادل محاصيلهم ومصنوعاتهم قرب ذلك المعبد الذي اعتادوا التجمع فيه؛ وقد امتاز موقع دمشق بخصب أراضيه ووفرة مياهه العذبة، ووجوده على مفترق الطرق التجارية، كما تميز هذا الموقع بإمكانية التوسع حوله.

إلا أنَّ أحد المراجع التاريخية الحديثة[9: 145]، يُمسك باحتمال وجود مدينة أمورية[47] تلتها أخرى كنعانية[48]، وأنّ الأموريين أقاموا في دمشق، وأطلقوا على منطقتها اسم: أوبي، وعلى دمشق نفسها أوبي حدد؛ وكان حدد من أهم آلهات الأموريين، وكان معروفاً باسم: رمانو، صانع الصواعق، وهو إله المطر والعواصف نفسه، ثمَّ أصبح بعد ذلك البعل الأعظم؛ ويُتستبعد أن تكون منطقة دمشق نشأت في زمن الآراميين، ويُعتقد أنَّهم أتوا إليها حاضرة وتمكنوا فيها[32: 8]؛ ويشير المرجع[9: 145] إلى أنّ الأموريين في حوالي العام 2500 ق.م، بنوا معبدهم وأحاطوه بسور ذي سبعة أبواب على شكل حصن، يطوفه خندق من جهاتها كافة، مغمور بمياه نهر بانياس الذي شق لهذه الغاية.

ورغم إمكانية الإقرار بوجود سلطة أمورية تلتها أخرى كنعانية على دمشق، ورغم صحة أغلب الشواهد التي تربط دمشق بهاتين الحضارتين، خصوصاً، قرب دمشق واتصالها الوثيق مع بعلبك وشواطئ المتوسط، واتصالها مع الشمال والشرق[33: 18]؛ إلا أن المرجع بالغ في تضخيم المدينة وتحصيناتها ودورها الإقليمي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ذلك العهد؛ ولا يوجد ما يشير إلى أهميتها كوحدة سياسية، فقد كانت عبارة عن موقع مركزي ديني لعبادة الآلهة وسكن للكهنة وبعض المخازن التجارية على شكل أسواق محلية، ويصعب قبول أن تكون دمشق مركزاً اقتصادياً لوقوعها في مركز غوطة دمشق، ولوجود محطات أساسية قوية للقوافل في محيط الغوطة.

وتشير المراجع التاريخية إلى أن دمشق كانت منطقة هامة تابعة لمملكة صوبا[49] الآرامية.[50] وتذكر الروايات التوراتية[8: 88] إلى أنّ داود غزا دمشق، وأقام فيها حامية[51]، وبعد أن محق المملكة الآرامية في صوبا، قام رجل من رعايا ملك صوبة يدعى رزون[52]، وجمع حوله جماعة من الرجال، وتمكن من أخذ دمشق حيث أسس في دمشق مملكة آرامية قوية[53]، بهدف توحيد صفوف الآراميين، والصمود أمام زحف جيوش الآشوريين[54] المشهورة بالعنف في فترات تزايد خطرها وزحفها إلى الجنوب، والتي كانت تسعى للسيطرة على منطقة شا أمريشو[55]، والتي كانت تضم منطقة دمشق والبقاع والمنطقة المواجهة للبنان والجولان وحوران[17: 57]، وقام رزون بتحصين مدينة دمشق والقصر الملكي الآرامي، وأَسَسَ ورش صنع السلاح والعربات الحربية ومستودعات التموين، وغيرها؛[44: 9] وغدت مصدر قلق لسليمان بن داود، تحدّ من أطماع كيان إسرائيل القديم[56]؛ وكان لمملكة دمشق الآرامية من القوة الحربية ما جعلها تفرض احترامها على الآخرين، وأصبحت مركزاً سياسياً وتجارياً وثقافياً وعسكرياً هاماً، فكانت تستقبل القوافل التجارية القادمة من أرمينيا ونينوى وبابل وصور ومصر وغيرها، ومنها تنطلق إلى أنحاء العالم القديم كافة.

 وببناء معبد الإله حدد تزداد أهمية دمشق الروحية والدينية خلال تلك الفترة والفترات اللاحقة؛ وبعد وفاة رزون يعتلي العرش ابنه حزيون[57] بن روزون الذي يستكمل مشاريع والده في السياسة والعمران والدفاع، ويستمر في تعزيز قوة دمشق وتحصينها؛ وبعد حزيون يتولى المملكة ابنه طاب ريمون[58] الذي يستمر أيضاً بتعزيز قوة دمشق وزيادة أهميتها، ومن بعده ابنه[59] برحدد الأول[60]، وتشير الرواية التوراتية إلى وجود تحالف بين طاب ريمون وبرحدد الأول من جهة وبين ملوك يهوذا[61] من جهة أخرى، فلقد اتفق آخاب على أن يبني أسواقاً في دمشق[62].

 ومن ثمّ يتولى المملكة برحدد الثاني[63] الذي يقع فريسة غدر العبرانيين[64]؛ وبعد عدة معارك، يتحالف معهم لدرء خطر الآشوريين بقيادة مللك نينوى شلمنصر الثالث[65] في العام 853 ق.م، ويمنحهم أول استقرار طويل في دمشق ويمنحهم امتيازات تجارية فيها[17: 55]؛ وبوفاة برحدد الثاني ينصب حزائيل[66] على عرش المملكة الآرامية في دمشق الذي يتمكن من الاستمرار في صدّ الهجمات الآشورية المستمرة على دمشق.[67] وتستمر بصمودها وعزلتها في الحصارات التي يتجاوز عددها المئة. [17: 57]

وبعد وفاة حزائيل يعتلي بر حدد الثالث[68] عرش المملكة، ويؤدي الجزية إلى أدد نيراري الثالث[69] ملك الآشوريين، وتفقد دمشق زعامتها للدويلات الآرامية؛ وفي عهد رصين ملك دمشق تعود جحافل الملك الآشوري تغلات بلاصر الثالث[70] في العام 732 ق.م لتنهي تَمرد الآراميين وكل نفوذ وذكر لهم، فتحاصر دمشق وتَحرق غوطتها، وتسقط دمشق، ويُحمل أهلها في السبي إلى قير، ويُقتل رصين[71]؛ وتَنتهي مكانتها الدولية.[40: 132] وتصبح بعد ذلك عاصمة مقاطعة آشورية صغيرة، وجزءاً من “شا أمريشو” بعد أن وُزع الباقي بين عدة مقاطعات مجاورة؛[17: 55] ولكنها سرعان ما تستعيد بعضاً من مكانتها وازدهارها[72].

وقد عبد الآراميون الإله حدد رب المطر والرعد والسيول، إلى جانب شريكته الإلهة أترغاتيس،[21: 129] لأن اقتصادهم مرتبط بالزراعة، وتبوأ حدد أهمية مقدسة ومتميزة، فبنى له الآراميون معبداً كبيراً شكل نواة المنطقة، وبه ظهرت منطقة دمشق سيدة المنطقة وزعيمة الممالك الآرامية دون منازع[31: 197].

ويشير تكرار ذكر دمشق عدة مرات في التوراة إلى الاهتمام الذي كان اليهود يولونه لقدسية دمشق في معتقداتهم، واهتمامهم بها اقتصادياً، وتؤكد الحروب والمعاهدات والأساطير التي نسجوها على محاولاتهم العديدة للسيطرة عليها ما ذهبنا إليه.

ولا تشير الوثائق والمكتشفات إلى أن المعبد الآرامي كان قد شُيّد مكان معبد آخر أو إلى جانبه، وقد بقيت آثار هذا المعبد غامضة بسبب شدة الدمار الآشوري وتراكم الحضارات التالية عليه، ولم يعثر إلا على حجر بازلتي قياس 70/80/40 سم، نحت عليه أبو الهول يمشي إلى اليسار، وله أجنحة مزدوجة، وذقن طويلة، ويعلو رأسه تاج مزدوج، بأسلوب متأثر بالنمطين الفينيقي والمصري. [31: 198]

وتؤكد الكتب التاريخية ازدهار الحياة المَدَنِية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي بتأثير ضخامة المعبد الآرامي ضمن الرقعة المقدسة؛ وهذا لا يعني عدم وجود آلهة أخرى تعبد بالمكان نفسه، خصوصاً وأن المنطقة المحيطة تتألف من مجموعات قبلية ودينية مختلفة، كانت تحترم أديان بعضها وآلهتهم، وتشترك في الدفاع عن المكان وقدسية الآلهة؛ وقد ألزمت ضخامة المعبد زيادة قدسيته والتي تعني بالضرورة إقامة الأسواق وتوسيعها وتنويعها، وبالتالي استقطاب القوافل التجارية إلى منطقة غنية بالمياه العذبة والخضار والفواكه والخدمات الضرورية.

وتجدر الإشارة إلى إمكانية محاكاة الآثار التي خلفها الآراميون في مناطق أخرى بمعبد دمشق، والتي ينتج عنها أن الآراميين شيّدوا معبدهم في مكان وجود آلهة سكان المنطقة ومكان تعبدهم القديم والعريق والمعروف تأثراً بالمثيولوجيا المحلية، ولم يعمدوا إلى تغيير المكان المقدس بالنسبة لسكان المنطقة الأقدم لأسباب تتعلق بالتآلف الديني والحفاظ على تحالفات العيش المشترك بين مجموعات السكان المتراكمة في المكان؛ وهو ماكان يطمح إليه الآراميون، بهدف توحيد شمل سكان المنطقة، وبسبب تأثير عراقة الأسواق المعروفة للقوافل، وللاحتماء بالمستقرات السكانية المنتشرة في الغوطة وما حولها؛ رغم أن الموقع يخالف الأسلوب الذي اتبع في اختيار أماكن إشادة مدنهم ومعابدهم، حيث المناطق المرتفعة والمحصنة بشكل طبيعي وبأسوار منيعة، كما في تل حلف جوزن عاصمة مملكة بيت بخياني[73]، ومعبد عين دارة في أرباد القديمة[74]، وبما يتوافق مع تفسير اسم الآراميين على أنهم سكان المرتفعات؛ وأغلب الظن أنهم بنوا معبدهم إلى جانب أماكن العبادة القديمة، وشيّدوا قصر الملك بجانبه، ويعتقد أن الآراميين قد حافظو على الحصن وقاموا بإضافة جزء مسوَّر إلى الجنوب منه، وإلى الجنوب والشرق تجمع الآراميون حول الحصن الذي يضم منطقة العبادة المقدسة والأسواق والحكم المركزي.

وتشير الكتابات السابقة إلى أن الحديث عن دمشق “المنطقة”، أو “المدينة”، يختلف عن الحديث عن دمشق ذات “المكان المقدس”، دون سواه، ولم يتم التعرض لدمشق على أنها بدأت تأخذ بعض مقومات المدينة إلا في وقت لاحق يمتد إلى ما بعد ذلك، ويعد حصن دمشق سبباً أساسياً في نشأة المدينة، فالعبادة بطبيعتها عملية جماعية يمكن أن تولد مدناً في ظروف صعبة بعيدة عن توفر الشروط المطلوبة لاختيار الموقع كما مكة المكرمة التي نشأت في “واد غير ذي زرع”{إبراهيم: 37}؛ أما الارتكازات التحصينية التي شيدها الآراميون حولها فلا يمكن اعتبارها من الأساسيات التي يمكن أن يعتمد عليها في تحليل أسباب نشأة المدن، فاختيار موقع المدينة شرط أساسي في تحصينها لأنه يعين على دفع الأخطار، والتحصينات الطبيعية للموقع توفر سهولة في الإنشاء، واقتصاداً في بناء الأسوار والأبراج والقلاع، ومن أمثلة التحصينات أن تكون على هضبة متوعرة من الجبل، أو بإستدارة بحر، أو نهر حتى لايوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة، فيصعب منالها، ويتضاعف تحصينها؛ وهذا ما لم نجده متوفراً في وصف دمشق الآرامية، ولا بد من أن فسحة مجال الغوطة وتوزع البلدات فيها كان عاملاً هاماً في تحصينها ورفع عامل الآمان ضد الهجمات عليها، ويؤكد ذلك قيام تغلات بلاصر الثالث بحرقها وتهديم ضواحيها، كما سلف.

وغالبا ما كانت حماية الحصن تتم بجهود مشتركة من التجمعات البشرية الموجودة في غوطة دمشق ومحيطها، أو أنها كانت بالتناوب، أو أنَّها كانت للأقوى بحسب أهميتها وسطوتها، وكان الحصن مكاناً للعبادة وإجراء التبادلات التجارية والحياتية والاجتماعية وربما الثقافية لكامل التجمعات المنتشرة في محيطه، ويعتقد أن المكان كان بإشراف ممثلين عن هذه الأطراف المتعايشة، ويمكن أن يكون فيه مقار للكهنة التي تخدم الآلهات المتعددة الخاصة بكل طرف، ولكن كان من المتعذر أن يبني أحد في هذا المكان فالإقامة فيه تعني أنه قد سيطر على موقع دمشق كاملاً لارتباط عقائدهم بالحصن.

ويمكن الاستدلال من سكن الآراميين إلى جنوب وشرق المعبد والقصر، أن المقيمين كانوا من الوافدين الجدد الذين يمثلون أقليّة متميّزة حاكمة، وأنَّ الإقامة بجواره تعني السيطرة عليه والتحكم الدنيوي والديني في مقدرات المنطقة، وأنّ المنطقة كانت فارغة من البناء، مع احتمال أن تكون ملكيتها للمعبد دون سواه، وقد تمّ الحصول عليها طبقاً لأحكام كهنوتية دينية سياسية تتعلق بتحكم الآراميين بشؤون المعبد؛ كما يمكن تفسير عدم لجوء الآراميين إلى السكن في قرى الغوطة ومحيطها إلى القوة النسبية المتولدة عن كل تجمع في الغوطة، والتي تقسم الغوطة ومحيطها إلى مناطق نفوذ لهذه التجمعات، وتترك منطقة المعبد ضمن ملكيته ليكون في متناول تطلعات جميع التجمعات الواقعة في نفوذ معبد دمشق.

ولا تورد المراجع ذكراً لبناء معبد آشوري في المكان المقدس[16: 55]، بل تذكر استمرار عظمة المعبد الآرامي، فعندما أتى آحاز[75] ملك يهوا ليمثل أمام تغلات بلاصر الثالث، فيعجب بمذبح المعبد ويرسل نموذجاً عنه ليبني معبداً مشابها له في معبد القدس؛ ويشير التاريخ إلى استمرار الآشوريين في استخدام المكان المقدس بدمشق مكاناً للعبادة، وتذكر الروايات أسماء عديدة للآلهة مثل: “رامان القاصف”[76]، و”إل” الإله الكنعاني.[17: 56] ولم تشهد دمشق في عهودهم أي جهد عمراني أو معماري جدير بالذكر[77]، ولم يُذكر بناء أحياء آشورية، وأغلب الظن أنَّ المنطقة بقيت تحت نفوذهم فحسب[19: 29]، ولم يقيموا فيها، وهذا ما يؤكده تاريخ انهيار الإمبراطورية الآشورية أمام السلالة البابلية الحديثة[78]، حيث دخلت دمشق تلقائياً ضمن النفوذ البابلي؛ وتشير المراجع التاريخية إلى أنَّ دمشق تضررت كثيراً من الإستيلاء البابلي، لكن معالمها لم تتغير بشكل واضح، ولم تلق ذكراً إلا عندما تمنعت من نصرة نبوخذ نصّر[79] في حربه ضد الفرس، فينزل سهل دمشق وقت حصاد القمح، ويحرق الحقول كلها، ويبيد ماشيتهم السمان والعجاف، وينهب مدنهم، ويخرب ريفهم، ويقتل شبابهم. [17: 61]

وبسقوط السلالة البابلية الحديثة عام 539 ق.م، تنتقل إلى النفوذ الفارسي الأخميني[80]، وتبدأ مرحلة جديدة من السلام العام، ويدرك الفرس الأخيمينيون أهمية موقع دمشق، فيجعلوها مركز ولاية ومقر قيادتهم العسكرية؛ وقد تحدّث الجغرافي استرابون[81] عن أهمية دمشق في العصر الفارسي كأشهر مدينة في هذا الجزء من آسيا. [17: 62]

وبعد هزيمة ملك الفرس في معركة إيسوس عام 333 ق.م عهد الإسكندر المكدوني[82] إلى قائده بارمينيون[83] باحتلال دمشق، وتبدأ رواية[45: 117] بناء دمشق على يد اليونيين بدخول بارمنيون بسهولة إلى دمشق في تشرين الأول 333 ق.م؛ وبعد وفاة الإسكندر عانت دمشق من آثار سلبية فادحة نتيجة صراع السلطة ما بين السلوقيين[84] والبطالمة[85]، مما أوقف نشاطاتها الاقتصادية، وعرقل علاقاتها التجارية الخارجية، وانعدم دورها في تجارة طريق البخور والتوابل؛ وكانت منطقة دمشق تابعة في أغلب الأحيان لحكام مصر البطلمية، وتفقد دمشق دورها التجاري الدولي طوال القرن الثالث ق.م بسبب سيطرة السلوقيين على العراق ومنطقة الفرات وواحة تدمر؛ ويتراجع دور دمشق السياسي والاقتصادي والحضاري نتيجة الصراع المتجدد ونتيجة تناوب هيمنة السلوقيين والبطالمة عليها؛ وإن كان السلوقيون قد أهملوا منطقة دمشق، فحكام مصر البطالمة لم يعيروها اهتماماً، وفي الحقيقة لم يحقق البطالمة إلا قليلاً من الإعمار، ولم تكن إنجازاتهم سوى إضفاء أسماء جديدة على مدن قائمة اختفت تماماً فيما بعد، ولم تحتفظ دمشق باسم: آرسِنوِي Arsinoe إلا لسنوات معدودة، ليصبح اسمها: دِمِتْرِياس[86] Demetras؛ ولا يعود اسم دمشق مجدداَ إلا مع الرومان.

ومن المؤكد أنَّ دمشق بقيت تمارس في الظل دوراً اقتصادياً محلياً، وقد يكون استقرار أحد السادة السلوقيين في المدينة، سبباً لاستقرار مجموعة مقدونية معه خارج المدينة الآرامية، وثمّ بناء حي جديد تبعاً لمباديء هيبوداموس الميلي[87] في تخطيط المدن التي كان يوصي بها أرسطو[88] بحماس، وفقاً لمخطط منظم مشكل من شوارع متعامدة؛ ويصبح هناك حيان متجاورين لم يندمجا إلا بالتدريج، في الشرق الحي الإغريقي المتحلق حول ساحته العامة[89]، وفي الغرب كان الحي الآرامي القديم إلى جنوب البقعة المقدسة.[17: 67]

ويعتبر سوفاجييه[90] أنّ الحي كان تأسيساً جديداً في دمشق؛ ولكن بملاحظة إهمال كل من البطالمة والسلوقيين لدمشق، ونظراً لاستقرار السكان في دمشق ومحيطها، لم يأت تخطيطها الهلنستي الشطرنجي كاملاً، ولم يكن على المستوى الملحوظ في مدن سورية الشمالية والوسطى الذي جاء كاملاً منذ الوهلة الأولى كأنطاكية؛ ولم تكن بضخامة الموجود في المدينة أصلاً، فقد كان إنشاء المدن في الدولة السلوقية بغاية تشييد المستوطنة العسكرية لا المدينة، حيث يمنح السكان الجنود قطعة أرض لقاء ما قد يطلب منه خدمة عسكرية أو مكافأة نهاية خدمته، وفي هذا المفهوم يمكن أن تأخذ أجزاء من دمشق تخطيطاً شطرنجياً، ضمَّ تخطيطاً جديداً وشكلاً متميزاً من الأبنية التي اعتمدت الأسلوب اليوناني في البناء والهندسة، وقد شيدت مساكنه حول الساحة العامة، وبذلك يكون الحي مع الحصن أخذ شكل مدينة يونانية مصغرة بغض النظر عن الحي الآرامي، وأغلب الظن أن أرض الحي اليوناني كانت أرضاً مشجرة ضمن أملاك المعبد، ولعل قصر أنطوخيوس الرابع كان يقع في منطقة البريص قرب مئذنة الشحم، وقد بني على أنقاض القصر الآرامي الذي دمر على يد الفرس، فقد كان في الجهة الجنوبية الخطرة للمدينة وعلى أسوارها تماماً، وهو نفس مكان القصر الذي بني في الفترة العمورية الكنعانية، ويمكن لدمشق أن تكون قد توسعت عندما غادر الملك السلوقي أنطيوخس التاسع[91] عاصمته السلوقية أنطاكية بسبب كثرة الفتن متوجهاً إلى دمشق التي اتخذها عاصمة له[39: 11]، وعندما وفد إلى دمشق عدد من الإغريق للإقامة في دمشق بعد العام 90 ق.م، وبذلك كانت بداية اتصال ثقافي بين الحضارتين الآرامية والإغريقية؛ واستوعب السكان المحليون لغة المجموعة الإغريقية وفنونها وعقائدها.[8: 168] وقيل: إنَّ اليونانيين بنوا بدمشق في طالع سعد، وصرفوا أنهاراً تجري إلى الأماكن المرتفعة والمنخفضة وسلكوا الماء في أبنية الدور بها، وبنوا المعبد[5: 16]؛ وزرعوا الرياحين والأزهار في سفح جبل قاسيون ليقي دمشق من البرد[5: 60[، واختاروا الجانب القبلي لغرس الأشجار[5: 113]؛ ولا تورد المراجع التاريخية أي تفصيل عن حالة المكان المقدس في دمشق، باستثناء الاستدلال من بعض الشواهد المعمارية التي تشير إلى أن الإله حدد الآرامي قد تمثل بالإله اليوناني زيوس[92][12: 340].

ومع اندلاع الحرب الأهلية بين السلوقيين أنفسهم، تستقل معظم المدن السلوقية باستثناء دمشق التي دامت سلطتهم فيها للعام 84 ق.م، حيث افسح الصراع المجال لازدياد نفوذ قوى عربية كانت موجودة دائماً في محيط الأحداث الدائرة في منطقة دمشق؛ أهمهم الأيتورييون[93]، الذين كانوا يسيطرون، على مملكة تقع في لبنان الداخلي، تبدأ من شمال غرب دمشق على المنافذ المرافقة لنهر بردى، وعاصمتها شكليش[94]، سكنوا جبال لبنان الشرقية منها وبعض جبالها الغربية، وكانوا يسيطرون على الطرقات الواصلة إلى حمص والساحل وعلى منطقة الجليل الشمالية وبعلبك وبيروت وجبيل، وحاولوا السيطرة على دمشق بعد أن احتلوا بعض بلدات القلمون، وامتد نفوذهم حتى الساحل الفينيقي، إلى أن تدخل بومبي وضع حداً لتعسفهم[2: 84].

أما الأنباط[95] فقد كانوا  إلى الجنوب منها، سكنوا إقليم حوران، بما فيه بصرى وغيرها من المدن، مثل: السويداء وأذرعات؛ ظهرت قوتهم منذ بداية العصر الهلنستي في جنوب بلاد الشام، وصار لقوتهم الحربية والعسكرية أهميتها الكبيرة في تقرير مصير هذه المنطقة، وذلك بعد انتصارهم على القائد المكدوني أنتيجون وابنه القائد ديمتريوس؛ وفي فترة تزايد ضعف السلوقيين وتنابذهم فيما بينهم، وضعف البطمالة وفساد إدارتهم، وظهور خطر الملك الأرمني تيجران[96]، تستعين دمشق بالملك النبطي الحارث الثالث[97] الذي أخرج الأنباط من بواديهم وجعلهم يحتكون بالحضارة المدنية في دمشق ليس كأفراد ورجال أعمال كما كانوا في الماضي، بل كقوة عربية نبطية اتخذت مدينة دمشق عاصمة لها في عهده[44: 8]؛ وكغيرهم من الوافدين الجدد تطلبت إقامتهم مساكن جديدة أقرب ما يمكن من المعبد والأسواق، وكانت اللات[98] في مقدمة المعبودات التي أدخلها العنصر العربي إلى المكان المقدس[52: 56]، وأنشاؤوا لأنفسهم حياً خاصاً بهم، وكان الحي النبطي إلى الشرق من القسم الإغريقي جهة باب توما، وأبعدوا خطر الايتوريين والمكابيين[99] عن دمشق، وتتميز هذه الفترة بتعاظم وفود الهجرات العربية إلى البادية الشامية وخصوصاً محيط منطقة دمشق.

ولا يعتقد بأن الملك الأرمني تيجران حكم دمشق أثناء حكم الأنباط أو بعدهم، ولكنه استولى على الأجزاء الشمالية من سورية، ولم يدخل في سورية الجنوبية.

دمشق المدينة:

وبدخول القائد الروماني بومبيه[100] عام 64 ق.م، يبدأ الحكم الروماني، وتسقط دمشق، وتصبح مركزاً لجيوش روما، وتبعت من ذلك الحين الولاية الرومانية السورية؛ وتبوأت لقب متروبول[101] في عصر أدريانوس وكانت من رتبة عواصم المدن الرومانية؛ وجعلها سبتيموس سيفروس[102] قاعدة لولاية سورية الفينيقية، وفي عصر الأسرة السورية حملت اسم مستعمرة رومانية، مما أكسبها الكثير من الامتيازات، وكانت إحدى المدن العشرة الديكابوليس[103]، وحدَّ الرومان من سلطة الأيتوريين، وفرضوا على حاكمهم غرامات فادحة استبقاء لحكمه على بلاد الأيتوريين؛ وتركوا الأنباط  والأيتوريين يتمتعون باستقلال لا يتناقض مع المصالح الرومانية؛ أما المكابيون حلفاء الرومان فقد تاهوا في شرك حرب أهلية فيما بينهم.

وأدرك القواد الرومان أهمية موقع دمشق في المنطقة، ومنحوها متطلباتها الدفاعية والعمرانية والمعمارية والمائية بشكل يليق مع مكانتها وموقعها المتميز، وكان من أهم مشاريعهم العمرانية والمعمارية في دمشق بناء حي سكني للجالية الرومانية بالمنطقة التي تجاور الجالية اليونانية، رغبة منهم في الإقامة بجوار أقرانهم الغربيين، وأحاط الرومان المدينة المتوسعة بالسور الذي أخذ شكل أحياء المدينة، ولم يكن يوماً مستطيلاً، فأُسس بناء الأسوار لديهم تحذّر من بناء زوايا هندسية في الأسوار، لأنها ضعيفة أمام عمليات الاقتحام[34: 38]، وضم السور المنطقة المقدسة، والحي الآرامي، والحي اليوناني شرقاً، والحي النبطي ناحية باب توما، وبقيت الشوارع التي امتدت عن الأبواب الكنعانية إلى الأبواب الآرامية التي بقيت على اشتقاقها واتصلت بالأبواب الرومانية ومنها تابعت إلى خارج المدينة؛ ويمكن تعليل سكن الآراميين واليونانيين والأنباط والرومان في أحياء مستقلة حول المعبد أو منطقة المعابد بشكل ملاصق لسوره إلى أنّ هذا النوع من السكن كان للفاتحين الأقلية وللحكام والنخبة والأثرياء والمتنفذين، أما البقية فكانت في تجمعات تبدأ من محيط السور باتجاه واحة الغوطة وحولها.

وكان السور الحجري الضخم الجديد يضم أرضاً تقدّر مساحتها بنحو هكتار ونصف الهكتار؛ وكانت أبوابها سبعة كل منها يُتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة، فباب القمر (باب السلامة) كانوا يسمونه باب الفراديس الصغير، ولعطارد باب الفراديس الكبير، وللزهرة باب توما، وللشمس الباب الشرقي، وللمريخ باب الجابية، وللمشتري باب الجابية الصغير، ولزحل باب كيسان؛[6: 1/84] وكان هدف السور السيطرة السياسية على السكان المقيمين داخله في الأحياء الإثنية والدينية، وتقييد حركتهم دخولاً وخروجاً، منعاً من قيام ثورات بسبب زيادة عدد سكان طائفة على أخرى خصوصاً العرب والمحليين أمام الأقليات الحاكمة، إلى جانب أهميته الدفاعية، ولم يكن سور دمشق من الأسوار المنيعة نظراً لأسباب نشأتها التي لم تراعِ الجوانب الدفاعية عند تأسيسها، والتي يمكن لحظها مقارنة بأسوار وتحصينات مدن قديمة أخرى، ونظراً لتكرر اقتحام سور دمشق لاحقاً.

وتَتَبنى المدينة الرومانية التخطيط الشطرنجي، ويُشقُّ شارعان رئيسان، أحدهما يقطع المدينة من الشرق إلى الغرب ويعرف باسم “DECUMANUS”، والمعروف باسم الشارع المستقيم “VIA RECTA”، يتوسطه مبنى قوس التترابيل؛ والآخر يقطع المدينة من الشمال إلى الجنوب ويسمى “CARDO” الذي يقع عند قوس التترابيل قرب الكنيسة المريمية، تواكب هذين الشارعين الرئيسين أروقة قائمة على أعمدة لها تيجان كورنثية، وكانت المدينة تتضمن مسرحاً لا يقل أهمية عن مسارح المدن الأخرى.

وكان معبدها موقع اهتمام الأباطرة[37: 341]، ويتم تحويل معبد الإله حدد الآرامي إلى معبد جوبيتير الدمشقي المتميز بسعة ساحته، وضخامة مبناه، وضخامة سوره وقوة تحصيناته[54: 267]؛ يتألف من ساحة مركزية وسورين مستطيلين متوازيين، يشيران إلى الفصل بين الأماكن المقدسة والدنيوية، والسوران يحيطان الهيكل.[12: 140] وكان يتصل بالساحة العامة بشارع هام؛ وتشير عدة كتابات [49: 120]، إلى الاحتفال بذكرى بناء أجزاء مختلفة من البناء؛ وينسب إلى سبتيموس سيفيروس أو ابنه كراكلا[104] بناء الباب الثلاثي في سور معبدها الضخم؛ كذلك فإن كاتباً معاصراً للإمبراطور جوليان المرتد[105] كان يصرح بأن دمشق هي المدينة الحقيقية للإله جوبيتر الذي اقترن ببعل المدينة وسمي جوبيتر الدمشقي، وهي تستمد هذا التفوق من جمال احتفالاتها وعظمة معبدها[55: 223]، وتدل كتابات إلى بناء السوق المغطى “الغاما”[17: 81]، وأنَّ السوق المحيط بالمعبد كان قد أُنشئ لصالح المعبد،[22: 70] وشُقت طرق جديدة ورُصفت الطرقات الترابية بالحجر تسهيلاً لوصول المحيط إلى المعبد.

وفي ظل التغيرات الحاصلة، تتطور مفاهيم الآلهة والعبادات ما بين المقيمين والوافدين إلى منطقة دمشق من فاتحين سابقين وعرب رحل؛ ويزدحم المكان المقدس بدمشق باللآلهة وتتماثل اللآلهة مع بعضها وتتقابل، فكان بعل يقابل حدد، ويتطابقان مع زيوس، ويتوحدان مع الإله بعلشمين لتظهر على شكل الإله الكوني؛[18: 12] ويولد “جوبيتير الدمشقي” في قدس دمشق بثوب بهي منها في معبد ضخم واسع مزين، إلى جانب الربة السورية أترغاتيس[29: 244].

وهكذا، فقد كان معبد دمشق قبل ظهور المسيحية هيكلاً عظيماً للآلهة، وعلى منارته تماثيل منصوبة[9: 268]؛ ولم يكن على شكل بانثيون فحسب، لأنه كان يجمع آلهات لشعوب من قارات مختلفة، وأشبه بتجمع معابد قريب بالشكل من بعلبك، ولهذا دعي بـ”الحصن”؛ ويعود ذلك التلاقي في الآلهات بهدف التقرب من السكان المحليين، وتوحيد الفكر الديني الذي كانت تسوده الثيوقراطية[106]، حيث يتمتع الحكام بسلطتين دينية وزمنية في الوقت نفسه، فهم إما مؤلهون، أو ممثلو الآلهة على الأرض ومفوضون منها بالحكم، فكانوا حكاماً كهنة[48: 180].

ويتضح من السرد السابق تعاظم أهمية المكان المقدس خلال الفترة الرومانية، وأنَّ دمشق بدأت تأخذ مقومات المدينة في ذاك العصر، ويعود سبب ذلك إلى شكل وعدد التجمعات الحضارية والقبلية المتمسكة بأحيائها في المحيط الملاصق للمنطقة المقدسة؛ ولم تتطرق النصوص إلى ذكر أية أهمية للمحيط القريب والبعيد الذي يمثل المجال الحيوي والعمق اللوجستي لمدينة دمشق؛ وقد تم ذكر تاريخ الفاتحين الوافدين وأماكن استقرارهم بشكل متعاقب إلى جوار الحصن، ولم يتطرق التاريخ بشكل مباشر إلى ذكر السكان المستقرين[37: 374]، وكأن الفاتحين يتنافسون فيما بينهم، ولا وجود يذكر للسكان المقيمين منذ أول فتحٍ مؤرخٍ لدمشق؛ وعلى الرغم من أنَّ المراجع التاريخية كانت تغفل دور السكان المحليين[107] لكن ذِكر آلهتم يؤكد وجودهم[11: 315].

وتُبشَّرُ دمشق بالديانة المسيحية وتتسرب إليها منذ وقت مبكر[1: 96]، ويظهر من خلال حادثة[108] شاؤول وقدومه إلى دمشق لملاحقة النصارى[109]، أهمية عددهم فيها، ويأخذ شهرته بتحوله إلى قديس باسم بولس[110]، ويؤسس للمسيحية في دمشق، ويُعتقد أنَّ حنانيا الدمشقي، الذي عمل على شفاء بولس وإعادة النظر إليه وهدايته، كان من تلامذة المسيح السبعين الذين أرسلهم للتبشير بالمسيحية[34: 10].

ومع تحول الأباطرة الرومان وإصدارهم للمراسيم التي تدعم الديانة المسيحية، بدأت تُحظر الطقوس القديمة، وأخذت المسيحية تنتشر على حساب العبادات القديمة بشكل متتالٍ؛ وفي عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير[111] تتحول الدولة الرومانية، ويُؤمَرُ بإبطال عبادة جميع الآلهة؛ وتتوقف عبادة جوبتير الدمشقي؛ وفي عهد أركاديوس ابن ثيودوسيوس يهدم بعض الهيكل، وتستخدم حجارته في بناء كاتدرائية مكرسة للقديس يوحنا المعمدان[112]،[57: 186] ويتم تعديل البناء بشكل كامل ليتوافق مع طقوس الديانة المسيحية[55: 234]. في حين بقيت المناطق الريفية القريبة على ولائها لمعتقداتها القديمة، بدليل وجود أمر موجه لحاكم دمشق يقضي بتدمير المعابد الريفية لتحول دون أية تجمعات أو عصيان[13: 113]. وتغدو دمشق المدينة حاضرة مسيحية تفخر بكاتدرائية القديس يوحنا المعمدان، تأثراً بمثولوجيا المكان المقدس، ويُعتمد له التعامل مع المجتمع وفق التقاليد القديمة، فتشير كتابة باليونانية[113] إلى أن الكنيسة قد ورثت امتيازات المعابد القديمة وتمتعت بها حسب تشريعات ثيودوسيوس وستينيانوس، فكانت مقر عبادة وتصوف، ومنارة علم، وتدير الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتمنح حق الآمان واللجوء.

وفي أواخر القرن الرابع الميلادي تصبح دمشق ضمن خارطة الدولة البيزنطية، وتحتل دمشق بفضل كنيسة يوحنا المعمدان المشادة في الحصن مكانة موازية ومنافسة للقسطنطينية في العالم المسيحي؛ وبإعلان بدء المسيحيين صلواتهم في قدس دمشق يبسط الدين الجديد نفوذه على منطقة دمشق، وتغتني الروايات الدينية بأهمية المكان وقدسيته في تاريخ الدين المسيحي. ولم يشهد العصر البيزنطي تنظيماً عمرانياً، باستثناء ظهور الكنيسة كعنصر معماري جديد، وتذكر المراجع[6: 2/48] التاريخية ما يقارب 40 كنيسة داخل السور، منها الكنيسة المريمية[114]، وكنيسة المصلبة في حي باب توما، وكنيسة المقسلاط، وكنيسة بول، ومن الأديرة: دير مرّان في سفح قاسيون، ودير سمعان، ودير النساء في منطقة الفراديس وغيرها.

وبضعف الإمبراطورية البيزنطية نتيجة أزماتها الداخلية، تنقسم مع تتالي الضربات الفارسية، وتسقط دمشق كغيرها في العام 540 م بيد الفرس، ويدمرون كثيراً من أبنيتها، ويعيثون فساداً بها؛ ويدخل الغساسنة[115] في حلف مع بيزنطة ويوليهم البيزنطيون مقاليد الأمور، وتعود بعد برهة قصيرة إلى مجدها باستردادها على يد عمالها بني غسان؛ إلا أن المنطقة تعيش مرحلة من الصراع الداخلي بين أمراء الغساسنة من جهة، وبين الدولة البيزنطية من جهة أخرى، الأمر الذي خلَّف الخراب والدمار، وفقدان السلطة المحلية التي تمسك بزمام القبائل النازلة في الجنوب وتمنع ثوراتها ضد بيزنطة، ورفضها دفع الضرائب أو الانضمام للجيش الإمبراطوري، الأمر الذي خرب الاقتصاد وفرَّق الشمل وألحق الدمار بالبلاد.[38: 18]

ومع استمرار الحروب مع الفرس تسقط دمشق في العام 612 م بيد الفرس على يد خسرو الثاني[116]، وإذا أضفنا إلى ذلك كله أنَّ بعض سكان دمشق كانوا يدينون بالمذهب اليعقوبي الذي يقول بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح بخلاف بيزنطة الملكانية، لوجدنا ما يفسر حسن استقبال الدمشقيين للفرس، وبالتالي حسن معاملة الفرس لهم، بعكس ما حدث في العام 614 م حين وصلت الجيوش بقيادة شهربرز[117]، الذي قضى على كل حضارة وجدت في طريقه، وعمل فيها يد التخريب والنهب؛ وتابع زحفه نحو بيت المقدس، ولم يواسِ دمشق استرداد الروم البيزنطيين لها، حين عودة هرقل[118] إلى سورية بانسحاب الجيوش الفارسية من دمشق بوفاة خسرو الثاني.[39: 14] وفي نهاية هذه المرحلة تحولت المدينة عن الشكل الهلنستي الروماني إلى مدينة مشرقية، وتخرج عن النظام العمراني الشطرنجي، وتصبح بيوتها أكثر كثافة والتصاقاً وتراكباً وفراغاتها العمرانية أكثر قرباً؛ وتمتلئ ساحة المعبد بالأبنية، وتختلط بالمخازن وتخترقها طرق وأزقة[43: 48].

مثولوجيا المكان المقدس عند الأمويين:

إنَّ تعدد الهجرات العربية واستمرارها إلى بلاد الشام عبر قرون عديدة، قبل التاريخ وبعده، يؤكد ترسخ فكرة أنها أرض الخلاص المليئة بالحضارة والخير والمياه العذبة، وأنها الملاذ الأهم بالنسبة لهم في سبيل تجنب حياة القلّة والتقشف والترحال التي كان يعيشها العرب في شبه الجزيرة العربية نتيجة الظروف البيئية والطبيعية؛ فهاجروا إليها تباعاً بعد انتشار أخبارها وصفاتها ومميزاتها عن طريق القوافل التجارية؛ وكانت دمشق، التي يدعونها بالحصن، من المدن الهامة والواضحة في أذهان العرب قبل الفتح الإسلامي نتيجة التبادلات التجارية المباشرة معها؛ وقد احتلت مكانة عظيمة في طموحاتهم، أتت ثمارها في الفتح الإسلامي لدمشق في العام 636م عندما جهز المسلمون العرب جيوشهم باتجاهها.

ولم تلق هذه الجيوش مقاومة تذكر من السكان المحليين المحيطين بمدينة دمشق، لأنَّ معظمهم كان من عرب الضاحية، وبالرغم من أن دمشق لم تكن تخضع لحكمهم مباشرة، إلا أنَّهم كانوا يسيطرون على المناطق الملاصقة لدمشق والطرقات الموصلة إليها، وكان هناك اتصال قوي بين البدو وسوقهم الكبير؛ وكانوا يعرفون دمشق ويرونها مثالاً للأبهة والحضارة.[8: 92]

ويدخل المسلمون المدينة عام 636 م، ويخرجون منها لهزيمة جيش هرقل في معركة اليرموك، ويتولاها يزيد بن أبي سفيان[119]؛ وتصف الروايات البيزنطية حال دمشق آنذاك بالآتي: “وقد اعتلى عرشها ولا يزال يحكمها ملك عربي، وفيها كنيسة عظيمة بنيت لتمجيد القديس يوحنا المعمدان، وهناك أيضاً معبد للعرب، بُني في هذه المدينة نفسها التي يرتادها العرب أنفسهم”[120]؛ ويسكن المسلمون الديار التي أخلاها الروم، ويستعين معاوية[121] بعرب الضاحية ويُصاهرهم بزواجه منهم[122]، ويوليهم وظائف هامة ورفيعة في إدارته وجيشه، ويستعين بهم في باقي فتوحاته الأموية[45: 219].

ويظهر أنَّ معاوية لم يبذل جهداً كبيراً في عمارة المدينة على نطاق واسع، ويُبنى جامع صغير داخل الحصن، وتظل المنطقة المقدسة سرة المدينة كما كانت في سالف عهودها، سورها يحيط بكنيسة القديس يوحنا والمسجد القديم[123]؛ وكان من أوائل ملامح توطيد مظاهر الحكم أن شيَّدوا مسجداً في المكان المقدس تأثراً بمثيولوجيته، وتحقيقاً لحلم بعيد ظل يراود العرب على مدى عصور، وكان المسجد منفصلاً عن الكنيسة ومجاوراً لها.[3: 238] ولم يستعمل المسجد القديم إلا بصفة مؤقتة لمدة لا تزيد على خمسين سنة. [8: 98]

وبظهور الدولة الأموية وامتداد الفتوحات الإسلامية، تحتاج عاصمتها إلى قدسية دينية تؤكد مكانتها أمام المدن المقدسة مكة والمدينة والقدس؛ ويأتي بناء المسجد الجامع على يد الوليد بن عبد الملك[124] بمكان كنيسة يوحنا المعمدان ليؤكد فكرة قدسية الحصن التي ظلت عالقة في أذهان العرب؛ ومن ثمَّ تنضم دمشق إلى المدن الإسلامية المقدسة، وتصبح رابع الأماكن الإسلامية المقدسة؛ وكان بإمكان العرب اختيار مكان أهم وأوضح لبناء مسجدهم وحتى مدينتهم، والإقامة في المدينة القائمة لم تكن من الأمور المفضلة لديهم، وغالباً ما كانو يلجؤون إلى بناء مدينة جديدة قريبة أو ملاصقة للمدينة القائمة لاعتبارات عسكرية/ أمنية، ودينية/ ثقافية؛ ولكنهم سكنوا المدينة إلى جانب الفاتحين السابقين ونافسوهم على أماكنهم بجوار المكان المقدس، ولولا قناعتهم بالأهمية التراكمية لهذا المكان عبر التاريخ لدى الناس، لما قاموا ببناء مسجدهم الرئيسي في المكان نفسه داخل الحصن منذ اليوم الأول، وكان بإمكانهم اختيار مواقع أهم وأسهل، وتنظيم الأمور كما يشاؤون، خصوصاً، وأن المسجد الكبير بُني في أوج ازدهار الخلافة الأموية، وكانوا بذلك يوفرون على أنفسهم عناء الدخول في مفاوضات التنافس عليه، والتي جمّلها التاريخ العربي بقول: “جَرَدُوهم من كنيستهم”[8: 98]، ولغدت دمشق، بكنيستها وجامعها، بأهمية القدس الدينية.

ومن الراسخ أن العرب المسلمين لم يكونوا بحاجة لمكان مقدس إضافي ينافس مكة والمدينة والقدس، وحقيقة فإنَّ المدن الإسلامية المقدسة الثلاث كانت ذات صدى أقوى فيما لو كانت عاصمة العرب آنذاك؛ ولكن لتقدير العرب لهذا المكان ولتأثرهم بمثيولوجيته، فقد استخدموا الأسلوب نفسه الذي طبقته الأقوام التي فتحت دمشق وتملكت عليها، وسيطروا على كامل المكان المقدس للمدينة، وأعادوا بناءه ليتأكدوا من بسط نفوذهم على دمشق، وهذا ما يفهم من رواية ذهول رئيس الوفد الرومي من مشاهدة الجامع معلقاً بقوله: “إنَّا كنا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء أهل العرب قليل، فلما رأيت ما بنوا، علمت أنَّ لهم مدة لا بد أن يبلغوها”[8: 43]؛ وبهذا لم يَحد العرب عن الأسلوب التاريخي للتعامل مع المكان المقدس، عندما قاموا ببناء مسجدهم على أكمل صورة، ليكون أهم ملامح حكمهم وقوتهم؛ وأوقفت له الهبات والأملاك، وبُنيت خزنته في صحنه، وجُعل منه المكان الأول للعبادة، ومركزاً أولاً لاتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية الهامة وإعلانها، وكان الخليفة يستقبل عماله ورسله ويقاضي الناس ويفصل في الأمور الجلل.‏ ومنارة دنيوية دينية ضمت في جدارها الجنوبي محاريب المذاهب الإسلامية، ليكون بذلك منبع السلطة الروحية والمادية المطلقة لدولتهم، كما كان دائماً لمن قبلهم، لتتأكد القدسية التاريخية لهذه البقعة الجليلة من دمشق لدى جميع الأمم الوافدة على هذه المنطقة.

وكغيرهم، أعادوا اكتشاف النصوص الدينية لتأكيد قدسيتها، واسترجعوا تفسير عدد من الآيات والأحاديث الشريفة، ونسبوا الروايات بما يتقارب مع مكانة دمشق الدينية التاريخية لدى الأقوام السابقة على العرب، فقالوا في تفسير قَسَم التين “وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ1، وَطُورِ سِينِينَ2، وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ3″[التين] بأنَّ المقصود: طور تينا أي جبل دمشق، أو أنها دمشق عينها، ومنهم من ذهب إلى تفسير التين في الإشارة إلى المسجد الجامع قبل أن يبنى، وتُضَاعِف الروايات ثواب الصلاة في مسجد دمشق، ويعتبرونها من أبواب الجنة، وفسروا قوله تعالى: “وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين”، بأنها ربوة دمشق؛ وتتوالى الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام”، وأنَّ “معقل المسلمين أيام الملاحم: دمشق”، و”ستكون دمشق في آخر الزمان أكثر المدائن أهلاً وأكثرها أبدالاً وأكثرها مساجدَ وأكثرها زهاداً وأكثرها مالاً ورجالاً وأقلها كفاراً”؛ وحتى وعدت دمشق بأحداث مستقبلية هامة كنزول المسيح عند منارتها الشرقية، ومثلها الكثير الذي يشمل محيط دمشق وقراها بالقدسية الدينية الإسلامية.[6: 1/203]

ولم يعتقد العرب بالهامشية الجغرافية لدمشق العاصمة وعدم توسطها رقعتهم الحضارية، لأنهم كانوا يعتبرون أنَّ الصحراء جزء أساسي من بيئتهم وامتداد طبيعي لنفوذهم لا ينافسهم أحد فيها؛ وبغياب أم القرى والمدينة المنورة يبني الفاتحون الجدد جامعهم ليستحضروا ذكر مدينتهم الجديدة؛ ويستخدموا المواد التي كانت لا تزال باقية في أطلال المباني القديمة الفخمة، ويبقوا على سور الحصن وأجزاء من الكنيسة؛ وتستحضر العمالة الفنية الماهرة من الأرجاء للعمل في إشادته، وينفق على البناء مبالغ ضخمة، وتحصل دمشق على آية شاهدة على عظمة مكانها المقدس، تعبر بشكل واضح عن قدسية المكان أكثر من تعبيرها عن الأمويين أنفسهم، فعمارة المسجد كانت محلية، بإجماليها وتفصيلها، غير مسبوقة، وغير مكررة، في ملامح العمارة الإسلامية، كانت ميثولوجيا المكان المقدس هي الملهم الوحيد لولادة هذه المأثرة، تماماً كما كانت مع من كان قبلهم.

وتفرض دمشق ميثولوجيتها المتميزة على الأمويين، ويهتمون بها أكثر من مكة والقدس وجميع المواضع المقدسة لديهم، ولم يكن الدين حاجزاً بين المسلمين وغيرهم، فعاشوا مع السكان المحليين، وسكنوا إلى جوارهم، فكان المسيحيون على صلات وثيقة بالخلفاء يشغلون أرفع المناصب؛ كما لم يغير العرب المسلمون الفاتحون أسماء المدن والبلدات ولم يحوروها، وتركوا الأسماء الكنعانية والآرامية والسلوقية، وكأنهم أدركو أصالة هذه الأسماء، وأبقوا اسم دمشق كما هو، وفسروه بما يريحهم، ولم يستبدلوه باسم آخر وفق معتقداتهم التي لا تسمح بتمجيد، أو حتى ذكر، اسم محلي قديم غير عربي ووضعه على جبين عاصمتهم الإسلامية.

 وفي أيام الخليفة مروان الثاني[125] تسقط دمشق أمام ضربات العباسيين، ويفتح عبد الله بن العلي[126] دمشق بعد حصار قصير، وتنتهك وتنبش قبورها وتهدم أسوارها، وتنكمش وتصبح قصبة ولاية مهملة، ولم تعد تذكر المدينة لفترات طويلة بعد ذلك.

الخاتمة:

ويمكن القول: إنَّ من كان يسيطر على الحصن، كان يعتبر نفسه متمكناً من منطقة دمشق؛ فدمشق حقيقة هي تلك البقعة المقدسة، التي استقدمت الآلهة من أصقاع العالم إليها محمولة على سيوف شعوبها ورماحهم لتتنافس على حيزٍ فيه، وعندما كان يشتد الزحام كانت تتلاصق ولا تغادر، وكانت تندمج وتتوحد وتُوَلِد آلهة جديدة في ثياب دمشقية مقدسة؛ وحتى عندما غادرت أو دفنت، كان يكفيها تقديساً أنَّها بلغت قدس دمشق؛ حتى الأديان السماوية حجت إليها تباعاً وكأنها ركن من عقيدتها ومنارة إشعاعها، والمنبر الأهم لانتشارها، وحتى الأنبياء والرسل والأولياء كانوا يعرجون بقصصهم وأحداثهم عليها؛ لم تتراكم عبادات المتعبدين ولم تتزاحم الآلهة والأديان في مكان كما اجتمع في بقعتها المقدسة، دمشق ليست المدينة، دمشق هي ذاك المقدس.

وبهذا يثبت أن المنطقه المقدسة في دمشق تحمل قيمة رمزية تتجاوز الآلهة والأديان المتعاقبة عبر التاريخ، لدرجة يكون الخطأ فيها محققاً فيما لو حددت بدين معين مهما طالت فترة العبادة، فهذا المكان المقدس لم يكن نتيجة، بل كانت قدسيته حدثاً وسبباً في تاريخ محيطه القريب والبعيد وفي تاريخ الأمم التي تطلعت إليه، لم تقف رمزيته عند دين معين، فهو لا يزال يعبر عن سكانه من الآلهة والأديان، فلم يتمكن أحد من إلغاء تاريخ من سبقه رغم التهديم والتغيير والتجديد، لأن الجميع فشلوا في إضفاء شخصيتهم وانصاعوا ليتقمصوا شخصية المكان المقدس.

والجدير بإشارة قدسية المكان هو تأثيرها الدلالي، وليس كينونتها المادية ولا شكلها المنظور لثبوت تحولهما وتغيرهما عبر الزمن؛ ويبقى تأثير الدلالة الثقافية للقدسية أشد ثباتاً ومقدرة على التعبير عن المكان؛ ولا يشترط بدلالة المكان المقدس الاستناد على واقع مادي يحدد بموجبها صدقها أو بطلانها، إذ تستند الدلالة على اتفاق مسبق من الأغلبية بحيث يتم تداولها بالصيغ الأشمل، وعلى الرغم من استحداث دلالات قوية كالجامع الأموي، إلا أنها لا تتمكن من إلغاء الدلالة الأقوى لدى المحدثين والآخرين، فالإشارة تخضع لقواعد، والقواعد تفرض احترامها بقوتها، وتتضح قيمة الدلالة من خلال التعامل الحقيقي لها من قبل مجتمعها ومدى التزامه بدلالتها كمقوم في عرف قائم في معاش مشترك.[20: 206] فهي دلالة خطابية ناتجة عن كثافة بلاغية تمتلئ بالإيقاع والمجاز مهما كان التقديم والتأخير الزمني لمراحلها، تؤدي وظيفة تواصلية تبليغية غير قابلة للتأويل ومعصومة من القصور. وتدلل فقرات البحث على سلسلة من النقاط الهامة المرتبة على الشكل الآتي:

  • إنَّ أصل الاسم “دمشق” لشخصية إلهية أو منتهية إلى آلهة كانت تعبد في المكان المقدس، ويُستبعد أن يكون أصل الاسم وصفاً للمكان بإحدى اللغات المحكية.
  • حافظت ميثولوجيا المكان على خصوصيتها خلال العصور القديمة؛ ونُسجت روايات عديدة حول تنافس عدد من الشخصيات التاريخية والدينية على الانتساب للمكان المقدس بإشادة جدرانه وأسواقه وأبوابه.
  • جميع الروايات القديمة التي أوردت ذكراً دمشق كانت تقصد المكان المقدس وليس المدينة، والمدينة بدأت بالتشكل في عهود متأخرة؛ وهذا يتوافق إلى حد بعيد بالنظر إلى أنَّ السكان أقاموا في تجمعات ريفية بالمحيط القريب حسب مهنهم الزراعية والرعوية والصناعية التي لا تستدعي السكن في مدينة.
  • تطورت العبادة في المكان المقدس من كهف للعبادة إلى معبد، وبتعدد الألهة ونمو النشاط الاقتصادي، تم بناء سور لتحصين الموقع؛ ولم تأخذ دمشق أية صبغة سياسية.
  • تبوأت دمشق مركزاً دينياً رئيسياً في المنطقة، تخضع لحكم مشترك بين التجمعات المحيطة بالغوطة والمنتشرة فيها، وفي بعض الأحيان كانت للأقوى بينهم؛ ولم يُشر تاريخ المكان إلا إلى استقرار ديني إلهي يعكس انتماء المستقرات المحيطة به إليه.
  • استضافت الآراميين كعاصمة عسكرية تجارية في آخر فترة حكمهم في ظل ظروف استثنائية تتعلق بانشقاق الدولة الآرامية وصراعها الكبير مع اليهود والآشوريين، وكانوا بنوا معبدهم في المنطقة المقدسة ودعموا الحصن وحافظوا عليه كرمز للمنطقة ولدولتهم.
  • احتلت المنطقة من قبل شعوب عديدة، ولكن لم يتوطد هذا الاحتلال إلا بالوصول للمنطقة المقدسة ووضع الآلهة الجديدة فيها.
  • حاول اليونان اقتصاص اسم دمشق، ولكنهم لم يفلحوا؛ لأنهم أهملوا المدينة كلها، وأقاموا حياً خاصاً بهم بصيغة مستوطنة عسكرية، اعتمد تخطيطه على ملامح مدنهم وربطوه مع المعبد، متجاهلين العمران القائم ولم يقوموا بتأسيس مدينة متكاملة.
  • بدأ الرومان ببناء المعبد، وأعادوا للحصن هيبته ومكانته وغدا أوسع من البانثيون بآلهته المتنوعة، ثمّ نظموا التجمعات السكنية والأحياء والأسواق حول الحصن، واختطّوا مدينة ذات ملامح رومانية، وأقاموا سوراً يحيط بالمدينة.
  • تتوطد المسيحية في دمشق ببناء كنيسة يوحنا المعمدان داخل الحصن، ولكن يتراجع تنظيم المدينة في العصر البيزنطي، ويتجاوز العمران حدود الحصن، وتبدو مدينة مشرقية ذات وزن ديني واقتصادي في المنطقة.
  • تؤدي دمشق دوراً ريادياً في توطيد العصر الأموي، لأن العرب اعتبروها في وسط بيئتهم الصحراوية؛ وببناء المسجد الكبير في المنطقة المقدسة تصبح العاصمة السياسية ورابع الأماكن المقدسة، وتتلاشى ملامح الحصن.

أثرت ميثولوجيا المكان المقدس على جميع الحضارات وعلى جميع الأديان بلا منازع، وكانت تفرض سيطرتها على المفاهيم والمعتقدات على عكس ما يدعي هؤلاء المؤمنون بأنهم صبغوا المكان بشخصيتهم وأديانهم مهما كانت إلهية، وهذا ما يثبت بأنها من الأماكن المقدسة فعلاً، وهذا ما يستوجب التعامل معها ورفع شأنها وعدم تحويل جوارها إلى ما يسيء إلى قدسيتها.

ويُرجع البحث ضرورة التمسك بمنشأ هذا المكان المقدس والتقيد بمساره التاريخي، على اعتباره رمزاً بذاته، يحمل في ترابه قبل أحجاره، مفاهيم دلالية لجميع الحضارات التي تزاحمت لتنال ذكراً في تاريخه؛ ورغم جميع محاولات تفريغ المكان من محتواه المقدس عند حصر الدلالة في جمال المبنى وزخرفته وأعمدته وقبابه، إلا أنه لا يزال مستمراً بإرسال دلالاته لحجاجه، من أرضه ومن خلف جدرانه ومن سمائه؛ ليضفي قدسية على زواره من جميع الأديان؛ ولا يزال يبث تعابير تعارف عليها الجميع، وأصبحت عرفاً يرجعون إليه في حالات الاتصال فيما بينهم، ذلك العرف الذي يثبت بموجبه الاتفاق على قدسية المكان، ويعكس تعايش العلاقات الاجتماعية بتراكم ثقافي يحقق الاتصال بين المجموعات المتعاقبة على المكان.

وحقيقة يصعب تطلع الباحثين في جمال عمارته عند تجاهل أهمية ميثولوجيا قدسية المكان وتاريخه، فعلى الرغم من الدراسات القيّمة التي تناولت الآيات المعمارية لهذا المكان، إلا أنها كانت تبحث في النتائج لا عن الأسباب؛ وحقيقة لا يمكن إغفال النتائج المتفق عليها في هذه الدراسات لدلالتها على بيان تأثير المكان على التاريخ، فهنا كانت صخرة هابيل وقابيل، وتحت البلاط مدخل الكهف، وهذا جدار هود، وهناك كان يرقد حدد وهذا مدخل معبد جوبيتير، وفي الوسط رأس يوحنا، وفي الشرق جيرون والسقيفة والكنيسة والجامع القديم، وهذا سور الحصن، وغير ذلك؛ ولا معنى لقدسية المكان دون الإشارة بوضوح إلى آثار جميع الحضارات التي تؤكد سطوة ميثولوجيا المكان على تاريخ دمشق المدينة ومنطقتها.

[1]  الميثودولوجيا: Methodology‏، علم المنهج، أو هو العلم الذي يدرس المناهج البحثية المستخدمة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة، ويعتبر فرعا من فروع الايبستمولوجيا.
[2]  ابن خلدون: هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي، مؤرخ وفيلسوف اجتماعي عربي ينتهي نسبة إلي وائل بن حجر من عرب اليمن، ولد بتونس 732هـ/ 1332م؛ ونشأ في اشبيلية، ودرس على مشاهير علماء عصره القرآن وعلومه والتفسير والحديث والفقه والأصول، كما درس علم المنطق والفلسفة والرياضيات؛ توفي في مصر سنة808 هـ الموافق 1406م. صاحب كتاب (العِبَرِ وديوانَ المبتدَأ والخبرِ في أيامِ العربِ والعجمِ والبربرِ ومن عاصرهُمْ من ذوي السُّلطان الأكبرِ).
[3]  فلافيوس بلوندوس: Flavius Blondus، فلافيو بيوندو بالإيطالية، (1392- 1463) مؤرخ في النهضة الإيطالية، وهو أحد المؤرخين الذين قسموا التاريخ إلى فترات ثلاث (القديمة والقرون الوسطى والحديثة) وهو معروف كأحد علماء الآثار، ولد في مدينة فورلي، وبعد إقامة قصيرة في ميلانو، انتقل إلى روما في 1433 حيث بدأ العمل في كتابة التاريخ؛ عين الأمين العام لكانسيليريا، ومن ثمَّ نفي إلى فيرارا وفلورنسا.
[4]  انظر: محمد محفل، دمشق الأسطورة والتاريخ- من ذاكرة الحجر إلى ذكرى البشر، سلسلة تاريخ وآثار وعمران، الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، دمشق، سورية، 2008. ص: ج.
[5]  الميثولوجيا: علم الأساطير، تشير إلى مجموعة من الفلكلور/ الأساطير الخاصة بالثقافات التي يعتقد أنها صحيحة وخارقة، تستخدم لتفسير الأحداث الطبيعية وشرح الطبيعة والإنسانية؛ تشير أيضا إلى فرع من العلوم التي تتناول جمع الأساطير ودراستها وتفسيرها.
[6]  أسد رستم: هو أسد جبرائيل رستم مجاعص، (1879 – 1965)؛ مؤرخ لبناني تميز بإنتاجه الغزير، ومنهجيته الموضوعية، وريادته في إرساء منهج البحث التاريخي، وتخليصه من الطائفية الضيقة إلى آفاق أرحب من الاعتدال والإنصاف؛ درس في الجامعة الأمريكية في بيروت، ودرس في بارس، وتخصص بجامعة شيكاغو، وأصبح أستاذاً يدرس التاريخ في الجامعة اللبنانية، وكان مستشاراً في قيادة الجيش اللبناني؛ له مؤلفات عديدة أهمها: “الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب”؛ وقد كرمته الدولة قبل وفاته، فنال جائزة رئيس الجمهورية سنة (1384هـ= 1964م) لمجموعة إنجازاته.
[7]  الاجتهاد: لغة كما قال أبو حامد الغزالي: هوبذل الجهود، واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة وجهد. والجهد في علمٍ هو تلافي فراغ بالتجربة والاختبار، وإعادة المشاهدة، وبعد التذرع بالمنطق، يضاف إلى سائر المعلومات.
[8]  هود: هو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح. أرسله الله في قبيلة من القبائل العربية البائدة، المتفرعة من أولاد سام بن نوح، وهي قبيلة عاد، وسميت بذلك نسبةً إلى أحد أجدادها، وكان قوم هود من عبدة الأصنام بعد الطوفان وكانت أصنامهم ثلاثة: صدا وصمودا وهرا.
[9]  وحيطان مسجد دمشق الأربع من بناء هود عليه السلام، وما كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك، عن ابن عساكر، ج 2، ص. 8.
[10]  إبراهيم: شخصية بارزة في الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية. وردت سيرة حياته في سفر التكوين، وفي القرآن أيضاً. ويُعتقد بأنها صحيحة ضمن هذه الأديان الكبرى حسب ما ورد في كتبهم المقدسة، تسمى العقائد الإسلامية والمسيحية واليهودية بالديانات الإبراهيمية لأن اعتقاداتهم كانت متأثرة بمعتقد إبراهيم. ورد في القرآن خلافا لما في العهد القديم أن إبراهيم بن آزر (الأنعام: 74) (وقيل في تفسير الآية إنه عمه، وليس أباه وناداه أبتاه لأنه هو الذي رباه). ويذكر القرآن قصته مع قومه حيث دعاهم إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، فأبوا محتجين بتمسكهم بدين آبائهم، لكن إبراهيم كسر أصنامهم باستثناء أكبر تلك الأصنام أثناء غيابهم. وعندما اكتشفوا ذلك قرروا حرقه في النار إلا أن مشيئة الله -كما في القرآن- جعلت من النار برداً وسلاما عليه.
[11]  العازر: عازر أو آزر؛ ورد في القرآن خلافا لما في العهد القديم أن إبراهيم بن آزر (الأنعام:74)، و قيل في تفسير الآية أنه عمه وليس أباه وناداه أبتاه لأنه هو الذي رباه، وأغلب الظن أنه كان خازن أصنام نمروذ، وكلفه بخدمة إبراهيم بعد نجاته من النار.
[12]  نمرود بن كنعان: شخصية تاريخية ذكرت لأول مرة في التوراة اليهودية بالاسم كملك جبار تحدى الله. وربط المفسرون للقرآن نمروذ هذا مع الشخصية القرآنية للملك الذي تجادل مع إبراهيم وعاقبه بالحرق. كما ذكر بعض المؤرخين أنه الملك الذي بنى برج بابل تحديا لله. واعتبرت العديد من الثقافات أن نمروذ يرمز لقوى الشر.
[13]  ذو القرنين: لا تعرف هوية ذي القرنين على وجه الدقة، وهو اسم شخص ورد في القرآن كملك عادل، بنى سداً يدفع به آذى يأجوج ومأجوج عن إحدى الأقوام؛ وورد في تفسير معنى اسمه أنه سمي بذي القرنين لأنه ورد أقصى الأرض في المغرب وأقصاها في المشرق؛ وقد قيل إنه الإسكندر الأكبر، وقيل إنه كورش الكبير، وقيل إنه اخناتون الفرعون المصري، بينما رأى آخرون أنه ملك عربي ممن عاشوا قبل الإسلام.
[14]  جيرون: من قولك: جرن الشيء إذا أملاس؛ والجارن: الأملس من كل شيء. وهو اسم باب شرقي جامع دمشق، لم ير باب أوسع ولا أعلى منه فيما يعرف من الأبنية في الدنيا، وله غلقان من نحاس أصفر بمسامير من نحاس أصفر أيضا بارزة، من عجائب الدنيا ومحاسن دمشق ومعالمها، وقد ذكرته العرب في أشعارها.
[15]  عين الجر (حاليا عنجر) في البقاع بين بيروت ودمشق.
[16]  البقاع هي إحدى محافظات لبنان. وهي سهل واسع ينبسط بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية. أراضيه خصبة يجري فيها أكبر نهرين في لبنان: الليطاني والعاصي ولذلك شكلت هذه المنطقة خلال القرون السابقة خزان بلاد الشام من الحبوب والخضار والفاكهة
[17]  بيوراسف : أو بيوراسب، هو بيوراسف بن أرونداسف، من ملوك الأرض بعد جيومرث أوشهنج، في بلاد فارس، وهو ثالث الملوك في هذه السلسلة، ملك بلاده ألف سنة؛ والفرس تعترف باضطراب التاريخ عليهم في أيام ملوك الطوائف وملك بيوراسف وملك بعده أفراسياب التركي لزوال الملك عنهم. مكتوب على باب نوبهار ببلخ قال بيوراسف: أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال، وتحته: كذب عدو الله، من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
[18]  الحثيون: شعب قديم بآسيا الصغرى (تركيا) وشمال سورية، سكنوا سورية منذ الألف الثالثة ق.م. بنفس الفترة التي سكن أبناء عمومتهم السومريون بلاد الرافدين، وهم من قبائل الأناضول تعرف باسم ختى. حكم الحيثيون إمبراطورية كان مركزها كابدوكية، واستطاع ملكهم مرشلش الأول أن ينهب مدينة بابل، فتغلب بذلك على أسرة حمورابي، ومن 1400 ق.م كانت الإمبراطورية الحيثية هي مركز القوة في آسيا وفي 1290 ق.م اشتبك الحيثيون في معارك مع الحوري – ميتانيين مما أدى لسقوط دولة الميتانيين وبقاء الحثيين والمصريين في ساحة الصراع؛ تلا ذلك اشتباك بين الحثيين والمصريين الذين كانوا بزعامة رمسيس الثاني عند قادش (معركة قادش) في سورية، انتهت بتوقيع اتفاقية بين الطرفين ،وتزوج رمسيس الثاني من أميرة حيثية بعد ذلك.
[19]  وثائق المعمرة: الوكالة التجارية في “كانيش/ كولتيه” في الأناضول.
[20]  كوميدي: كامداللوز، تقع في قضاء البقاع الغربي، تنبع أهمية كوميدي من الموقع الإستراتيجي الذي تحتله، في الوادي، بحيث كانت النقطة الوسط بين الإمبراطورية الحثية في الشمال، والإمبراطورية المصرية في الجنوب، وإمبراطوريات بلاد ما بين النهرين في الشرق. دلت بواكير اكتشافات البعثة الألمانية على أنها تخضع للنفوذ المصري في إحدى الحقب التاريخية، خاصة بعد طرد الهكسوس من مصر، وقد امتد هذا النفوذ من بداية القرن السابع عشر حتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ولاسيما أثناء فترة حكم تحوتمس الثالث وإخناتون، ويعتقد بعض المؤرخين أنها كانت مقرا للحاكم المصري على هذه البلاد، بحيث دام هذا الحكم إلى ما بعد معركة قادش بين المصريين والحثيين في أواخر القرن الرابع عشر وبداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
[21]  تل الصالحية: أحد التلال الأثرية في غوطة دمشق، يقع على الضفة الشمالية لنهر بردى، وعلى بعد 15 كم شرق دمشق، وفيه آثار من العصر الحجرى القديم.
[22]  قطنا: مملكة تقع على بُعد 18 كم شمال شرقي “حمص”، مرَّ عليها ملوك عديدون عُرفوا بسيطرتهم التجارية والعسكرية على المنطقة، من خلال ارتباطهم الوثيق بملوك “ماري” وأهمهم “شمشي حدد” وابنه “يسمع حدد” سنة 1808- 1776 ق.م، وملوك “يمخد” سنة (1763) ق.م، أولئكَ الملوك حكموا المنطقة الممتدة حول قطنا ومركز المدينة وعلى الطرف الشرقي من وادي العاصي الأخضر، تقع في تل “المشرفة” حيث تأسّست المدينة القديمة وسط سهل شبه أفقي تقطعه وديان لثلاثة جداول صغيرة تتجه شمالاً لتشكل روافد لنهر العاصي.
[23]  نصوص اللعنة المصرية: أو نصوص الاحتقار، توضخ جانباً من علاقات وادي النيل ومدن بلاد الشام ، وهي نصوص على أواني أو دمى طينية ينقش فيها اسم الشخص العدو واسم مدينته، ثم تهشم ضمن مناسك دينية خاصة تقام لهذا الغرض، كناية عن القضاء عليه.
[24]  ستيفانوس البيزنطي: أو ستيفن بيزنطة، مؤرخ وكاتب من القرن السادس الميلادي، صاحب قاموس هام في الجغرافية بعنوان اثنيكا؛ لا يعرف شيء عن حياة ستيفانوس، إلا أنه كان جراماريان في القسطنطينية، وعاش بعد وقت آركاديوس وهونوريوس.
[25]  تاكيتوس: پوبليوس (أو گايوس) كورنليوس تاكيتوس Publius/Gaius Cornelius Tacitus (56 – 117) كان سناتور ومؤرخ للإمبراطورية الرومانية. الأجزاء المتبقية من عمليه الرئيسيين: الحوليات والتواريخ، كان كاتباً في الجزء الأخير من العصر الفضي للأدب الروماني، أعماله تتميز بالشجاعة وسرعة البديهة والكثافة.
[26]  من الشروط التي أدرجها فتروفيوس في الكتب العشرة: أن تقع المدينة على مرتفع يصعب الوصول إليه، أو أن تكون محمية بجبل أو بحر من أحد جهاتها، وأن يكون الدخول إليها من مناطق محددة، وتجنب ممرات أو معبر سهلة يتم من خلالها اجتياح الأسوار، وأن تستكشف محيطها بسهولة؛ وألا تكون في وسط ضبابي، أو قريبة من المستنقعات، تتمتع بمناخ معتدل، وأن توجه شوارعها وأبنيتها شمالاً، أو شمال شرق؛ وألا تكون مربعة أو مستطيلة بل دائرية أو إهليلجية، وأن تكون تربتها صالحة للتأسيس بسهولة. وغير ذلك من الشروط التي يكاد ينعدم وجود أحدها في مدينة دمشق وموقعها. انظر فتروفيوس، الكتب العشرة في العمارة، ص: 40- 53.
[27]  كان العرب يطلقون لقب حصن على كل معبد مشابه، وخير مثال حصن سليمان، الواقع قرب دريكيش، والذي  يتطابق إلى حد كبير مع معبد دمشق، حيث يتوضع في منخفض من الأرض تحيط به المرتفعات الجبلية؛ أنشأه الآراميون عندما استوطنوا هذه المناطق الجبلية الحصينة هربًا من هجمات الآشوريين، وتم تكريسه في البداية لعبادة الإله بيتو خيخي أو بيتو كيكي، ثم جدده السلوقيون والرومان قبل أن تبنى فيه كنيسة في العهد البيزنطي؛ أما اسمه الحالي فيعود للسكان المحليين الذين أثارت حجارته الضخمة إحساسهم بالإعجاز واعتقادهم أن جن النبي سليمان هم من بنوا هذا المعبد وقاموا بنقل الأحجار الضخمة التي تزن أكثر من 70 طنًا.
[28]  مثل: كهف الأربعين وكهف برزة، ومغارة أهل الكهف أو آدم أو جبريل، ومغارة الجوع ومغارة الدم، ومغارة الشياح، والكثير غير ذلك.
[29]  يقال: إن أقدم كنيس يهودي موجود في منطقة جوبر في أطراف دمشق، وإن النبي إلياس اختبأ في مغارة موجودة في جوبر عند هروبه من اضطهاد إيزابيل، وأقيم عند هذه المغارة كنيس يهودي لم يزل موجودا حتى الآن، وفيه مغارة النبي الياس عليه السلام وعند مدخل الكنيس لوحة رخامية حديثة كتب عليها: “في عام ثلاثة وأربعين وثلاثة ألاف للخليقة وفي هذا المكان مسح اليشاع بن شافاط نبيا عن يد ألياهو النبي”.
والنبي إلياس عند المسلمين هو النبي اليهودي إلياهو، والقدّيس جرجس(جريس) مار إلياس في المسيحية. وقد ورد قولة تعالى في القرآن الكريم: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى آل يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، [الصافات 123-132]. وذكر ابن كثير في تاريخه: إن إلياس أرسل إلى أهل بعلبك غربي دمشق، حيث كان أهلها يعبدون صنماً يدعى: بعلاً، كما هو مذكور في القرآن الكريم، وبعيد وفاة سليمان عليه السلام وانقسام مملكته وتشتت دولته بسبب خلاف الحكام على السلطة، سمح أحد ملوكهم وهو أخاب لزوجته نشر عبادة قومها في بني إسرائيل، وكان قومها عباداً للأوثان، فشاعت عبادة الأوثان بينهم وعبدوا الصنم بعلاً فأرسل الله إليهم إلياس عليه السلام. عن: شمس الدين العجلاني، يهود دمشق الشام.
[30]  القصة: عن ابن عساكر بسنده إلى زيد بن واقد، قال: وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق فبينما نحن في العمل إذ وجدنا مغارة، فعرّفنا الوليد ذلك، فلما كان الليل وافى وبين يديه الشموع؛ فنزل، فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، وإذا فيها صندوق ففتح، فإذا فيه سفط، وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، قال: فرد إلى مكانه بأمر الوليد، وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا عن بقية الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفط الرأس”.
[31]  القصة: ذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدّثني به الصّاحب جمال الدّين الأكرم أبو الحسن عليّ بن يوسف الشّيباني أدام الله أيّامه أنّ الوليد أمر أنْ يُستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء، فأخبروا الوليدَ بذلك، وعرّفوه أحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: “لا أحب إلاّ الإحكام واليقين فيه، ولست أثق بإحكام الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أنْ تدركوا الماء، فإنْ كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلاّ استأنفوه”، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجرٍ مانعٍ وعليه منقور كتابةً، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنّه من خطّ اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: “لمّا كان العالَم محدَثا لاتّصال أمارات الحدوث به، وجب أنْ يكون له محدِث لهؤلاءِ كما قال ذو السّنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضيِّ سبعة آلافٍ وتسعمئةِ عامٍ لأهل الأسطوان فإن رأى الداخلُ إليه ذِكْرَ بانيه بخيرِ فعلٍ والسلام”، وأهلُ الأسطوان قوم من الحكماء الأول، كانوا ببعلبكّ حكى ذلك أحمد بن الطّيب السرخسيّ الفيلسوف.
[32]  العشور: مصطلح ضريبي قديم لا يزال دارجاً، والعشر: ضريبة تفرض على البضائع العينية والغلال؛ ويُعتقد أنها تنسب في نشأتها إلى أصابع اليد، ويمكن أن تكون عشر واحد أي إصبع، أو أقل: نصف إصبع، أو أكثر من ذلك.
[33]  الحج من الشعائر الدينية القديمة ويعني التوجه للأماكن المقدسة في أوقات معينة من السنة .
[34]  رواية قابيل وهابيل إبنا آدم: قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة المائدة).
[35]  باب الساعات: قال القاضي عبد الله بن أحمد بن زبر: إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات؛ لأنه عمل هناك بركار الساعات؛ يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار، وهو الذي يسمى باب الزيادة، ولكن قد قيل: إنه محدث بعد بناء الجامع، وإما أنه قد كان في الجانب الشرقي من الجامع، في حائطه القبلي باب آخر في محاذاة باب الزيادة، وعنده الساعات، ثم نقلت بعد هذا كله إلى باب الوراقين اليوم; وهو باب الجامع الشرقي.
[36]  حوبة: يجمع معظم الباحثين والمؤرخين على أنَّها برزة الحالية.
[37]  تمثل هذه الرقعة مجتمعاً محصناً يصعب دخوله، وهي عبارة عن ممر هام وأساسي للوصول إلى منطقة دمشق من شمال سورية وغربها مروراً بسهل البقاع وبعلبك عن طريق سهل الزبداني وسرغايا.
[38]  نيقولاس: أو نيقولاوس الدمشقي؛ من أهم أعضاء حكومة هيرودوس ومستشاره ومؤرخه؛ ولد في دمشق عام64 ق.م، وكان أبوه أنتيباتروس من أغنياء قومه، يقدر العلم ويبجله، أخذ العلم على أيدي معلمين يونانيين إلى أن تفوق، امضى حياته في خدمة ملكه، وصحبه مرتين إلى روما خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه؛ اختص بالأمور السياسة والدبلوماسية، فكان بمثابة وزير للخارجية، وبالفلسفة والتاريخ والتعليم العام، وضع كتاباً تاريخياً سطر فيه تاريخ البشرية منذ بدايتها حتى موت هيرودوس، ويقع في (144 جزءاً)، اعتمد عليه المؤرخ يسوسيفوس كمصدر أساسي لمؤلفاته.
[39]  حسب ماجاء في نحث عن الإناسياتنقلاً عن البداية والنهاية لابن كثير: 1/354.
[40]  لم تكن هجرات إبراهيم لأمر دنيوي، وكان يستقر بالشام، وخرج منها وعاد مرات عديدة، حتى بعد بناء الكعبة. عن: دراسة في الإناسيات للباحث ناصر الرحيل، كلية الشريعة، جامعة دمشق، 2010.
[41]  الصابئة: مشتقة من الجذر (صبا) الذي يعني باللغة المندائية، غط أو غطس في الماء، وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان. يرجع الكثير الصابئة المندائيين إلى شعب آرامي عراقي قديم ولغته هي اللغة الآرامية الشرقية المتأثرة كثيرا بالاكادية؛ وديانة الصابئة هي أحد الأديان الإبراهيمية، وهي أصل جميع تلك الاديان لأنها أول الأديان الموحدة، وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين والشام، ولا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق والأحواز في إيران إلى الآن ويطلق عليهم في “الصبّة”.
[42]   شداد: هو ملك عاد قوم هود الذي دعاه نبي الله هود إلى الإيمان بالله، فاحتج على النبي بأن ما هي مكافئة الإيمان بالله، فكان جواب نبي الله هود بأنها الجنة التي عرضها السموات والأرض ورضا الله، فتكبر وأراد أن يتحدى الله ونبيه بأن يصنع جنة أفضل من جنة الله. واستمر في بناء المدينه قرابة 500 عام، زرع فيها كل الأشجار، وبنى فيها قصوراً  من ذهب وجعل فيها جواري حسناوات، وشق فيها الأنهار، ونثر فيها كل الأحجار الكريمة، ومات ولم ير مدينته، وأنزل الله على قومه العذاب بكفرهم بالله وبرسوله.
[43]  كان العرب، بعد فتح دمشق، يطلقون على هذه القبائل لقب عرب الضاحية، وكان لهم الدور الكبير أثناء الفتح وبعده.
[44]  يصنف توافدهم بتسلسل زمني يبدأ من الأقوام العربية البائدة التي انطلقت من شبه جزيرة العرب منذ الألف الرابع ق.م، وهي سابقة للسومريين؛ ثمَّ الأقوام العربية القديمة: الآكاديين والكيشيين والماريين والإبليين والأموريين والكنعانيين والآراميين، وهم يتكلمون لهجات قريبة جداً من اللغة العربية؛ يضاف إليهم عرب الجنوب: وهم عرب معين وسبأ وحمير؛ وتجدر الإشارة إلى وفود عدة قبائل إلى بادية الشام خلال الفترة البيزنطية مثل قضاعة وفروعها بُليَ وجهينة وكلب وبهراء، ومثل الغساسنة من الأزد اليمنية، وقبيلة كلب بن وَبَرة وغيرهم.
[45]  ذكرت العرب في النصوص الآشورية على أنَّهم عرب بادية الشام والشمال والأنباط والأيتورييون والثموديون والصفائيون واللحيانيون والحضريون والتدمريون، ثمّ المناذرة والغساسنة.
[46]  الآراميون: Arameans، اسم عام يطلق على مجموعات كبيرة من القبائل الرحل القديمة، كانت تقطن في شمالي بلاد العرب، وتتكلم اللغة الآرامية بلهجات متعددة. وقد استطاعت هذه القبائل ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد أن تسيطر على بلاد واسعة فيما بين النهرين (دجلة والفرات) وفي سورية، وأن تؤسس مجموعات زراعية مستقرة، ودولاً وممالك وأسراً حاكمة. وقد أُطلق اسم الآراميين على البلاد التي سكنوها فدُعيت باسم «بلاد آرام» قروناً عدة قبل أن تعرف منذ العصر الهلنستي السلوقي باسم سورية.
[47]  الأموريون: أو العموريون، أقدم الشعوب السامية التي سكنت بلاد الشام خلال الألف الثالثة قبل الميلاد، وقيل أنهم من ذرية أموري أو عموري رابع أولاد كنعان؛ سكنوا دمشق وحمص وحوران وشرقي الأردن والأماكن المرتفعة، وهم أول شعب سامي هام أقام في سورية؛ وحكموا بلاد ما بين النهرين وأسسوا عدة سلالات، أهمها سلالة بابل التي انتسب إليها حمورابي، عرفوا بكونهم عمالقة في الطول كأشجار الأرز، وأقوياء كشجر السنديان. وسميت سورية بلاد آمورو نسبة إليهم، وكذلك سمي القسم الشرقي من البحر الأبيض المتوسط: بحر آمورو العظيم.
[48]  الكنعانيون: هم شعب سكن منطقة بلاد الشام منذ حدود الألف الرابع قبل الميلاد، ويعتقد بأنهم قدموا من جنوب جزيرة العرب، وتاريخهم ليس واضحاً تماماً وخاضع لعدّة نظريات. وقد بنوا حضارة هامة في البحر الأبيض المتوسط، وكانوا من أهم التجار في المنطقة، وابتداء من القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد وإلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد خضعوا لسيطرة حضارات مختلفة. ثم أخيراً ازدهروا ووصلوا إلى عصرهم الذهبي بعد ذلك، ثم غزاهم الفرس؛ وبعد الفرس سيطرت عليهم حضارات مختلفة مثل: المقدونيين والرومان، ثمَّ الخلافة الإسلامية.
[49]  صوبا: جذر صوب وتعني الشيء المهيل، زمن العهد الآرامي. والآراميون هم من استعملوا هذا الاسم ، كما كان لهم مملكة باسم صوبا في أعالي سورية وعاصمتها صوبا في البقاع اللبناني. “الحموي – ياقوت – معجم البلدان ج12، ص 432”. ومعناها النحاس بالسريانية نحشا، موضع مملكة صوبا في عنجر بالبقاع وصلت حتى دمشق وكان ملكها حدد عزر.
[50]  الاستكشافات الأثرية: فيما بين 1933، 1939 قامت بعثة فرنسية بالتنقيب في تل الحريري. وقد أوقف العمل في الموقع، نشوب الحرب العالمية الثانية، حتي 1951 عندما استأنفت البعثة العمل حتى 1956، وقد عثرت البعثة في منطقة القصر علي نحو 20.000 لوحة بالخط المسماري ترجع غالبيتها إلي عصور “بسماخ حدد” (نحو 1796- 1780ق.م.) الذي بدأ في عصره بناء القصر، “وزمري ليم” (نحو 1779- 1761 ق.م.) الذي تم في عهده بناء القصر. وكان هذان الملكان معاصرين لحمورابي ملك بابل الشهير (نحو 1792- 1750ق.م.) وباستثناء بعض الوثائق الدينية القليلة المكتوبة باللغة الحورانية، فإن غالبيتها مكتوب باللغة الأكادية.
[51]  فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ حدد عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ اثْنَيْنَ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل. وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامِ دِمَشْقَ، وَصَارَ الأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. {سفر صموئيل الثاني 8: 5 و6}؛ فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل. وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامَ دِمَشْقَ، وَصَارَ الأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. {سفر أخبار الأيام الأول 18: 5 و6}.
[52]  روزون: روزون بن أليدع، ملك آرامي حكم عام 732 قبلَ الميلادِ يعتبر مؤسس المملكة الآرامية الأخيرة، وجعل من دمشق عاصمة لها.
[53]  فَجَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالاً فَصَارَ رَئِيسَ غُزَاةٍ عِنْدَ قَتْلِ دَاوُدَ إِيَّاهُمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى دِمَشْقَ وَأَقَامُوا بِهَا وَمَلَكُوا فِي دِمَشْقَ. {سفر الملوك الأول 11: 24}.
[54]  آشور Assyria، Ashur، أول دولة قامت في شمال بلاد ما بين النهرين، وتوسعت في الألف الثانية ق.م. وامتدت شمالا لمدن نينوي، نمرود وخورسباد. ولقد حكم الملك شمشي مدينة آشور عام 1813 ق.م. واستولي حمورابي ملك بابل على آشور عام 1760 ق.م. إلا أن الملك الآشوري شلمنصر استولي على بابل وهزم الميتانيين عام 1273 ق.م. ثم استولت آشور ثانية على بابل عام 1240 ق.م.
[55]  لم يستعمل الآشوريون كلمة دمشق، بل استعملوا اسم (ايميري شو) أو (شا ايميري شو) أي مدينة الإله حدد ايميري، أو تعني منطقة دمشق باللهجة الآشورية.
[56]  عن: أحمد علي إسماعيل علي، تاريخ بلاد الشام القديم، ط1، ج1، مركز الشام للخدمات الطباعية، دمشق، 1998. ص: 103، فيما نقله عن فراس السواح، آرام دمشق وإسرائيل.
أطماع كيان إسرائيل القديم: والتي تقول: استوطن أسباط بني إسرائيل العبرانيو الأصل أرض كنعان، حيث ينسب اليهود العصريون أنفسهم إليهم ويعتبرون أرض كنعان موطناً أزلياً لهم. في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد تشكلت مملكة بني إسرائيل ثم انفصلت إلى مملكتين لم تصمد منهما عبر التاريخ إلا مملكة يهوذا التي انهارت في بداية القرن الأول للميلاد.
[57]  حزيون: اسم آرامي معناه: رؤيا، وهو أب طبريمون، وجَد بنحدد أحد ملوك آرام.
[58]  طاب ريمون: أو طبريمون، اسم أرامي معناه  الإله  رمون حنون وكان طبريمون حاكماً في دمشق في الربع الأخير من القرن العاشر قبل الميلاد.
[59]  برحدد الأول: أو ابن حدد الأول، أو بر أدد، حكم خلال الفترة 890- 860 ق.م.
[60]  وَأَخَذَ آسَا جَمِيعَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الْبَاقِيَةِ فِي خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَدَفَعَهَا لِيَدِ عَبِيدِهِ، وَأَرْسَلَهُمُ الْمَلِكُ آسَا إِلَى بَنْحدد بْنِ طَبْرِيمُونَ بْنِ حَزْيُونَ مَلِكِ أَرَامَ السَّاكِنِ فِي دِمَشْقَ . {سفر الملوك الأول 15: 18}، وَقَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرُدُّ الْمُدُنَ الَّتِي أَخَذَهَا أَبِي مِنْ أَبِيكَ، وَتَجْعَلُ لِنَفْسِكَ أَسْوَاقًا فِي دِمَشْقَ كَمَا جَعَلَ أَبِي فِي السَّامِرَةِ». فَقَالَ: «وَأَنَا أُطْلِقُكَ بِهذَا الْعَهْدِ». فَقَطَعَ لَهُ عَهْدًا وَأَطْلَقَهُ. {سفر الملوك الأول 20: 34}، وَجَاءَ أَلِيشَعُ إِلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ بَنْحدد مَلِكُ أَرَامَ مَرِيضًا، فَأُخْبِرَ وَقِيلَ لَهُ: قَدْ جَاءَ رَجُلُ اللهِ إِلَى هُنَا. {سفر الملوك الثاني 8: 7}.
[61]  وَأَخَذَ آسَا جَمِيعَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الْبَاقِيَةِ فِي خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَدَفَعَهَا لِيَدِ عَبِيدِهِ، وَأَرْسَلَهُمُ الْمَلِكُ آسَا إِلَى بَنْحدد بْنِ طَبْرِيمُونَ بْنِ حَزْيُونَ مَلِكِ أَرَامَ السَّاكِنِ فِي دِمَشْقَ، {سفر الملوك الأول 15: 18}.
[62]  وَقَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرُدُّ الْمُدُنَ الَّتِي أَخَذَهَا أَبِي مِنْ أَبِيكَ، وَتَجْعَلُ لِنَفْسِكَ أَسْوَاقًا فِي دِمَشْقَ كَمَا جَعَلَ أَبِي فِي السَّامِرَةِ». فَقَالَ: «وَأَنَا أُطْلِقُكَ بِهذَا الْعَهْدِ». فَقَطَعَ لَهُ عَهْدًا وَأَطْلَقَهُ. {سفر الملوك الأول 20: 34}.
[63]  بر حدد الثاني: أو أدد أدري، أو حدد عزر، أو بار حدد.
[64]  العبرانيون: كناية عن عبورهم النهر، وهم خليط من الشعوب الآسيوية السامية القديمة والذين يرجع نسبهم إلى سام بن نوح عليه السلام وقد استقروا لفترة في أرض كنعان أي فلسطين القديمة، ورجح بعض العلماء أن لهم صلة وثيقة بجماعات مختلفة ورد ذكرها في الكتابات القديمة ككتابات الهلال الخصيب وألواح العمارنة من يسمون بالعابير أو العبيرو أو الخابيرو أو الإخلامو.
[65]  شلمنصر: أو شولمانو اشارئد الثالث في الاكادية، أحد ملوك الدولة الآشورية الحديثة، ملك في الفترة من 858-823 ق.م. وكان ترتيبه الثاني بعد المئة بين ملوك آشور.
[66]  حزائيل: أو حزإل حكم خلال الفترة  842- 805 ق.م؛ وهو اسم آرامي معناه: قد رأى الله، وهو آرامي من البلاط الملكي.
[67]  فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، {سفر الملوك الأول 19: 15}.
[68]  برحدد الثالث: أو ابن حدد الثالث أو بر أدد الثالث، حكم خلال الفترة 805- 773 ق.م
[69]  حدد نيراري الثالث: أحد ملوك الدولة الآشورية الحديثة، حكم خلال الفترة 810-783  ق.م، كان ترتيبه الرابع بعد المئة بين ملوك آشور.
[70]  تغلات بلاصر الثالث: أو تجلات بليسر، هو توكولتي- ابيل- إشارا الثالث، أحد ملوك الدولة الآشورية الحديثة، حكم خلال الفترة 744- 727 ق.م، كان ترتيبه الثامن بعد المئة بين ملوك آشور.
[71]  فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ وَأَخَذَهَا وَسَبَاهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ. وَسَارَ الْمَلِكُ آحَازُ لِلِقَاءِ تَغْلَثَ فَلاَسِرَ مَلِكِ أَشُّورَ، إِلَى دِمَشْقَ. وَرَأَى الْمَذْبَحَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى أُورِيَّا الْكَاهِنِ شِبْهَ الْمَذْبَحِ وَشَكْلَهُ حَسَبَ كُلِّ صِنَاعَتِهِ. فَبَنَى أُورِيَّا الْكَاهِنُ مَذْبَحًا. حَسَبَ كُلِّ مَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ كَذلِكَ عَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ، رَيْثَمَا جَاءَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ مِنْ دِمَشْقَ رَأَى الْمَلِكُ الْمَذْبَحَ، فَتَقَدَّمَ الْمَلِكُ إِلَى الْمَذْبَحِ وَأَصْعَدَ عَلَيْهِ، {سفر الملوك الثاني 16: 9 و10 و11 و12}.
[72]  دِمَشْقُ تَاجِرَتُكِ بِكَثْرَةِ صَنَائِعِكِ وَكَثْرَةِ كُلِّ غِنًى، بِخَمْرِ حَلْبُونَ وَالصُّوفِ الأَبْيَضِ. {سفر حزقيال 27: 18}.
[73]  تل حلف جوزن عاصمة مملكة بيت بخياني: من أهم الممالك الآرامية بيت بخياني ومملكة صوبا ومملكة دمشق. أما بيت بخياني فكانت عاصمتها غوزانا تل حلف التي اكتشفت حضارتها الغابرة في الألف الخامسة، وتقع قرب “رأس العين” على الحدود التركية.
[74]  معبد عين دارة في أرباد القديمة: عين دارة الواقعة غربي حلب طريق اعزاز-عفرين هي من أهم المواقع الأثرية الآرامية التي تحمل آثار النزاع مع الحثيين. يتألف هذا الموقع من مرتفع هو الحي الملكي وتحته يقع الحي الشعبي، ولقد كان هذا الموقع محمياً بسور منيع مبني بالحجارة واللبن يحيط المدينة كلها؛ وتنفتح  فيه بوابات تحيط بها، ومن جانبيها أبراج، وتقوم بوابة المدينة الرئيسية عند تمثال الأسد المكتشف هناك. ولقد سكن هذا الموقع في جميع العصور حتى عصر الحمدانيين، وهذا الموقع لم يحدد اسمه القديم بعد، ولكنه يبقى بآثاره الضخمة مرشحاً لأن يكون عاصمة لمملكة آرامية. وعلى هذا فإننا لا نستطيع الحديث عن أحداث عسكرية تمت فيه.
[75]  آحاز: Achaz؛ شخصية من شخصيات التناخ كان بحسبه ملكا لمملكة يهوذا ( 733 – 718 قبل الميلاد). وكان يحاول تنحية الدين اليهودي عن شؤون إدارة الدولة، وعمل على التودد من كهنة الهيكل لضمان كسبهم إلى جانبه، إلا أنه انكشف، واتهمه النبي أشعيا بالنفاق وأنّبه على ذلك.
[76]  رامان القاصف: هو الإله حدد نفسه.
[77]  يُذكر أن ملكهم (نابونيد) كان يقيم في واحة تيماء مهتماً بالفلك والآثار وغيرها من الأمور، في فترة كان فيها خصومهم الفرس الميديون والأخيمينيون يزدادون قوة ونفوذاً.
[78]  السلالة البابلية الحديثة: كان عهدها من العهود المجيدة في تاريخ العراق القديم من الناحيتين السياسية والحضارية؛ ورثت الدولة البابلية الإمبراطورية الآشورية الواسعة وعملت على تثبيت سلطتها عليها ، ووصلت بابل الى قمة مجدها وازدهارها الحضاري وغدت أعظم مدن العالم القديم قاطبة وفاقت بسعتها وعظمتها وشهرتها المدن الآشورية نينوى وآشور وكلخو كما فاقت أثينا وروما وسواها . إضافة الى ذلك , تعتبر هذه الفترة من تاريخ العراق ذات أهمية خاصة لكثرة النصوص المسمارية التي خلفتها لنا والتي أفادت كثيراً في دراسة التاريخ السياسي والحضاري لبلاد بابل والأقاليم التابعة لها  كما كان لهذه الفترة أهمية خاصة في دراسة التغييرات الجذرية التي حصلت في بلاد سورية وفلسطين ولاسيما بعد أن قضى نبوخذ نصر على مملكة يهوذا وسبى سكانها الى بلاد بابل .
[79]  نبوخذ نصر الثاني أو بختنصر أو بختنصر الكلدي هو نبوخذنصر بن نبوبلانصر (605-563)ق.م أشهر ملوك الدولة البابلية الحديثة قاد الجيوش البابلية في معارك حاسمة على منطقة بلاد الشام ودمر عدة ممالك منها مملكة يهوذا في حملتين وسبا الكثيرين من سكان منطقة بلاد الشام إلى بابل.
[80]  الأخمينيون أو الأخمينيديون (Achaemenides) هم أسرة ملكية فارسية كونت لها إمبراطورية في فارس عام 559 ق.م. واستولت علي إيران والهلال الخصيب ومصر، امتدت في أوجها إلى جميع أرجاء الشرق الأدنى، من وادي السند إلى ليبيا، وشمالاً حتى مقدونيا. وهكذا فقد تمكنوا من السيطرة على جميع الطرق التجارية المؤدية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البر والبحر؛ وقام ملوك الأخمينيين بإعادة بناء الطريق من {مدينة السوس Susa في خوزستان (محافظة)} إلى { سارديز Sardis} بالقرب من أفسس وسميرنا. أشهر ملوكها دارا أو داريوش الأول الذي حاول غزو أثينا باليونان فهزم. وأسقط الإسكندر الأكبر هذه الإمبراطورية عام 331 ق.م. ومن ملوكها قمبيز وقورش (سيروس). وتعتبر فترة حكم هذه الإمبراطورية هي فترة الحضارة الفارسية.
[81]  استرابون: أو سترابو، (63- 16 ق.م) مؤرخ وجغرافي وفيلسوف يوناني. ولد سترابو في كبادوكية (أكاسيا) سنة 63 ق.م لأسرة ثرية، ووالدته جورجية الأصل، تتلمذ على يد الكثير من الجغرافيين والفلاسفة في اليونان وروما وكان من الفلاسفة الرواقيين. قام برحلاته المشهورة في البلاد المختلفة في الإمبراطورية الرومانية حتى وصل إلى الحدود الجنوبية لنهر النيل في أفريقيا لدراسة المعالم التاريخية والجغرافية وذكر ذلك في موسوعته (التاريخ الجغرافي) التي تتكون من 47 مجلدا لمختلف البلدان والأماكن في أوروبا واسيا وافريقيا، ولم تعرف موسوعته الجغرافية كثيراً في أيامه.
[82]  الإسكندر المكدوني: هو الإسكندر الكبير “ميغاس أليكساندروس” (356- 323) ق.م، ملك مكدونيا وابن ابن فيليبوس الثاني المقدوني ملك مقدونيا القديمة وابن الأميرة أوليمبياس ، تتلمذ على يد أرسطو، حرر البلاد اليونانية من سيطرة الفرس وهو في العشرين من عمره، اتسعت فتوحاته حتى أقصى الصين، وتوفي وهو ابن ثلاث وثلاثون سنة. عن عيون التواريخ، ص: 191.
[83]  بارمينيون: أحد قواد والد الإسكندر من آسيا الصغرى، كان والده قد أرسله سنة 336 على رأس قوة استطلاعية لمحاربة الفرس؛ وأصبح أحد قادة الإسكندر وأكثرهم حكمة.
[84]  السلوقيون (312 ق.م.، 64 ق.م.)، سلالة هلنستية ترجع تسميتها إلى مؤسس الأسرة الحاكمة للدولة السلوقية، سلوقس الأول نياكتور أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر، شكلت هذه الدولة إحدى دول القادة الخلفاء(Diadochi)، التي نشأت بعد موت الإسكندر ، حكمت منطقة غرب آسيا، لها دور كبير في تفاعل الحضارتين الإغريقية والشرقية. يرد ذكرهم كأعداء لروما، خلال ما عرف بالحروب الرومية السورية (Roman-Syrian War) في القترة ما بين (192 – 188 ق.م.) بقيادة أنطيوخوس الثالث الكبير (Antiochus III the Great).
[85]  البطالمة: عائلة من أصل مقدوني نزحت إلى مصر منذ وفاة الإسكندر سنة 323 ق.م إلى غاية 27 ق.م و حينها كانت مصر دولة مستقلة عاصمتها الإسكندرية قبل أن تقع تحت الاحتلال البيزنطى عام 330 م، أول ملوكها بطليموس الأول أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر وآخرهم الملكة كليوباترا وابنها بطليموس الخامس عشر قيصرون. وصل نفوذها إلى فلسطين، وقبرص وشرق ليبيا، تشبّعوا بالتقاليد والعادات المصرية.
[86]  دمترياس: نسبة إلى الملك السلوقي دمتريوس الثالث، الذي جعل عاصمته دمشق وحكم من عام 95 ق.م وحتى 88 ق.م.
[87]  هيبوداموس الميلي: Hippodamus Miletus ، مهندس إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وولد في ميليتوس، وهو من أدخل النظام والتنظيم في تخطيط المدن مكان التعقيد والاختلاط. وبأوامر بريكليس أسس مدينة على ميناء بيرايوس قرب أثينا. وعندما أسس اليونانيون مدينة ثوريي في إيطاليا رافق البناة كمهندس، وبعدها في عام 408 ق م أشرف على بناء مدينة رودس الجديدة. وكانت خططه تتضمن بناء مجموعة من الشوارع الطويلة والمستقيمة تتقاطع مع بعضها بزوايا قائمة.
[88]  أرسطو: (384- 322) ق.م، أرسطوطاليس، أو أرسطاطاليس، فيلسوف إغريقي، تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر، كتب في العديد من المواضيع، بما في ذلك علوم الفيزياء والميتافيزيقا، والشعر، والمسرح، والموسيقى، والمنطق والبلاغة والسياسة والحكومة، والأخلاق، وعلم الجمال، والبيولوجيا، وعلم الحيوان. وهو أحد أهم الشخصيات في تأسيس الفلسفة الغربية.
[89]  الساحة العامة: الآغورا Agora، يعتقد أن موقع هذه الساحة العامة الآن هي في حي الجورة بساحة الدوامنة في دمشق القديمة.
[90]  جان سوفاجيه Jean Sauvaget‏ (1901- 1950)م، باحث مستشرق فرنسي عني بالتاريخ والآثار الإسلامية؛  لد وتعلم في نيور  Nior، وأتقن العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس. سافر إلى دمشق سنة 1924 فعمل مديراً للمعهد الفرنسي. وعاد إلى باريس سنة 1937 فعين مديرا لدراسات تاريخ الشرق الإسلامي في مدرسة الدراسات العليا. حصل على لقب دكتور رسائل في عام 1941 ومن ثم إعطاء دورات في اللغات الشرقية في مدرسة اللوفر وجامعة باريس. في عام 1946، وبناء على مبادرة من بول بيليوت انتخب رئيس قسم تاريخ العالم العربي في كلية فرنسا.
[91]  أنطيوخس التاسع: أو أنطيوكس، معناه “المقاوم أو الصامد”، وهو لقب الكثيرين من ملوك سورية، ملك من (113-95) ق.م وهو الابن الثاني لأنطيوكس السابع وكليوباترا، نشأ في سيزيسس فى أسيا الصغرى، ومنها اكتسب لقب السيزيسنوسي . وفى 116ق.م هزم أخاه غير الشقيق أو ابن عمه أنطيوكس الثامن ، ثم أصبح الملك الوحيد من (113-111) ق.م. وعند عودة أنطيوكس الثامن تمكن أنطيوكس التاسع من الاحتفاظ بجنوبي سورية فقط، بينما استعاد أنطيوكس الثامن الجزء الأكبر من سورية، ثم أخذ أنطيوكس التاسع أسيراً وقتل.
[92]  زيوس: أو زفس ZEUS، (أو باليونانية: ذِياس) من أبرز شخصيات الميثولوجيا الإغريقية، فهو إله السماء والرعد، وهو أكبر الآلهات الأولمبية (نسبة إلى جبل أولمبوس)، وهو أيضا “رب الأرباب”، وقد ورد ذكره كذلك في المعتقدات الرومانية القديمة تحت اسم “جوبيتر”. و هو الإله الأعظم بين مجمع آلهة اليونان (البانثيون) وهو أبو الآلهة وكل الناس، وفي القصص اليونانية يظهر زفس مع هرمس وسط الناس.
[93]  الأيتورييون: أو اليطوريون، شعب بدوي من العرب البائدة، قبيلة تتكلم الآرامية سكنت بين اللجاة والجليل، وترجع التوراة نسبهم إلى يطور بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل، كما أشارت التوراة إلى حربهم بني إسرائيل أيام الملك شاؤول، ويذكر يوسيفيوس المؤرخ أنهم عاشوا في البقاع والجليل شمال فلسطين في القرن الثاني قبل الميلاد، غزاهم الملك اليهودي أرسطوبولوس الأول عام 104ق.م وأرغم بعضهم على اعتناق اليهودية امتاز اليطوريون بالرماية وتأثروا بالحضارة الهلينية، وأنشأ منهم ماركوس أنطونيوس حرساً خاصاً كي يحتويهم، لكنهم تحرروا فقتل ملكهم.
[94]  شكليش: عنجر حالياً في البقاع.
[95]  الأنباط: شعب عربي قديم سكنوا منطقة جنوب الشام وشمال جزيرة العرب وشبه جزيرة سيناء، اشتغلوا بالتجارة، وفي عصرهم الذهبي كانت عاصمتهم البتراء مدينة مزدهرة. اعتمد اقتصاد الأنباط على تجارة القوافل التي كانت تحمل التجارة ما بين أقاليم المنطقة، الشام ومصر وشبه جزيرة العرب واليمن، وسادوا منطقة خليج العقبة وميناءه أيلة ويظهر ذلك في النقوش التي خلفها التجار الأنباط في الأماكن التي وصلوا إليها. عبد الأنباط الآلهة العربية المعروفة: ذا الشرى إله الشمس، الذي مثلوه على هيئة حجر أسود، بالإضافة إلى اللات، والعزى، ومناة، وهبل، وفي القرن الرابع ميلادي اعتنقوا الديانة المسيحية.
[96]  تيجران: Tigran  أو تيغرانس أحد ملوك أرمينيا (120 ق.م. – 63) ق.م.؛ وهو صهر ميثراداتس ملك البنطس، اسقط مملكة السلوقيين في سورية، وحكم فينيقيا وسورية مدة أربعة عشر عاماً؛ ثم تصدى بومبي له وجعل منه تابعاً لروما عام 66.
[97]  الحارث الثالث: أو حارثة الثالث، خامس ملوك الأنباط (87- 62ق.م)، تعتبر فترة حكمه أوج الازدهار النبطي، حيث امتدت دولته من دمشق شمالاً حتى الحجر ومدائن صالح جنوباً، ومن سيناء وغزة على البحر المتوسط وشرق الدلتا غرباً حتى الصحراء الدالية شرقاً.
[98]  اللات: ربة من الأرباب العربية: اللات و العزى و مناة، التي انتشرت عبادتهن في شبه الجزيرة العربية و استمرت حتى ظهور الإسلام، وقد ورد ذكرهن في القرآن الكريم.
[99]  المكابيون: نسبة إلى يهوذا الملقب مكابيوس وهو أحد خمسة أبناء للكاهن متتياس (يوحنا وسمعان ويهوذا ولعازر ويوناثان) الذين نجوا من الاضطهاد الشديد الذي مارسه أنطيوخس أبيفانس ضد اليهود في أورشليم وهـربوا إلى الجبال، وشنوا هجمات متتالية على جنود أنطيوخس وحطموا مذابح الأوثان وأعادوا عبادة الله الحقيقية، وكان ذلك من سنة 16 ق.م إلى (165) ق.م وبعد ذلك مات أنطيوخس أبيفانس سنـــة (164) ق.م وتخلص اليهود من شروره  واتخذ اليهود لهم عيداً يسمى عيد التجديد بمناسبة تجديد العبادة الحقيقية في الهيكل، واستمر حكم المكابيين حتى سنة (37) ق.م حينما قام هيرودس الأدومي (الكبير) ملكاً على اليهود.
[100]  بومبيه: أو بومبي، هو: بومبيوس بن القائد الكبير جاليونيوس بومينيوس بن استرابون الذي قاد الحرب في إيطاليا، وقد شارك ابنه بومبيوس في هذه الحرب الكبيرة، ولد عام 106 ق.م في روما وتوفي عام 46 ق.م في الإسكندرية، أحد القاده العسكريين الذين ظهروا في اوأخر عصر الجمهورية الرومانية، وهو ينحدر من أسرة رومانية عريقة.
[101]  متروبول: Metropole ، من الحاضرة اليونانية بالأصل، وتعني ‘المدينة الأم’، أو دولة مدينة، و تستخدم أيضا لأي استعمار بمفهوم الوطن الأم، أو عاصمة منطقة أو إقليم.
[102]  سبتيموس سيفروس: لوشيوس سيبتموس سيفيروس Lucius Septimius Severus (145-211)، إمبراطور روماني، اشتهر باضطهاده للمسيحيين قتل أعداداً ضخمه من المصريين المسيحيين، اعتبره المسيحيون من كتر الاضطهاد و بشاعته أنه المسيح الدجال. ويعود نسبه من ناحية والدته إلى أصول إيطالية رومانية ومن ناحية والده إلى أصول أمازيغية، ولد في ليبيا، تولى العديد من المناصب الرفيعة كنائب قنصل، ثم عمل في سورية كقائد، ثم حاكم لمنطقة الغال (فرنسا الحالية) وصقلية والنمسا والمجر. وفي فترة حكمه لبلاد الغال، وفي سنة 187 تزوج من جوليا دومنا وهي من عائلة عربية سورية مرموقة له منها ولدين: الأول ولد سنة 188 سماه باسيانوس، المعروف باسم الإمبراطور كاراكلا الذي أصبح من أهم الأباطرة الرومان، والابن الثاني ولد سنة 189 واسمه غيتا.
[103]  الديكابولس: المدن العشر- Decapolis ،  هو تحالف روماني أنشأه الإمبراطور الروماني بومبي عام 64 ق.م ضم عشرة مدن من أهم مدن منطقة بلاد الشام للوقوف ضد نفوذ الأنباط في الجنوب. تقع هذه المدن وسط بلاد الشام وجنوبيها، داخل حدود كل من هذه الدول المعاصرة: سورية والأردن وفلسطين، وهي: فيلاديلفيا (عمّان المعاصرة)، أبيلا أو (حرثا)، جراسا (جرش)، جدارا (أم قيس)، كانثا (أم الجمال)، بيلا (طبقة فحل)، دايون (إيدون)، هيبوس (الحصن). وتقع سكيثوبوليس، المدينة الثامنة من بينها، بالقرب من مدينة بيسان (بيت شيئان)، وأما المدينة التاسعة فهي دمشق، والعاشرة هي بصرى (بصرى الشام).
[104]  كراكلا: (188-217) إمبراطور روماني حكم من (211 -217)م. ذو أصول ليبية أمازيغية من أبيه سيبتيموس سيفيروس وسورية من أمه جوليا دومنا الشهيرة ابنة مدينة حمص، التي كانت ذات نفوذ وقوة وسلطة في الإمبراطورية الرومانية، ولد في لوغدنوم (الآن ليون، فرنسا) سمي لوسيوس سبتيموس باسيانوس. وفي سن السابعه، تم تغيير اسمه إلى ماركوس اوريليوس انطونيوس أوغسطس لتأكيد الانتماء إلى أسرة ماركوس اوريليوس. اتخذ لقب كاراكلا، نسبة إلى إزاره المميز كالبرنس الذي كان يرتديه والذي أصبح تقليدا فيما بعد.
[105]  جوليان المرتد: (Julian) يوليانوس، يوليان المرتد، يوليانوس الجاحد (331– 363)م، إمبراطور روماني (361–363م)، حاول أن يعيد إحياء الوثنية في الإمبراطورية الرومانية عام 361 لكنه فشل، قبل أن تصبح المسيحية ديناً رسمياً ووحيداً للإمبراطورية على يد الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (378- 395م).
[106]  الثيوقراطية: الحكم المبني على أسس دينية.
[107]  تذكر المراجع التاريخية أنَّ القرى والمدن السورية كانت مصدراً أساسياً لتجنيد شبان في الجيوش الرومانية الذين كانوا يؤدون خدمتهم في كافة أصقاع الإمبراطورية الرومانية فالفرقة الأوغسطية الثالثة التي أقامت في نوميديا (الجزائر) كانت مؤلفة من الشبان السوريين من أبناء تدمر وحمص، وأفامية ودمشق وطرابلس وبيروت وصيدا وصور، وقد تبوء العديد منهم مناصب هامة في الإمبراطورية؛ يضاف إلى ذلك ذكر العديد من المهنيين والمهندسين والمفكرين والفلاسفة أمثال أبولودور ولوقيان.
[108]  من إنجيل لوقا قصة تحول بولس: “أما شاؤول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالاً و نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم ،وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق وبغتة أبرق حوله نور من السماء ، فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: “شاؤول شاؤول لماذا تضطهدني ؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي تضطهده ، صعب عليك أن ترفس مناخس ، فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب ماذا تريد أن أفعل؟ فقال الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل .
[109]  {أعمال الرسل 9: 1، 2}.
[110]  بولس الطرسوسي ويعرف أيضاً ببولس الرسول أو القديس بولس (أحياناً يُكتب اسمه بالعربية بحرف الصاد بولص)، هو أحد قادة الجيل المسيحي الأول، وينظر إليه البعض على أنَّه ثاني أهم شخصية في تاريخ المسيحية بعد المسيح نفسه. وكان له الكثير من المريدين والخصوم على حد سواء. ومن خلال الرسائل التي تنسب إليه تتبين ملامح صراع خاضه بولس ليثبت شرعية ومصداقية عمله كرسول للمسيح. ساهم التأثير الذي خلفه بولس في المسيحية بجعله واحداً من أكبر القادة الدينيين في العالم على مر العصور.
[111]  ثيودوسيوس الكبير: أو ثيوذوسيوس الأول، أو العظيم 347 – 395 م ؛ آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت إلى شطرين بين ولديه بعد وفاتة. عُين ثيودوسيوس الأول إمبراطورا للدولة الرومانية 378. تبنى الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية في عام 380، وجعل منها دينا وحيدا للإمبراطورية في العام 391 ؛ أصدر أوامره باحراق مكتبة الإسكندرية لما اعتقده انها تحوي أفكاراً وفلسفات ومؤلفات تخالف العقيدة المسيحية، كما أمر بنقل مسلة تحوتمس الثالث التي كانت منتصبة بجوار معبد الكرنك في طيبة إلى القسطنطينية.
[112]  يوحنا المعمدان: John Baptist، أو يحيى المعمداني، هو من عمّد يسوع المسيح. ولد بحسب الإنجيل يوحنا المعمدان من والدين تقيين وهما زكريا الكاهن وإلياصابات، في عين كارم. وهو النبي يحيى بن زكريا لدى الديانة الإسلامية، ونبي الديانة الصابئية المندائية لدى الصابئة حيث ينسب له كتاب دراشة أد يهيا (تعاليم يحيى) وهو أحد الكتب المقدسة في الديانة المندائية، ويعتبر يحيى بن زكريا نبياً حسب الديانة البهائية.
[113]  اكتشفت الكتابات في العام 1909 على البوابة الشرقية للجامع الأموي بدمشق.
[114]  تخليداً للسيدة مريم العذراء، وتعتبر من أقدم الكنائس الدمشقية وأهمها، وتعد تالية لبيت المقدس عند الروم.
[115]  الغساسنة: هم من العرب العاربة الذين غادروا بلادهم اليمنية بعد خراب سد مأرب، واتجهوا شمالاً إلى سورية، فالتقوا بإخوانهم العرب من قبيلة بني سليم وغيرهم. واعتبروا أنفسهم خلفاء وورثة العرب الأنباط والتدمريين بعدما أصبحوا أكبر وأقوى قبائل بادية الشام. امتدت منازلهم من العقبة جنوباً حتى الرصافة شمالاً فعهد إليهم الروم البيزنطيون مهمة الدفاع عن البادية ونشر الأمن فيها وتأمين الحماية لها. فحقق العرب الغساسنة  مع حلفائهم المناذرة كل ذلك. ووجدوا في المسيحية ما جذبهم إليها وحملهم على اعتناقها، فصاروا من أقوى المؤيدين لمذهب الطبيعة الواحدة.
[116]  خُسرو الثاني: أو كسرى الثاني (590 – 628)، المعروف أيضاً بلقب برويز ومعناه (المظفر)، كان ملك الدولة الساسانية في بلاد فارس. وهو ابن هرمز الرابع، وحفيد كسرى الأول. قام باسْتِغْلال نزاع على السلطة في الإمبراطوريةِ البيزنطية وانطلق مع جيوشه باحتلال شامل للأراضي البيزنطية ضد ملك الروم فوكاس Phocas. فقد كان حلم كسرى الثاني هو إعادة حدود الإمبراطورية الأخمينية السابقة.
[117]  شهربرز: أو شهرباراز الساساني Shahrbaraz، قائد الجيش الفارسي إلى إيلياء (القدس). حيث حاصرها حوالي 20 يوماً، ثم دخلها عنوة، وجعلها نهبا للحرائق. وقتل اليهود (حلفاء الفرس التقليديين) عدداً كبيراً من النصارى يقدره بعض المؤرخين بـ57 ألف. ودمر الفرس كنيسة القيامة واستولوا على الصليب المقدس ونقلوه الي عاصمتهم المدائن.
[118]  هرقل: فلافيوس أغسطس هرقل (575 – 641)، إمبراطور بيزنطي حكم من 610 حتى 641. يعتقد أن هرقل من عائلة أرمينية الأصل. كان ابن صاحب نفس الاسم هرقل، الذي يسمى هرقل الأكبر،وهو الإمبراطور البيزنطي الذي عاصر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد خسرت الإمبراطورية البيزنطية في عهده بلاد الشام ومصر والجزائر وشمال أفريقيا بفتحها على أيدي المسلمين.
[119]  يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي: يقال له يزيد الخير، أمه زينب بنت نوفل الكنانية، أخو أم المؤمنين أم حبيبة؛ من العقلاء الألباء والشجعان المذكورين. أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه وشهد حنينا، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، عقد له أبو بكر ومشى معه تحت ركابه يسايره ويودعه ويوصيه، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه؛ ولما فتحت دمشق أمّره عمر عليها توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة؛ ولما احتضر استعمل اخاه معاوية على عمله، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد وتنفيذا لتوليته.
[120]  النص الأصلي باللاتينية، وهو جزء من وصف كتبه الأسقف الغالي أركلف ArculfK، وهومنقول عن رواية القس أدمنان Admnan المذكورة في كتاب “رحلة إلى بيت المقدس بين القرنين الثالث والثامن”.
[121]  معاوية بن أبي سفيان: معاوية بن صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ، كنيته أبو عبد الرحمن، أول خلفاء الدولة الأموية؛ تولى قيادة جيش إمداد لأخيه يزيد بن أبي سفيان في خلافة أبي بكر، تولى ولاية الأردن في الشام سنة 21هـ في عهد عمر بن الخطاب. وبعد موت أخيه يزيد، ولاه عمر ولاية دمشق وما يتبع لها من البلاد، ثم جمع له الخليفة عثمان بن عفان على ولاية الشام كلها، فكان من ولاة أمصارها. عن: الإصابة في تمييز الصحابة.
[122]  تزوج معاوية ميسون بنت بحدل وهي أم يزيد الأول، وهي من قبائل كلب بن وبَرَة في بادية الشام وأطراف دمشق، وبحدل بن أنيف هو سادة الكلبيين النصارى النازلين جنوب تدمر.
[123] كان يدعى مسجد الرفقاء، حسب المؤرخ ابن شاكر الكتبي.
[124]  الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي: أبو العباس 668-715 وحكم من 705 م حتى 715 م. أمه وليدة بنت العباس بن حزن الحارثية العبسية. كان ولي عهد أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان وولي عهده أخوه سليمان بن عبد الملك. بلغت الدولة الأموية في عهده أوج عزها حيث فتحت جيوشه بخارى وسمرقند وخوارزم، وفرغانة والهند وطنجة والأندلس. امتدت في زمنه حدود الدولة الإسلامية من المغرب الأقصى وإسبانيا غرباً ووصل اتساع الدولة الأموية إلى بلاد الهند وتركستان فأطراف الصين شرقا في وسط آسيا لتكون الدولة الأموية بذلك أكبر إمبراطورية إسلامية عرفها التاريخ.
[125]  مروان الثاني: هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية 750 م، آخر خلفاء بني أمية في دمشق. تولى الخلافة بعد ابن عمه إبراهيم الذي تخلى عن الخلافة له؛ كان واليا على إقليم أرمينية وأذربيجان وقد أظهر كفاءة وقدرة في إدارة شؤون ولايته، فرد غارات الترك والخزر عن حدود ولايته بعد معارك كبيرة؛ لم يستطع الوقوف في طريق المؤامرات والفتن التي عصفت بدولته؛ هزم في معركه الزاب الحاسمة، وسقطت دولة الأمويين بعدها.
[126]  استولى العباسيون على مدن بلاد الشام دون مقاومة تذكر على يد عبد الله بن علي عم الخليفة أبي العباس السفاح، وتلقى البيعة والولاء من وجوه أبناء الشام؛ لكنه استباحها وأعمل السيف بالأمويين ونبش قبور خلفائهم وأحرق جثثهم، كما خرب قسماً كبيراً من سور المدينة.