B087

إيالة دمشق

دراسة توثيقية نقدية في مخطوط رسالة جغرافية بلاد الشام

للعالم الأديب رفاعة الطهطاوي

رفاعة الطهطاوي فكراً ودعوةً:

   ولد رفاعة في العام الذي جاء فيه محمد على إلى مصر على رأس ألف جندي عثماني للمشاركة في مقاومة الحملة الفرنسية على مصر، وتصادف أن يولد رفاعة لأسرة متوسطة الحال في يوم رحيل جنود الحملة الفرنسية عن مصر، ويرتبط رفاعة بنهضة محمد علي باشا من وعيه، ويستمر فيها مع ابنه وأحفاده ليوم مماته، بدأب وكد يندر مثيله، وكان نضاله يمثل مرحلة تاريخية مهمّة في مسار بناء الدولة الوطنية الحديثة التي بدأها محمد علي في مصر؛ وصنفه المستنيرون بصفته رائداً للفكر الاجتماعي في مقدمة ثلاث قمم أثروا القرن التاسع عشر، مع عبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي؛ ووسموه بشمولية النظرة والإحاطة بالظواهر الاجتماعية والسياسية من مختلف جوانبها، ثم الجمع ما بين النظر والعمل والفكر والخبرة الواقعية، فالارتباط بالواقع ثم المزج ما بين أرضية التراث الإسلامي والتعرف على العلوم العصرية الحديثة[1].

    ونُسبت انطلاقة الطهطاوي في تفكيره الاجتماعي والسياسي إلى احترام العقل أداة لحل كل مشاكل المجتمع، وذلك بالكشف عن أسبابها وبواعثها، على أن كتابات الطهطاوي عبّرت عن فهم مستنير للحضارة الأوروبية، فهو لا يرفضها كما أنه لا يقبلها دون تمحيص، ولكنه يعمل على التفاعل معها؛ ولذلك دعا الأزهر إلى أن يضيف سائر المعارف المدنية إلى جوار علوم الفقه والشريعة، وقد نجح الطهطاوي في شرح أفكاره من خلال عرضها ضمن سياقها التاريخي مع شرح وتحليل الأحداث التاريخية التي عاصرها أو قرأ عنها.

   وألبسه المؤيدون لقب (السيد الأمير)[2]، وجعلوه زعيماً للإصلاح الاجتماعي والفكري، ناضل نضالاً مستميتاً في سبيل تحقيق رسالته، على أنه المبشر بالفكر الديمقراطي الليبرالي في ديمقراطية الفكر السياسي كالفصل بين السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، والدعوة إلى تجديد الفكر التشريعي مزاوجاً بين التراث الإسلامي والتشريع الأوروبي، أو ما بين (الأصالة والمعاصرة) من خلال إحياء كتب التراث وترجمة كتب الغرب، وتتلخص الأفكار التي بشر بها رفاعة الطهطاوي في تأكيد فكرة القومية المصرية، وإقامة الدولة العلمانية العصرية التي تفرق بين العبادات والمعاملات وفق القاعدة الشرعية: “العبادات لا اجتهاد فيها[3]، والمعاملات وفق الحديث الشريف: “أنتم أعلم بأمر دنياكم[4]، وبناء المجتمع المصري الحديث على أسس سياسية اقتصادية ثقافية متكاملة.

   وبقي الطهطاوي مثار جدل كبير يتناسب مع حياته وإنتاجه الفكري، فبينما اعتبره البعض الرائد الأعظم في حركة النهضة العربية الفكرية والثقافية خلال العصر الحديث، كان الآخرون يلقبونه بـِ(المؤرخ المدجَّن)، ويشنون عليه الهجمات بتهمة أنه رائد العلمانية المعاصرة في العالم الإسلامي[5]، وأنه الذي فتح الباب واسعاً أمام الفكر الغربي والثقافة الغربية لتلج بقوة في مجتمعنا العربي والإسلامي بعد ترجمة قوانينها وقواعدها الاجتماعية وخبرتها التاريخية، وقدمها على أنها الحكمة والعدل والإنصاف وسبب لعمران بلادهم وكثرة معارفهم[6]، واستناداً لمقولته الشهيرة:

“وجدتُ عندهم إسلاماً.. ولم أجد مسلمين، ووجدت عندنا مسلمين.. ولم أجد إسلاماً”.

علم الجغرافية ورسالة رفاعة:

  ويشهد التاريخ العلمي للمسلمين ما بين القرنين الثالث والتاسع للهجرة إنجازاتٍ عظيمةً تجلّت في تدوين أخبار كثيرة على شكل أدب رحلات مثل رحلات ابن فضلان وابن جبير وابن بطوطة، أو على شكل وصف وتقويم للبلدان مثل: ابن خرداذبه والبلخي والإصطخري وابن حوقل والشريف الإدريسي (بطليموس) وياقوت الحموي وغيرهم الكثير، طبعت كتبهم وترجمت ودرّست، وتدرس على منابر العلم والمعرفة بالعالم، ومن إنجازاتهم المهمّة ما قام به الخوارزمي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي إبَّان حكم المأمون عندما رسم خريطة للسماء والأرض، وقام بمحاولة ناجحة لقياس محيط الأرض على أنها كرة، من موقع (سنجار) في الشمال الشرقي لمدينة تدمر، فيما كان الأوروبيّون يعتقدون أن الأرض مسطحة، ويعتبرون البحثَ في المظاهر الكونية خروجًا على الدين.

   وخلال هذه الفترة قام المقديسي برحلات طويلة دوّنها بما يمكن أن يسمى “دائرة معارف” في الجغرافية، وصف فيها بدقة جميع الأماكن التي زارها[9].

   وفي أواخر القرن التاسع أوائل العاشر تُرجم إلى اللغة العربية كتاب جغرافية بطليموس، وتلا ذلك ظهورُ عدد من الدراسات الجغرافية ارتبطت فيها دراسة الجغرافية بالتاريخ أو بعلم تخطيط البلدان أو بالدراسات الاقتصادية أو بالسياسية، أو بالمناخ والبيئة، أو بمكونات الطبيعة.

   وفي مطلع القرن الحادي عشر نشر البيروني كتابه عن جغرافية روسيا وشمال أوروبة وفي هذا القرن نفسِه استطاع الزرقالي أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى أن يضع أطوال البحر المتوسط بتقدير قريب جدًا مِمَّا هو معتبر الآن وفق أدق الدراسات. وفي سنة 1290م صنع قطب الدين الجغرافي خريطة للبحر الأبيض المتوسط، وقدّمها إلى ملك إيران؛ ووضع أبو الفداء أمير حماة كتاب “تقويم البلدان” الذي تُرجِم إلى اللاتينية في القرن الثامنَ عشر، وكان مرجعَ كثير من علماء الغرب[10]. إضافة إلى ما وضعه العرب من معلومات جغرافية لا تزال معينًا للباحثين والدارسين؛ فقد كانوا مَعْبَرًا انتقلت بواسطته إلى أوروبة أفكار اليونان الجغرافية والفكرة الهندية عن صورة الأرض، وعقيدة استدارة الكرة الأرضيّة، والنظريّة الصائبة عن أسباب المدّ والجزر؛ يضاف إلى ما سبق مساعدة العلماءُ العرب أعلام الرحالة الغربيين في مجاهل إفريقية والمحيط الهندي واكتشاف رأس الرجاء الصالح، ومساعدة الحملات على إنجاز أبحاثها ورحلاتها العلمية ككتاب وصف مصر الخاص بحملة نابليون.

    لا تزال المكتبة العربية تحتفظ بنوادر المخطوطات التي لم يتم تحقيقها أو التعريف بها، ففي فهرس مخطوطات علم التاريخ لمعهد مخطوطات الجامعة العربية بالقاهرة وجدت رسالة بعنوان “جغرافية بلاد الشام” لرفاعة رافع الطهطاوي، صنفها المستشرق الألماني كارل بروكلمان )1956( برقم 2/731 في مواضيع الجغرافية في كتابه تاريخ الأدب العربي، صورتها عام 1948 بعثة تصوير مخطوطات إلى محافظة سوهاج، برقم 315 ضمن مجموعة مهمّة ونادرة من مخطوطات مكتبة رفاعة رافع الطهطاوي يبلغ عددها 540 مخطوطاً مصوراً، وصنفت في مصورات المعهد برقم /سوهاج 28 جغرافية/.

وتأخذ رسالة رفاعة الطهطاوي قيمتها العلمية باعتبارها إسهاماً في علم الجغرافية وفي علم التاريخ، وتزداد أهميتها من خلال المنهجية المتبعة في إنجازها، ومن نوعية المعلومات المدرجة فيها، ومن أنها تفصح عن الهدف من أعمال البعثات العلمية المرافقة للحملات الأجنبية على البلاد.

   ومضمون رسالة الطهطاوي يقع في عموميات الموقع الجغرافي دون التمحيص فيه، إلا أن الجغرافية عنده ارتبطت بالتاريخ دائماً، فالأحداث تم تصويرها بأسلوب العرض القصصي للتوراة، والمواقع فسرت بأسلوب المقارنة الحية مع مناطق أخرى من العالم، وكأن الكاتب يخاطب متخصصين في جغرافية بلاد الشام، ويقوم هو بعرض الحقائق المادية لتاريخ المناطق في بلاد الشام.

    واستندت الرسالة في أجزاء منها على الوصف الأدبي عبر تعداد الميزات المكانية الطبيعية للمواقع دون التوضيح الشكلي بالرسم، مع التركيز على إظهار جوانبَ متناقضةٍ بالغة الأهمية تتعلق بتغير السلوك الثقافي والاجتماعي لمجموعات سكان المناطق، وبمفهوم الأقليات والأكثرية والفروقات المذهبية بينها.

   أضف إلى ذلك تَوَفُّر منهجٍ تاريخي مطول سرد من خلاله تعاقب الأقوام على البلاد، وسياسة تعاملهم مع السكان، ولم تتضمن الرسالة معلومات استكشافيةً يمكن لها أن تضيف جديداً عن جغرافية المنطقة أو عن تاريخها، بل كانت توضح بجلاء رأياً اغترابياً عن هذا الموقع من العالم.

   والأمثلة كثيرة لإثبات دقة ما سبق، إلا أنّ الأهم كان ما تضَّمنته الرسالة من وصف للطوائف والمعتقدات، ووصف فلسطين بأرض اليهود كما جاء في الصفحة رقم 13 من مقدمة مخطوط الرسالة، وفي العودة إلى الجذور العبرانية كاحتمال لتصوير نشأة المدن والمناطق المأهولة كما في حماة وغيرها، ولعل هذا يمكن أن يُعزى إليه أسباب تأخّر أو تجنب نشر هذه الرسالة.

   وتأتي أهمية الرسالة في أنها غير مطبوعة وغيرُ محققة، وفي أنها تثبّت أهمية الجغرافية والتاريخ للحملات الأجنبية كقاعدة بيانات لآليات التعامل مع هذه المناطق؛ فلا شك في أن حوار تقسيم الهلال الخصيب عام 1915 ما بين مارك سايكس البريطاني، وجورج بيكو الفرنسي بقصد الاتفاق على تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية وهي سورية والعراق ولبنان و فلسطين إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية، كانت تستند إلى دراسات الجغرافيين الأجانب والتي ترجم منها رفاعة هذه الرسالة، ويتأكد ذلك من خلال مقارنة المسارات التي ذكرت في الرسالة مع خريطة تقسيم اتفاقية سايكس بيكو للمنطقة.

    وقد اعتمد الطهطاوي في وضع رسالته على النقل من عدد محدود من المصادر المهمّة، كان ينقل منها حرفياً، ومرّات كان النقل يتمُّ بتصرُّف بهدف الاختزال، واستخدم الإسرائيليات من قصص الأنبياء بلا حرج ولا تعليق، وكان يستشهد في التأكيد على أسماء الأمكنة من التوراة، كما ورد في الصفحة التاسعة من مقدمته، واعتماد الإنشاء اللغوي في خطابة تفيد إجراء المقارنة الفكرية دون تأكيد حقيقة ثابتة؛ فكان يستعرض ما ترجمه من نصوص دون ذكر لترجيح أو تقييم أو دمج أو تحليل.

   كما أنَّ الطهطاوي أهمل ذكر مدنٍ كثيرة، واكتفى بما يشبه خطوط سير لرحلة رئيسية في بلاد الشام، وتجاهل معالم جغرافية وعمرانية مهمّة في المناطق التي تعرض لوصفها فلم يأت حتى على ذكر الجامع الأموي في دمشق وكان يذكر سوقاً هامة فيها دون تسميتها، وأخطأ في أسماء بعض المناطق والمدن والأنهار، وقد يعود ذلك لعدم معاينته العملية لما يتحدث عنه، فهو لم يزر بلاد الشام قط؛ ويظهر بجلاء تمسُّكه بأمانة المترجم، فكان باستمرار يبدأ الفقرات وينهيها بوضوح، عازياً إياها للأصل، معتمداً على ثقافة القارئ في التاريخ القديم وفي المعطيات الجغرافية للمناطق الأوروبية التي كان يقارن فيها ما استعرضه من مثيلتها في جغرافية بلاد الشام.

[1] راجع:

  • فرج نبيل، أنور لوقا والكتابة عن مصر الأخرى من بونابرت إلي طه، جريدة الأهرام، 24/11/2003، العدد: 43683، القاهرة، مصر.
  • فرج نبيل، مظهر التقديس بنشر ثقافة الفرنسيس‏، الأهرام، 13/8/2006، العدد: 42663، القاهرة، مصر.

[2] كما سماه الكاتب مهند المبيضين في كتابه: تجربة البناء الحديثة للدولة المعاصرة ½، المنشور في القاهرة، 2004. وكما سماه محمد عودة ومحمد شافعي في مقالاتهم على شبكات المواقع الثقافية.

[3] يعتمد رواد التجديد باتجاه المعاصرة إلى تفكيك الأصالة إلى أجزاء، ليسهل تقديم أفكار التحديث؛ والقاعدة الأهم في ربط العبادات بالمعاملات هي قوله تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ  أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ] (العنكبوت: 45)  ولتحديد مصادر الاجتهاد وشروطه أنظر الجزء الأول من: عابدين محمد أمين (الشهير: بابن عابدين)، رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، دار الثقافة والتراث، دمشق، سورية، 2006. مج1.

[4] أخرجه مسلم عن أنس في كتاب الفضائل- باب وجوب امتثال ما قاله صلى اللَّه عليه وسلم؛ (مسلم- 2363).

[5] كما سمّاه أبو فهر محمود شاكر وآخرون من نقاده في مقالاتهم على شبكات المواقع الثقافية.

[6] الشيال جمال الدين، رفاعة المؤرخ، مهرجان رفاعة الطهطاوي،  ديسمبر 1958، مطبوعات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، القاهرة، مصر،1960. (ص: 119– 127).

[7] الموسوعة الثقافية، بإشراف د. حسين سعيد، دار المعرفة، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة- نيويورك، 1972.  ج1. (ص: 342).

[8] لويس ماسينيون وآخرون، دائرة المعارف الإسلامية، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة، الإمارات العربية،1998. ج12. ص:82.

[9] المسلم إبراهيم، إطلالة على علوم الأوائل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة- مصر، 2006. ص:134.

[10] المرجع السابق. ص: 169.

تحقيق أجزاء من متن المخطوط المعتمد

رسالة في جغرافية

بلاد الشام للعالم الأديب

رفاعة الطهطاوي

رحمه الله

آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لِمَن سهّل المسالك وملّك الممالك، وصلاةً وسلاماً على رسوله الهادي إلى الصراط المستقيم، وعلى آله وصحبه التابعين لدينه القويم.
أما بعد؛ فيقول الفقير إلى الكريم النافع رفاعة بدوي رافع: هذه رسالة صغيرة تتعلّق بجغرافية بلاد الشام أي: تخطيط أرضها، استخرجتها من كتب فرنساوية وعربية، وعوَّلتُ فيها على كتاب “جغرافية ملطبرون”[1]، وعلى “قاموس مَسْلِين في ذكر البلدان”[2]، وما يتعلّق بها، تنفع لمن أراد أن يقابل هذه الأراضي بما قاله فيها الجغرافيُّون، وأن يحقِّق على المحلِّ نفسِه هذه الأشياء؛ أهديتُها لوليِّ النعمة أمير الزمان إهداءَ النملة ما في فِيْها لسيدنا سليمان، ورتَّبْتُها على:
مقدمة تتعلّق بعموم بلاد الشام، وتخطيطِ أرضها وأنهارها وجبالها وبطيحاتها[3] الأصلية، وما يخرج فيها من النباتات والمعادن والحيوانات. وعلى ثلاثة أبواب:
الأوَّل في إيالة[4] دمشق، و فيه فصلان:
الفصل الأوَّل في أرض القدس.
الثاني: في بقية إيالة دمشق.
الباب الثاني في إيالة عكَّا وطرابلس، وفيه فصلان:
الفصل الأوَّل: في أمم جبل لبنان المسمَّى أيضاً “جبل الدروز”.
الثاني: في بقية إيالة عكَّا وطرابلس.
الباب الثالث في إيالة حلب.
  وعلى خاتمة تتعلق باستيلاء الإسكندر الأكبر الرومي (ابن فليش)[5] على هذه البلاد استخرجتُها من “تاريخ القدماء” للمعلم رولين[6]، وربما أحوجَ الأمرُ إلى وضع بعض الأماكن بالاسم الإفرنجي حتَّى يتيسَّر الوقوف على الاسم العربي.
   وأسأل الله تعالى التوفيق.
 المقدمة:
في الكلام على الشام، وتسمَّى من حيث هي؛ وفي تخطيطها “إجمال الشام”[7] وتسمى بالتركية “سورستان”[8]. وسورية محدودةٌ جهة الشمال الشرقي بنهر الفرات، وجهة الشمال بجبل أمانوس المسمَّى “جبل المداغ”، وجهة الغرب بالبحر الأبيض المسمَّى أيضاً “بحر الشام”، ومن جهة الشرق تختلط براريها ببراري بلاد العرب حتَّى اختلف على الجغرافيين من المتقدِّمين والمتأخِّرين في تحرير الحدِّ بينهما برسم خط معلوم يفصل إحدى الأرضين من الأخرى؛ فقال المتقدِّمون: إنَّ الحدَّ هو مدينة تدمر – التي هي مدينة سليمان عليه السلام- ودمشق والبحيرة الميتة المسماة بحيرة لوط[9]. وقال المتأخِّرون: إنَّ الأظهر كونُ آثار تدمر ليست من الشام في شيء، وإنَّ الأقرب كونُها من أرض العرب. واستظهر بعض المتأخِّرين؛ وقال: إنَّه الأصوبُ أن يكون حدُّها من جهة الجنوب خطاً هندسياً يعرض من طرف بركة لوط إلى مصبِّ وادي العريش ليكون فاصلاً بين الشام وبلاد العرب من جهة، وبينهما وبين مصر من جهة أخرى. (انتهى ملطبرون).
وقال مسلين في معجم بلدانه المسمَّى “قاموس الجغرافية الفرنساوية”: الشام بين البحر الأبيض والفرات، وحدُّها جهة الشمال جبلُ الموصل[10] وشعبه المتفرعة منه وهذا الحد يفصله من بلاد ديار بكر[11] وأنا طولي[12]، وجهة الشرق بديار بكر وأرض الوهابيَّة[13] التي تُكّون أيضاً حدَّه من جهة الجنوب من جهة أرض فلسطين، وحدّه جهة الغرب بالبحر. (انتهى).
 وكانت بلاد الشام تسمَّى في اللغة السريانية القديمة “أرض أرم”، ولذلك سمَّى أميروس[14] شاعر اليونان الشهير أهلها بالآراميين.
وسمّاها العرب “الشام”، واختلف في ذلك؛ فقال بعضهم: إنَّها سمِّيت بذلك لأنَّها في شمال العرب لمقابلتها بأرض اليمن، فإنها في يمينهم، وقد سمع عن العرب شامتان ويمنتان يعني: على اليمين واليسار؛ والمراد بكون الشام في شمال العرب، واليمين في يمينها إنَّما هو بالنظر لوضع الكعبة[15].
وقيل: إنَّ الشام جمع شامة، وهي كالخال: علامةٌ بيضاء، أو حمراء، أو سوداء تخالف لون البدن. سُمِّيت الشام بذلك؛ لأنها يكثر بها التلول[16] المتلوِّنة بهذه الألوان.
قال مسلين: إنَّ أرضها 3894 ملقة فرنساوية[17] مربعة من غير عدِّ البرِّيَّة الكبيرة، وإنَّ أهلها 1,800,000 نفساً من عرب وترك وأروام ودروز وموارنة وأعراب، وأكثر أهلها فقراء إلاَّ سكان الثغور[18]. (انتهى).
ونقل المعلِّم دربلو[19] صاحب كتاب “الخزانة المشرقية” باللغة الفرنساوية؛ عن صاحب “مساحة الأرض”[20] الذي هو مؤلِّف أعجميٌّ: أنَّ طول الشام مسافة خمس وعشرين مرحلة[21]، وأنَّها متباينةُ العرض، وأعظمُ محلٍّ عرضه عشر مراحل. (انتهى).
وجبال بلاد الشام المتواصلة كالسلاسل تتبع في تواصلها وتسلسلها أوضاعَ برورِ البحر الأبيض، وليس بينَه وبينها إلاَّ نحوُ ثمانِ ملقات فرنساوية تقريباً في الأكثر.
وأعلاها رأساً جبل لبنَان[22]، وهو سلسلة جبال ممتدَّة بين متوازيات عكة[23] وطرابلس، ورأسه المسمَّى في التوراة[24] حرمون يوجد بين دمشق وبعلبك؛ وهو ينقسم إلى سلسلتين إحداهما غربية تجاه البحر الشامي. والأخرى شرقية بحافة سهل دمشق تسمَّى عند اليونان سابقاً أنتبلبنان[25] يعني: المقابل لجبل لبنان. وهذا الاسم لا يعرف عند العرب، وإنَّما هو مستعمل في جغرافية الإفرنج، وشهير عندهم في كونه محلاًّ للنزاع. (انتهى ملطبرون).
وفي كتاب “تقويم البلدان” للملك المؤيَّد عماد الدين صاحب حماة المشهور عند الإفرنج بأبي الفداء: ومنها؛ أي: الجبال جبلُ الثلج وجبل لبنان وجبل اللُّكام[26]؛ وهي متواصلة كأنَّها جبل واحد. (انتهى).
قال ملطبرون: إنَّه يوجد غالبا بجبل لبنان وغيره من جبال الشام آثارُ صوامع قديمة وقصور عظيمة. (انتهى).
وقال دربلو نقلاً عن المؤرِّخين: إنَّه في السنة الثامنة عشر من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في زمن فتوح الشام- وكان ذلك الوقت وقت طاعون- وُجِد في مقبرة تحت الأرض بجبل لبنان جثة سنهريب[27] ملك الموصل جالساً على سرير من الذهب مكتوب عليه باللغة السريانية واللسان الكلداني[28]، ما معناه: أعظمُ المصائب نسيانُ الموت والحسابِ، وقبور الآباء والسَّلَف تذكِّر الإنسانَ هذين الشيئين وهو يغفل عنهما. (انتهى).
وجبال الشام مؤلَّفة من حجار جِيريَّة صلدة مبيضة رنانة، ولا تكاد تظهر بها الأحجار الصوانية إلاَّ بالقرب من جبل طور سيناء[29] وخليج العرب.
ويوجد بقرب دمشق غيران وكهوف عظيمة يسع الواحد منها أربعة آلاف رجل[30].
ووادي نهر الأردن تظهر به آثار البراكين؛ أي: جبال النار، وذلك لأنَّ المياه القعرية المكبرتة الموجودة ببركة لوط المسمَّاة بالبحر الزفتي[31]، وأحجار الخفاف، والسفنج الموجودة على شطوطه بقذفه لها؛ والمياه الحارَّة من أصل الخلقة الموجودة بطبرية[32] تدلُّ على أن هذا الوادي كان محلاًّ لنيرانٍ لم ينقطع عرقها ولم تخمد إلى الآن، بل بقي منها إلى الآن أثر، وقد شُوهِد غيرَ مرَّةٍ أنَّه يخرج من بركة لوط كثير من الدخان، وأنَّها تفتَّحت من جهة شطوطها مرَّات عديدة وحصل منها تنافيس.
قال إسترابون[33]: إنَّ حديث أهل هذه البلاد يدلُّ على أنَّ وادي بركة لوط كان به في سالف الأزمان ثلاث عشرة مدينة عامرة زاهرة، وأنَّها ابتلعتها الأرض عند زلزلة حصلت.
ونقل أيضا إسترابون عن إيراطسطينوس أنَّ هذا إنَّما وقع بمحض انخساف[34] فقط وانقطع الهيجان من مدّة مستطيلة، وبقي تحرُّك الزلازل بعض الأحيان، وأكثرها على الشطوط، ويشهد لذلك تغير صورة أنطاكية واللاذقية وطرابلس وبيروت وصيدا وصُور عدَّة مرَّات.
ومن نحو أربعين سنة وقعت زلزلة عظيمة حصل منها ضرر عظيم، يقال: إنَّه مات بها في وادي بعلبك ما ينوف عن عشرين ألف نفس، وخسارتها لم تجبر إلى الآن، ولم تعوّض. وقد أفادت التجربة أنَّ الزلازل إذا وقعت لا تحصل في الغالب، إلاَّ في فصل الشتاء عقب أمطار الخريف. (انتهى ملخص عبارة ملطبرون).
وقال في محلٍّ آخر، في تخطيط بركة لوط: إنَّه يوجد في شرق بلاد فلسطين[35] سلسلتا جبال يابسة بين حيطانهما المسودة وادٍ غايرٌ، أرضه طينية مشويَّة بالقفر[36] والملح- والقفر مادة شبيهة بالقار، أو هو القار بعينه- ويشمُّ من هذه الأرض الطينية روائحُ الكبريت أيضاً. وهذا الوادي هو وادي البحيرة الميتة المسمَّاة بركة لوط.
والقفر يرتفع على وجه الماء من هذه البحيرة، ويؤخذ من شطوطها. وقد كانوا في سالف الزمان يذهبون بالقوارب ليلتقطوه من وسط البحر؛ ولم يُجرِّب السير بالسفن فيه أحدٌ من أرباب السفر من الإفرنج مع أن هذا أحسنُ الوسائط في معرفته.
وقد نصّ كثير من الجغرافيين على أنَّه لا يعيش في هذا البحر شيءٌ من السمك، أو أمِّ الخُلُول[37]؛ وأنه يتصاعد منه أبخرة كريهة الرائحة مضرَّة لصحة الحيوانات، ولا يسمع بشطوطه أصوات الطيور لخلوِّها من الأشياء التي تجلب الطيور.
واستظهر بعض علماء الطبيعة الأرضيَّة أنَّ هذا البحر كان في أوَّل الأمر غوطةً خصبة بعضها معلَّق على ماء تحتاني يعني تحت الأرض، وبعضها مؤلف من راقات نفطية[38] فنزلت نارٌ جوِّيَّة[39]، واشتعلت بهذه المواد السريعة الاحتراق فابتلعت المياه التحتانية هذه الأرض الخصبة.
ولعل ذلك هو سببُ ذهاب مدن لوط وقومِه[40]، كمدينة سدوم، وعامور[41]، وغيرهما لكونها مبنيَّة بأحجار نفطية أو قفرمة[42]، واحترقت هذه المواد. (انتهى).
ومن هنا يُعلَم أنَّ الطبائعيين ينسبون دمارَ مدائن لوط إلى أمر طبيعي؛ لا إلى انتقام إلهيٍّ.
قال صاحب كتاب “نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزائر والمدائن والآفاق”: سادوم وعامور كانتا مدينتي قوم لوط، فأغرقهما الله فعاد مكانهما بحيرة منتنة، وسُمِّيت (البحيرة الميتة)، لأن ما فيها شيءٌ له روح: لا حوت، ولا دابَّة، ولا شيء ممَّا شأنه أن يكون في سائر المياه الراكدة والمتحرِّكة، وماؤها حارٌّ كريهُ الرائحة، وفيه سفنٌ كبارٌ يُسافَر بها في تلك الناحية وتُحمل إليها الأقوات؛ وطول هذه البحيرة ستُّون ميلاً وعرضها اثنا عشر ميلاً[43]. (انتهى).
وقوله: “لأن ما فيها شيء له روح”، ما: نافية، والمعنى أنَّه ليس فيها شيءٌ من ذوات الأرواح التي شأنها أن توجد في المياه؛ إلاَّ أنَّ العبارة فيها رِكَّة.
ثمَّ إنَّ نهر الأردن والنهر العاصي يخرجان من جبل لبنان، فالأوَّل يجري من الشمال، والآخر يجري من الجنوب؛ والنهر العاصي هو سلطانُ أنهار الشام غيرَ أنَّه سهل الجفاف؛ لولا كثرة الحواجز التي تمنع مياهه من الخروج وتُوقفها؛ ولمَّا كان عاليَ الحافات، كان لا يمكن أن يرويَ ما حوله من الخلاء إلاَّ بواسطة نواعير على شطوطه، ولهذا سُمِّيَ: النهر العاصي. ويسمى عند الجغرافيين من الإفرنج: أُرُنط، بضم الهمزة والراء. (انتهى ملطبرون).
وعبارة كتاب أبي الفداء: ومنها- أي الأنهر- نهر حماة ويسمَّى نهر الأرُنوط، والنهر المقلوب لجريه من الجنوب إلى الشمال، ويسمَّى العاصي، يعصي عن أن يسقيَ إلاَّ بنواعير تنزع منه الماء. (انتهى).
وأمَّا نهر الأردن الذي عابه ولتبر؛ فإنَّه كما قال بلنيامش الطبائعي: نهرٌ ظريف رائق عريضٌ بالنسبة للوادي الذي هو به، وهو ما قاله أرباب الأسفار في حقّ هذا النهر. (انتهى ملطبرون).
وقال أبو الفداء: إنَّ هذا النهر يسمَّى أيضاً نهر الغور ونهر الشريعة.
ومن الأنهار التي أغلبها سيول ووديان نهر القاسمي، أو نهر قسِّيمة بشمال صور؛ والنهر الكبير الذي هو آخر بلاد كنعان[44].
وقد تولد عن الجبال المعترضة المانعة لجريان أنهار الشام عدَّة برك كثيرة، فوادي النهر العاصي يحوي من البرك على البركة المسمَّاة بحر الكدّيس[45] بقرب حمص، وبركة فامية التي تجوز ذلك النهر، وبحيرة أنطاكية.
وفي الأراضي المشرقيّة والجنوبية من بلاد الشام عدَّة بحيرات غير جارية؛ مثل: بحيرة عقلي، وبحيرة حلب القديمة، وماؤها مالح، ومنها بحيرة المرج، وليست بعيدة من دمشق.
وأشهر البرك بحيرة لوط السابقة، والظاهر أنها كانت دائماً منقطعة مستقلة لا اجتماع لها بالبحر أصلاً كما هي الآن.
والشام مختلفة الإقليم فهي ثلاثة أقاليم: فرؤوس جبل لبنان مغطاة بالثلوج التي تطرِّي بطراوة عظيمة وسط بلاد الشام. وأمَّا البلاد الساحلية فهي واطية فيكون حرُّها مشوباً بنداوة البحر. والسهول المجاوزة لبلاد العرب يعتريها في الصيف الحرُّ اليابس. فهذه حالتها في الحر، وأنسب إليها حالة باقي الفصول وما يتعلق بها من زروع ونحوها.
وترتيب الفصول في أرض جبال الشام قريبٌ منه في وسط بلاد الفرنسيس، فالشتاء تستمرُّ بها من شهر نوفمبر إلى شهر مارث[46]، وتصير قويَّة صعبة، ولا تمرُّ بها سنة من غير ثلج أصلاً، وربما غطَّى الأرض بعدة أقدام مدَّة أشهر تامَّة؛ وفصلا الربيع والخريف معتدلان بهذه الجبال. ولا شدَّة للحرِّ بها أصلاً في زمن الصيف.
والسهول بالعكس، فإنَّه بمجرَّد دخول الشمس في أحد الاعتدالين[47] ينتقل دفعة واحدة إلى الحرّ القوي الذي لا ينقطع إلاَّ في شهر أفطبر[48].
وبها الشتاء معتدلة لا يتأثرَّ بها النارنج والنخل والموز وغيرها من الأشجار التي تموت في المنطقة المبرودة- أي: شديدة البرد- فمن هنا ينتج أنَّك إذ خرجت من الجبال في الشتاء الشديدة ونزلت إلى السهل رأيت الشتاء فيه كأنَّها زمن الربيع، فلهذا قيل: إنَّ بأرض الشام مسافة ساعات تفرّق بين الشتاء والربيع؛ ومنه يعلم أنَّه يمكن في الشام زراعة نباتات البلاد الحارَّة والباردة، فلذلك قال بعضهم: إنَّ الصناعة لو وافقت الطبيعة بأرض الشام، لأمكن جعل النباتات الغربية قريبة بنحو عشرين ملقة، يعني: لأمكن زرع بلاد الإفرنج الباردة مثلا بجبال الشام التي تماثلها في البرودة، فتكون قريبة من السهول.
ثم إنَّه يوجد في جميع أراضيها القمح والشعير والفول والقطن وغيرها.
ومنها مَحَالُّ مخصوصة بالنباتات النافعة للحاجة وللنزهة، فبلاد القدس مثلا يكثر فيها السلجم[49] الجيد الزيت، والذرة المصرية، وتصحُّ الذرة الشاميَّة في أرض بعلبك الخفيفة، والأرز يفلح أيضاً في شطوط الحاولة[50]، وقد صحَّ زرع القصب؛ يعني: قصب السُّكَّر، في بساتين صيدا وبيروت من نحو ثلاثين سنة، وكان لم يزرع بها قبل ذلك أصلاً، وساوى في الجودة قصبَ بلاد البَحِيْرة[51] ببر مصر.
والنيلة[52] تخرج بغير صناعة على سواحل نهر الأردن، وليست ناقصة إلاَّ التعهد حتَّى تكون جيِّدة، وعلى برور اللاذقية يخرج دخان الشرب الجيِّد الصفة الذي يباع في دمياط والقاهرة.
وهذه المزروعات توجد أيضاً بأراضي الجبال من الأشجار المخصوصة بمحالَّ مخصوصةٍ شجر الزيتون؛ فإنَّه يخرج في أنطاكية والرملة ويكون علوُّه قدر شجر الزان، شجر التوت الأبيض هو معظم ربح الدروز لأنَّهم يتعهَّدونه غايةَ التعهُّد للحرير الذي يستخرجونه من دود القَزِّ، ويتاجرون فيه.
وكذلك شجر العنب عندهم، فإنَّه يخرج منه نبيذٌ يحاكي نبيذَ بوردو[53] ببلاد فرنسا.
وفي يافا الليمون العظيم والبطيخ الجيد؛ وفي غزة يخرج التمر الحجازي والرُّمَّان المغربي؛ وفي طرابلس يخرج النارنج مثل النارنج المالطي. وفي بيروت يوجد التين الذي يضاهي تين مرسيليا[54]، والموز الذي يشابه موز جزيرة سَنْتَمَنْغ- بفتح السين، وسكون النون، وفتح الفوقية، والميم بعدها نون ساكنة، ثمَّ غين معجمة- جزيرة ببلاد أمريكة.
ولا يوجد فستق يحاكي فستقَ حلب في الجَوْدة أصلاً. ويوجد بدمشق جميع الفواكه الموجودة ببلاد الإفرنج، فإنَّه يصحُّ في أرضها تفاح نرمندية[55]، وبرقوق[56] تورينة[57]، وخوخ البلاد المجاورة لمدينة باريس. وجزم بعض الإفرنج بأنَّ القدس يصحُّ فيها زراعة بن اليمن.
وببلاد الشام غالب الحيوانات الأهليَّة والوحشية الموجودة بغيرها من البلاد؛ ومن جملة ما فيها الجواميس والإبل والغزلان وابن آوى والضباع والنمورة الصغيرة التي ليست في الحقيقة من النمورة، وهذه الحيوانات المؤذية ليس منها، وهناك ما يضرُّ كالجراد وذلك لأنَّ الشتاء إذا جاءت خفيفة البرد، كثر الجراد ببلاد العرب، وجاءت منه حوماتٌ[58] عظيمة على بلاد الشام فتنشف الزروع والأوراق عقب ذلك ، وهذا هو سبب وجود قحط الشام وهو بها في غالب الأحوال، فإذا رأى أهلُ الشام ذلك وحلَّ بهم؛ دعوا الله سبحانه وتعالى أن يسلِّط طيرَ السرمرمر[59] على الجراد ليأكله، وأن يرزقَهم بريح الجنوب الشرقي ليطرده إلى البحر المالح. ومن الجراد نوعٌ يغتذون به ويسحقونه ليصنعوا منه الشوربة.
ثمَّ إنَّ بلاد الشام أُخِذت عدَّة مرَّات على التوالي بالعجم والروم والعرب والإفرنج والعثمانية، فلذلك حصل الاختلاط في أهلها بينهم وبين الغرباء؛ غير أن أرباب المناصب الداخليَّة والعسكرية بها هم العثمانية، وبها كثير من العرب استوطنوا بها، واتخذوا الفلاحة صناعة لهم.
وبها أيضاً عرب بوادي سوّاحون ويكثر عددهم في إيالة دمشق. ويوجد كثير من التركمان والأكراد والسوَّاحين بأرض حلب.
ومن أرض الشام أيضاً بلاد الدروز والمتاولة والنصارية والموارنة؛ وسنذكرها في محالِّها.
وأصلُ لسان أهل الشام السرياني، ولا يعرف إلا في البلاد القريبة من دمشق، وفي جبل لبنان؛ واللغة العربية يكثر استعمالها في الأرياف والمدن.
ومن الفلاحين منهم من يتكلم بلسان النبيط ويُسمَّون النبايوط، ولسان النبيط لغة مركبة من اللسان السرياني والكلداني يعني لسان قدماءِ العراق.
ودين الإسلام هو دين غالب أهل البلاد؛ ومن الأديان الموجودة بهذه البلاد دينُ النصارى الشُّوَام السالكين نهجَ النصارى الأروام[60]، وهم كثيرون و يلقَّبون بالملكية، نسبة للملك، كأنَّهم تابعون لملوك الروم الأقدمين الذين كانوا يتعرَّضون للمجادلات في الأديان[61].
ويوجد أيضاً جماعة على الملَّة اليعقوبية كالقِبْطة[62] وطائفة الموارنة منتميةً إلى كنيسة روما العظمى[63]، فهم تابعون للبابا.
وأمَّا أهل البوادي فإنَّه إن صحَّ أنَّ لهم ديناً ينسبون إليه؛ فلا عبادة لهم أصلاً.
ويوجد أيضاً ببلاد الشَّام الإفرنج واليهود والأرمن والنسطورية. ويقال: إنَّه ليس من البلاد ما يتجمَّع فيه من الأديان مثل ما في الشَّام، على أنَّها تشتمل على فروع أديان النصارى والإسلام.
وهذه البلاد محكومةٌ بأربع باشات تحكم على طوائف مختلفة الجنس والدين، وهي: باشا حلب ودمشق وطرابلس وعكا.[64]
الفصل الثاني: في ذكر باقي إيالة دمشق قاعدة الباشا:
هي مدينة دمشق التي كانت تسمَّى عند الرومانيين في سالف الزمان مدينة (دَمَسْقُوس)[65]، وتسمى الآن عند الإفرنج داماس، و هي أيضاً محل إقامة بطرق أنطاكية. (أبو الفداء).
وعدَّ منها غوطة الشام[66] وهي دمشق.
وبهذه المدينة وفي وسطها طريق كبيرة مشتملة على صفين من الحوانيت العظيمة[67]، وبها بضائع الهند بجانب بضائع الإفرنج، وبيوتها غيرُ مزيَّنة الخارج ولكنَّها نزهة من داخلها[68]؛ مزخرفة بنفيس ما يمكن التزين به، وملوطة بأحجار الرخام ويشاهد بها من سائر جهاتها المرمر الأبيض والتذهيب النفيس.
وفي كلِّ بيت عظيم فسقية[69]، أو عدَّة فساقي تلعب مياهها في حياض ظريفة، وأقلُّ بيت له ثلاثة مجاري ماء أحدُها في المطبخ، والآخر في الجنينة[70]، والثالث لإزالة النجاسات، أو للاستنجاء[71].
وعلى هذه الزينة أيضاً قياس المساجد[72] والكنائس[73] والقهاوي، فإنَّها مزيَّنة زينة عظيمة ومزخرفة زخرفة حسنة.
وبها قهوة تسمَّى الخنوردي[74] يعني قهوة شجر الورد، وهي من مستظرفات غرائب البلاد المشرقية. وحوالي هذه المدينة نهر يسمَّى بحر راضي[75]، ويوجد حولها أيضاً غيره من الأنهر الصغيرة[76].
وبها في سائر فصول السنة الخضراوات النضرة المقبولة، وبها تكثر الحدائق والبساتين وحولها في الخلاء بيوت وقصور لطيفة[77].
وأهل هذه المدينة نحو مئتي ألف نفس، وهي من أعظم بلاد المشرق متجراً وصناعة، وقد كانت شهيرة بمعامل السيوف[78] المصنوعة خلط أوراق رهيفة من الحديد والبولاد، ولهذا كانت تنثني إلى المقبض، وتقطع في الأشياء الصلبة، ويقال: إنَّ سِرَّ هذا الشغل قد فُقِدَ[79]؛ ومن هذه المدينة أخذ الشغالين طيمور[80] إلى بلاد العجم، فاشتغلوا له السيوف وصحّت ببلاد العجم إلاَّ أنَّها دون سيوف دمشق في الجَوْدة والحسن.
وفي دمشق أيضاً معامل الصابون والقطن المشغول مع الحرير.
ويتعجب الإفرنج من شغل خشب الأبنوس[81] بها وتزيينه بالعاج والصدف.
وبها تكثر التجارة، وقافلة مكَّة كلَّ سنة[82].
وهي على خمس وأربعين 45 ملقة على الشمال الشرقي من مدينة القدس، وعلى مئتين وثمانين 280 من الجنوب الشرقي من إسلامبول، وعلى مئة وخمس وأربعين 145 ملقة من القاهرة.
وحكم باشاها من صحاري مصر إلى حلب، وهي في ثلاث وثلاثين درجة 33 وثماني عشرة دقيقة 18 من العرض الشمالي، وفي أربعة وثلاثين 34 درجة، وخمس وخمسين 55 دقيقة من الطول الشرقي من خط نصف نهار باريس[83]. (انتهى ملطبرون، ومسلين، وغيرهما).
قال في نزهة المشتاق: ومدينة دمشق من أجلّ بلاد الشام وأحسنها مكاناً، وأعدلِها هواءً، وأطيبها ثرى، وأكثرها مياهاً، وأغزرها فواكه وأعمها خصباً وأوفرها مالاً وأكثرها جنداً وأسمحها بناء.
ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة، وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة. ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج[84] وطوله اثنا عشر ميلاً، وعرضه ثلاثة أميال، وكلُّه مغروس بأجناس الثمار يشقُّه خمسة أنهار[85].
ومياه الغوطة الجارية بها تخرج من عين الفيجة[86]، وهذه العين في أعلى جبل، وينصبّ ماؤها من أعالي هذا الجبل كالنهر العظيم له صوت هائل.
ومنها إلى مدينة بعلبك في جهة الشمال مرحلتان ومنها بيروت يومان كبيران، ومنها إلى صيدا مثل ذلك، ومنها إلى نابلس ستُّ مراحل، ومنها إلى طرابلس الساحليَّة خمس مراحل. (انتهى بتصرف). [87]
الخاتمة:
بدأ الطهطاوي مقدمة رسالته برسم حدود بلاد الشام وتحديد مساحتها والتأكيد على جغرافية ساحلها، فاهتم بمدن الشريط الساحلي، وأهمل المدن والمناطق الداخلية، وربط جغرافيته المترجمة بالتاريخ القديم الذي يستند إلى التوراة في تفسيراته، وكأنه يصف تنسيق مسرحاً لأحداث قديمة يتوقع لها أن تستمر في المكان حسب نبوءات التوراة؛ التي تناولت منطقة بلاد الشام بنبوءات عديدة يتحالف اليهود مع الصليبيين على تحقيقها حرفياً.
ويؤخذ على الرسالة الملاحظات الآتية:
  • اعتماد الرسالة على مؤلفات كولنيالية التي كانت تسعى أساساً إلى جمع معلومات عن وصف المكان وميزاته الجغرافية، وخصائص السكان المحليين الاجتماعية والعقائدية والسلالية، وعن ظروف حياتهم ونشاطهم الاقتصادي.
  • إغفال مكانة بلاد الشام في الفكر الديني الإسلامي، والذي يمكن توضيح بعضاً منه من كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر[88]، حيث خصص فيه أبواباً تفيد في أن الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي خيرته من عباده؛ ضمنها عدداً من الأحاديث الشريفة، منها:
  • قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الشام: (الشَّام صفوةُ الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده؛ فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته)[89].
  • عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: (قرأتُ فيما أنزلَ الله عزَّ وجل على الأنبياء أنّ الله يقول: الشَّامُ كِنانتي، فإذا غَضِبْتُ على قومٍ رميتُهُم منها بِسَهم)[90].
  • وقوله صلى الله عليه وسلم: (سَتَخْرُجُ نارٌ من حَضْرَمَوْتَ أو من بَحر حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامةِ تَحْشُرُ النَّاسَ، قالوا: يا رَسُولَ اللّهِ فَمَا تأمُرُنا؟، قالَ: عَليْكُمْ بالشَّام)[91].
  • قوله صلى الله عليه وسلم: (سَتُفْتَح عليكمُ الشَّامُ، فإذا خُيرتُمُ المنازلَ فيها فَعليكُمْ بمدينةٍ يُقَالُ لها دِمَشْقُ، فَإنَّها مَعْقِلُ المُسلِمينَ مِنَ المَلاحِمِ وفُسْطَاطُها مِنْها بأرضٍ يُقَالُ لها الغُوطَةُ )[92].
  • إهمال الملامح المكانية الجغرافية والبشرية والعمرانية لمناطق بلاد الشام، وإهماله التدقيق في أسمائها وصفاتها، مقابل تدوين مشكل وملحن للمدن الغربية التي ذكرها بهدف المقارنة، ولم يفته ذكر أن سكان بلاد الشام من آكلي الجراد “يغتذون به ويسحقونه ليصنعوا منه الشوربة”.
  • التأكيد على الأديان والطوائف الموجودة في بلاد الشام، ومديح بعضها وذم الآخر، وتصوير المنازعات، ومناطق النفوذ وإظهار أجزاء صغيرة من بلاد الشام على أنها تخضع لتقسيمات دينية طائفية، دون ملاحظة أهمية التاريخ والعيش المشتركين بينهم بتفاهم وتكافل في المدينة والحي الواحد ما لم يتدخل أجنبي؛ ومن أغرب ما ذكره الطهطاوي في الطوائف والأديان عندما جاء على ذكر “أهل البوادي فإنَّه إن صحَّ أنَّ لهم ديناً ينسبون إليه؛ فلا عبادة لهم أصلا”، دون أن يفرق بين العرب والأعراب المستعربة.
  • اختصار ذكر دمشق في أربع صفحات بما لا يزيد عن 500 كلمة، أتى فيها بالحديث عن اسمها وذكر غوطتها، ووصف سوقها الذي يحوي على صفين من الحوانيت العظيمة دون ذكر اسم السوق، وأخطأ باسم القهوة الوحيدة التي وصفها، ولم يعرف أن بردى ينبع أساساً من نبع بردى وعين الفيجة تعتبر من الروافد للنهر أثناء عبوره لوادي بردى، كما فاته معرفة أن مياه الفيجة تنبع من تحت معبد روماني، وأن النهر يتفرع لسبعة أنهر، وأشار إلى نهر يحيط بدمشق اسمه “بحر راضي” والأغلب أنه يتحدث عن مدينة أخرى، وتعرض لشغل خشب الأبنوس ولم يميزه عن خشب الجوز المحلي، وسمى محمل الحج بقافلة مكة؛ والأهم من ذلك كله: فاته لحظ الجامع الأموي وأبواب دمشق وسورها وقلعتها، كما غاب عنه قاسيون وصالحيته التي تعج بدور العلم والمساجد ومقامات العلماء.
    على الرغم من أن العنوان يبدأ بكلمة رسالة، وأن الرسالة تعني ضمناً الإيجاز وأداء المقصود بأقلّ من عبارة المتعارف[93]؛ إلا أن الأمر لا يتعدى الاختصار مع وجود أخطاء؛ ويمكن تبريرها بأنه لم ير دمشق ولم يزر المناطق التي تحدث عنها، وبأنه ناقل فقط؛ وبالنظر إلى الأعمال الفكرية الكبيرة التي خلفها الشيخ الطهطاوي رحمه الله؛ يمكن إعادة التأكيد على أن الرسالة كانت نواة لمؤلَّف، ولم تكن في صيغتها النهائية، ولم يكن لينشرها على حالها؛ عملاً بقول ابن خلدون[94]:
     ” اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية… فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط ؛ لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق. وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً، لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار. فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط”.
 [1] كتاب الجغرافيا العموميةGeographic Universelle ، لمالتي برون (1775-1826)Malte Brun. ترجم منه رفاعة الطهطاوي أربع مجلدات من ثمانية، وطبع بدون تاريخ. وهو من أهم الرحالة البريطانيين الذين زاروا مصر في عام 1792 في طريقه إلى الحبشة. (الطهطاوي، التمدن والحضارة والعمران، مرجع سابق. ص: 71).
[2] مسلين: لم نتمكن من ترجمته.
[3] بطحيات: جمع بطحة، والبطحاء من الأرض مَسيل فيه دُقاق الحَصَى، فإنْ عَرُضَ واتَّسَعَ سُمِّي أبطَح. وفي تهذيب اللغة للأزهري الأبْطَحُ: بَطْنُ الوادي وهو البَطْحَاء، وهو التراب السهل في بطونها مِمَّا قد جَرَّته السيول. (لسان العرب ج1، ص: 428).
[4] إيالة: الولاية. وقد كانت المنطقة مقسمة إلى نيابات زمن المماليك، ثم حول العثمانيون(1516 – 1918) تسميتها إلى صناجق، وأعيد تقسيم بلاد الشام إلى إيالات، وألحقت بكل إيالة وحدات إدارية تسمى “صناجق”. (الحنبلي: 38).
[5] الإسكندر الأكبر (320ق.م): هو الإسكندر الثالث ( ÌÝãáò ëÝîáíäñïò ميغاس أليكساندروس) المقدوني: حاكم مقدونيا، قاهر إمبراطورية الفرس، وواحد من أذكى وأعظم القادة الحربيين على مرّ العصور. ولد الإسكندر في بيلا، العاصمة القديمة لمقدونيا؛ وكان أرسطو المعلم الخاص له. (الدبس، 1998: ص104).
[6] كتاب تاريخ القدماء Ancient History ، تشارلز رولين Charles Rollin  (1661-1741). تم ذكره في الصفحة /8/ من هذا البحث.
[7] بلاد الشام: اسم أطلقه العرب منذ القرن الرابع أو الخامس للميلاد على عموم الأراضي الممتدة من الفرات شرقاً إلى المتوسط غرباً، ومن حد بر الأناضول عند جبال طوروس شمالاً إلى حد مشارف سيناء جنوباً. وكان العرب القدماء يميزون بين مواطنهم الشمالية ويسمونها الشامية، ومواطنهم الجنوبية ويسمونها اليمنية. والفاصل بينها رمال النفوذ وما يليها من البادية إلى الشرق والغرب(الدبس، 1998: ص 45).
[8] أطلقت كلمة (سورستان)على جنوب ووسط العراق والجزيرة وعلى بلاد الشام. وتتألف الكلمة من مقطعين: سور- ستان، ويعود المقطع الأول إلى اللغة السومرية، بينما المقطع الثاني للآرية. (معجم البلدان،3/ 279) و(الطبري، 1/391).
[9] بحيرة لوط: البحيرة الواقعة بين فلسطين وشرقي الأردن، وهي البحيرة الأكثر انخفاضاً في العالم، تحمل أسماء أخرى: بحيرة سدوم، البحيرة الميتة، بحيرة الملح. وهذه الأسماء مرتبطة تاريخياً وواقعياً بالمكان ذاته المعروف بـالبحر الميت حالياً. (معجم البلدان،5/ 1)
[10] جبل الموصل: ويدعى بالجودي، وهو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح بعد الطوفان حسب الرواية الإسلامية لقصة سيدنا نوح عليه السلام. (راجع التونسي، 1284هـ).
[11] بلاد ديار بكر: جاء في معجم البلدان (1/143) “ديار بكر هي بلاد كبيرة واسعة تنسب إلى بكر بن وائل. وجاء في دائرة المعارف (2/301) “ديار بكر” هي الآن ولاية كبيرة من الممالك العثمانية، يحدها شمالاً ولاية سيواس وأضروم، وجنوباً العراق العربي وبادية العرب، وغرباً سورية. ومدينة ديار بكر قصبة الولاية وهي آميدا القديمة، قره آمد عند الأتراك.
[12] أنا طولي: اسم كان يطلق على المنطقة الفاصلة مابين بلاد الشام واليونان، وهي ما تدعى اليوم بهضبة الأناضول. (غربال: 231).
[13] أرض الوهابية: هضبة نجد في أرض الحجاز، والوهابية نسبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي مؤسس الحركة الوهابية.
[14] أميروس: هو الشاعر الإغريقي هوميروس أو أوميروس صاحب الإلياذة و الأوديسة، يمتدحه الشهرستاني  صاحب كتاب (الملل والنحل) بقوله: أميروس الشاعر من القدماء الكبار الذي يجاريه أفلاطون وأرسطوطاليس في أعلى المراتب، ويستدل بشعره لما كان يجمع فيه من إتقان المعرفة ومتانة الحكمة وجودة الرأي وجزالة اللفظ.
[15] يمين الكعبة وشمالها، بالنسبة للخارج من باب الكعبة.
[16] التلول: جمع تل، وتجمع تلال، وهي المنطقة المرتفعة من الأرض. (لسان: 2/46).
[17] الملقة الفرنسية: هي وحدة قياس تعادل حوالي 5,25 كم، وهي تساوي فرسخ أو 3 أميال في المصطلحات الإسلامية.
[18] سكان الثغور: سكان المدن الساحلية، أو التي يخشى اختراقها من العدو المهاجم. (لسان: 2/103).
[19] المعلم دربلو الخزانة المشرقية: لم نعثر على ترجمته.
[20] كتاب مساحة الأرض – مؤلف أعجمي: لم نتمكن من الكشف عن الكتاب أو المؤلف.
[21] المرحلة: واحدة الـمَراحِل، يقال بـينـي وبـين كذا مَرْحَلة أَو مَرْحلتان . والـمَرْحَلة : الـمنزلة يُرْتَـحل منها، وما بـين الـمنزلـين مَرْحلة، (لسان: 5/173).
[22] جبل لبنان: ويسمَّى جبل الأرز، وأعلى قمة فيه ترتفع إلى 3088م عن سطح البحر، ويسمَّى “القرنة السوداء”؛ وهو من السلسلة الموازية لبحر الشام. (معجم البلدان: 4/452).
[23] عكة: اسم بلد على ساحل بحر الشام، وهي من أحسن بلاد الساحل وأعمرها، قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء البشاري: عكة مدينة حصينة كبيرة الجامع فيه غابة زيتون، ويطلق عليها اليوم عكا بالألف رغم أن معجم البلدان (3/433) أشار إلى وجود موضع آخر باسم عكا يختلف عن مدينة عكة. وقد ذكرها الطهطاوي في رسالته في الوجهين.
[24] التوراة: كتاب موسى عليه السلام؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [سورة البقرة: 126]”. أخرجه البخاري (انظر: فتح 5/291، 8/170).
[25] كتاب تقويم البلدان للملك المؤيد عماد الدين صاحب حماة المشهور بأبي الفداء، طبع الكتاب بدار الطباعة السلطانية، باريس 1850.
[26] جبل الثلج: القمم التي تحتفظ بالثلج من سلسلة جبال لبنان والمقصود بها في النص جبل الأرز. وجبل اللكام: جبَل لُكام معروف بناحية الشأْم. واللُّكّام ، بالتشديد، جبل بالشام. قرب أَنطاكية. (المسالك والممالك: 1/25)، (معجم البلدان: 5/388).
[27] سنهريب ملك الموصل: وهو الملك الآشوري سنحاريب عام (704 ـ 681 ق.م)، كان صاحب دولة قوية قادرة على إنجاز مشاريع عديدة أذهلت العالم، وأبرزها بناءه جسر زاخو الذي قام ببنائه ليكون حلقة ربط العاصمة الآشورية نينوى بالأراضي الأشورية سورية.
[28] اللغة السريانية: لغة شرق آرامية تحدثها الناس في بلاد الشام. بالمعنى العام، السريانية هي كل اللغات الشرق آراميا اللواتي يتحدثها جماعات مسيحية على صنفين أحدهما أرمني ويعرفون بالسريان اليعقوبيين والآخر يعرفون بالسريان وهم من الكاثوليك، لكن بالمعنى المفصل السريانية هي لغة مدينة الرها الكلاسيكية التي صارت اللغة الليتورجية للمسيحية السريانية. تكتب اللغة السريانية بالأبجدية السريانية.ذات لهجة أرامية تتحدثها الآن مجموعات صغيرة متفرقة في سورية، تركيا، العراق، إيران، أرمينيا، جورجيا وأذربيجان؛ ولا تزال اللغة السريانية متداولة في البلاد القريبة من دمشق، مثل قرية جبعادين، ومعلولا.
[29] طُورُ سَينَاء: جَبلٌ بالشام، وهو بالسُّرْيانـية طُورَى، والنسبُ إلـيه طُورِي وطُورانِـي. وفـي التنزيل العزيز: {وشجرةٍ تَـخْرُجُ من طُور سَيْنَاءَ}[المؤمنون: 20]؛ الطُّورُ فـي كلام العرب الـجَبلُ، وقـيل: إِن سَيناء حجارة، وقـيل: إِنه اسم الـمكان، وحَمَامٌ طُورانـي وطُورِي منسوب إِلـيه. وقال الفراء فـي قوله تعالـى: {والطُّور، وكتابٍ مَسْطُورٍ}[الطور: 1 و2]؛ أَقْسَم الله تعالـى به، قال: وهو الـجبل الذي بِمَدْيَنَ الذي كَلّـم اللَّهُ تعالـى موسى، علـيه السلام، علـيه تكلـيماً.( معجم البلدان: 3/300).
[30] غيران: جمع غار وهو الكَهْف، وانقلبت الواو ياء لكسرة الغين. (لسان: 5/156).
والكَهْف: كالـمَغارة فـي الـجبل إِلا أَنه أَوسع منها، فإِذا صغر فهو غار، وفـي الصحاح: الكهف كالبـيت الـمنقور فـي الـجبل، وجمعه كُهوف. (لسان: 12/176).
والمقصود بالكهوف التي تتسع لأربعة آلاف شخص، الكهوف البركانية مثل مغارة بلدة عريقة أو “أهاريت” اليونانية وتعني ينبوع الماء المتدفق أو العين القوية، اكتسبت شهرة عالمية من خلال مغارتها التي تكونت مع آخر انفجار بركاني في منطقة جبل العرب- السويداء كنتيجة لدخول كتلة غازية داخل المغما البركانية المنصهرة أدت إلى هذا التجويف الذي يبلغ طوله الإجمالي 1460 م وينقسم إلى ثلاثة كهوف طول الواحد منها 450 م يفصل بينها سردابان، وتتراوح سماكة الصخور المحيطة به (7-45) م ويقع إلى جواره نبع يروي القرية وبساتينها. (أبو سعد: 2005).
[31] لأنَّه يقذف قطعاً من الزفت على شطوطه؛ والزِّفْت: بالكسر كالقِـيرِ؛ والزِّفْتُ: القَار. (لسان: 6/55).
[32] طبرية: طَبَر في العربية بمعنى قفز واختبأ، وهي بليدة مطلة على البحيرة المعروفة ببحيرة طبرية، وهي في طرف جبل وجبل الطور مطلّ عليها، وهي من مدن الغور الفلسطيني. بناها الإمبراطور هيرودوس أنتيباس عام 20م، فوق موقع قرية رقة الكنعانية، ثم زوّدها بالمياه من خلال قناةٍ طولها 9 أميالٍ، وتقع إلى الشّمال الشّرقي من فلسطين؛ وتقع أيضًا على طريق القوافل التّجارية، بين دمشق ومصر. وتتميّز بهوائها الجاف الصّحي ووفرة مياهها المعدنية التّي تنبع من جهاتٍ مختلفةٍ قرب ساحل البُحيرة، حيث تُعتبر من أهمّ مناطق الاستشفاء. (المسالك والممالك: 1/24)، (معجم البلدان: 1/136).
[33] إسترابون Estraboon : هو جغرافي يوناني ولد في آسيا الصغرى سنة 58 قبل الميلاد، وتوفي سنة 21 أو 25 ميلادية، وهو مؤلف كتاب ثمين اسمه “جغرافية”. (الموسوعة العربية: مج2).
[34] الانْـخِساف: مُطاوِعُ خَسَفْتُه فانْـخَسَف. وخَسَف الشيء يَخْسِفُه خَسْفا: خَرَقَه. وخَسَف السقْفُ نفْسُه وانْـخَسَف: انْـخَرَقَ. وبئرٌ خَسُوفٌ وخَسِيف: حُفِرَتْ فـي حجارة فلـم ينقطع لها مادة لكثرة مائها، والـجمع أَخْسِفة وخُسُف. (لسان: 4/91).
[35] بلاد فلسطين: في الأصل المخطوط كتبت (بلاد اليهود): حسب زعمهم فيما يزعمون من أرض الميعاد، والمؤلف ترجم حرفيَّة ما نقله عن ملطبرون دون التعليق عليه.
[36] القفر والقار: شيءٌ أسْودُ يُطْلَى به السُّفُنُ والإبِلُ والجرار والأواني، أو هُما الزِّفْتُ. (لسان: 11/253).
[37] أم الخلول: حيوان بحري صدفي يُملّح ويؤكل. (غربال: 1654)
[38] راقات نفطية: طبقات من رائق النفط. راقات: شرائح على شكل طبقات صافية، كما جاء في لسان العرب: راق الشيء إذا صفا.
[39] نار جوية: كالبرق والله أعلم.
[40] لوط:  بالضم: هو لوط بن هاران بن تارح وهو ابن أخي إبراهيم بن تارح خليل الله؛ بعثه الله إلى قَوْمِه فكذَّبُوهُ، وأَحْدَثُوا ما أَحْدَثوا، فاشتقَّ النّاسُ منِ اسمه فِعلاً لمن فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِهِ. ومدن قوم لوط بفلسطين. ولوط ليس بنبي في الديانتين اليهودية والمسيحية بل هو رجل بار. (لسان: 12/357).
[41] سدوم: فعول من السَّدِم، وهو الندم مع غمّ، كان قاضيها يقال له سدوم، وعمورة أو عامورة، وهي من مدائن قوم لوط؛ و كانت خطيئة سدوم وعمورة الفاحشة التي كانت بين الرجال كما يذكر الكتاب المقدس، فزار لوط ملاكان لكي يخلصوه وأهله من العذاب الذي سيوقعه الرب على سدوم وعمورة، وبالفعل نجا لوط البار وابنتاه فقط، وهلكت سدوم وعمورة بقلبها رأساً على عقب وإمطارها بالنار والكبريت وهلكت زوجة لوط. (لسان: 6/220).
[42] قفرمة: لم أجدها حرفياً، ولعلها من القفر، ويمكن اعتماد تفسير الطهطاوي لها على أنها أحجار نفطية من الزفت والقطران.
[43] الميل: وحدة قياس مكاني تساوي 1609,25 م. (الحاج إبراهيم: 2).
[44] بلاد كنعان: هي بلاد الشام، وكنعان بالفتح ثم السكون، وعين مهملة، وآخره نون، قال ابن الكلبي: وُلد لنوح سام وحام ويافث وشالوما وهو كَنْعان، ثم قال: الشام منازل الكنعانيين. (معجم البلدان: 3/312).
[45] الكديس: هو حصيد الزرع إذا دق قبل أن يذرى، (لسان: 12/45). وبحر كديس: بحيرة قطينة الواقعة غرب مدينة حمص.
[46] مارث: كما في المخطوط، هو شهر مارس March أو آذار.
[47] الاعتدالان: هما الاعتدال الربيعي، والاعتدال الخريفي؛ والمصطلح العربي الدقيق كما جاء في الأصول العربية هو: مبادرة الاعتدالين، وهما في الحقيقة حركتان متزامنتان في نفس الوقت، تنتج بسبب الاهتزاز وتسمى كذالك التمايل أو الانسدال في حركة دوران الأرض، وهي نتيجة لتأثير جذب القمر والشمس، ومبادرة الاعتدالين تؤثر في مناخ الأرض. (الحاج إبراهيم: 32).
[48] أفطبر: كذا في الأصل، والمقصود به شهر أكتوبر October أو تشرين الأول. أما نوفمبر فهو شهر تشرين الثاني.
[49] السَّلْجَم: يشبه الكرنب واللِفت، يزرع علفاً للماشية، ويستخرج من بذوره الزيت. (غربال: 995).
[50] الحاولة: أو الحولة ؛ سهل خصب يقع في الجهة العربية من نهر الأردن، غني بالمياه السطحية والجوفية، تزرع فيه البواكير.
[51] بلاد البحيرة: وهي الآن محافظة من محافظات مصر وعاصمتها مدينة دمنهور تقع في غرب الدلتا ويحدها شمالاً البحر الأبيض المتوسط وشرقاً فرع رشيد وغرباً محافظتي الإسكندرية ومطروح وجنوباً محافظة الجيزة. (الحاج إبراهيم: 45).
[52] النيلة  L’indigo : وهي نبات من جنس “إنديغوفيرا” Indigofera، من فصيلة البقليات Leguminosea. موطنه المناطق الحارة من العالم، وهو ذو ثمار قرنية، كحبات البسِلة، وأوراق ريشيّة الشكل، وزهرات صغيرة أرجوانية أو بيضاء أو وردية اللون. يستخرج من بعض أنواعه صبغ أزرق قابل للتحلل بالماء.
[53] بوردو Bordeaux : مدينة فرنسية. تقع جنوب غرب فرنسا. (الحاج إبراهيم: 109).
[54] مَرْسِيلِيَا Marseille: ثالث أكبر مدن فرنسا بعد العاصمة باريس ومدينة ليون، تقع في جنوب فرنسا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي أهم ميناء بحري بفرنسا. (الحاج إبراهيم: 109).
[55] نرمندية: من النورمانديين أو الأرمانيون؛ والأردمانيون هم أهل الشمال. سكنوا بريطانيا وهي جزيرة توازي حد الأندلس الأقصى وهي مستطيلة من القبلة إلى الجوف طولها ثمانمئة ميل وعرضها مئة ويتصل حدها ببلد الصقالبة، وهي طيبة الهواء معتدلة الحرّ كثيرة الثمرات والخيرات وعند أهلها حكمة وفلسفة وبصر بحدِّ المنطق. (غربال: 1858).
[56] البرقوق: الخوخ؛ شجر من الفصيلة الوردية، ينمو في المناطق المعتدلة، أزهاره بيض وردية، وثمره مختلف الألوان. (غربال: 350).
[57] تورينة: وهي مدينة عريقة في شمال إيطاليا، كانت عاصمة لإيطاليا قبل روما. (الحاج إبراهيم: 87)
[58] حومات: مجموعات تتقدم جواً بشكل دائري متلاحق قبل عملية الانقضاض. (لسان: 3/407).
[59] السمرمرمر: كذا في الأصل، والصواب: السمرمر؛ مفرده: سمرمرة، طائر من فصيلة الزرزوريات، يزعق على الجراد ويأكل منه، ولا يلبث ما يأكله حتى يخرج منه، ولذا ينهزم الجراد من صوته. (الوز: 21).
[60] في الأصل: في الأديان الدينيان.
[61] ذكر في الملل والنحل /142: أنَّ النصارى افترقت اثنتين وسبعين فرقة وكبار فرقهم ثلاثة‏:‏ الملكانية والنسطورية واليعقوبية‏.‏ والملكانية أصحاب‏ ملكا ظهر بأرض الروم واستولى عليها‏، ومعظم الروم ملكانية‏؛ والنسطورية أصحاب‏‏ نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وهذه الطائفة انتشرت في بلاد فارس، الهند، الصين ومنغوليا وذلك بتأسيس الكنيسة النسطوريّة؛  واليعقوبية هم أصحاب‏ يعقوب‏ وهم قوم بالشام واليمن وأرمينية.
[62] القبطة: الكلمة العربية قبط هي تعريب للكلمة القبطية گِپْتياس، من اليونانية أَيْگُپْتيوس Αιγύπτιος التي تعني مصري؛ من أَيْگُپْتوس Αίγυπτος، الاسم اليوناني لمصر، الذي يظن أنه ربما يكون تحريفاً لـ”حوط كا بتاح” أي محط روح بتاح اسم معبد بتاح في منف، العاصمة القديمة. القبط تنسب إلى قبطيم بن مصرايم بن كوش بن حام بن نوح عليه السلام القبطية؛ واللغة القبطية مجرد لهجة دارجة قائمة بذاتها، وتطورت تطوراً طبيعياً، جرى عليها كما جرى على كل اللهجات المنبثقة من كل لغة من لغات العالم، وهي الدور الأخير من اللغة المصرية كُتبت بحروف يونانية صِرْفة لا علاقة لها بالحروف المصرية، واستعارت من المصرية سبعة أحرف ديموطيقية لم توجد في اليونانية. (الخليل أحمد، 2006).
[63] كنيسة روما العظمى: والمقصود بها الفاتيكان (Vatican) مقر الكنيسة الكاثوليكية في قلب العاصمة الإيطالية روما، كانت جزءاً من الدولة الإيطالية حتى سنة 1929م حيث تم الاتفاق على إنشاء دولة ذات كيان مستقل، تُدار من قبل بابا الفاتيكان والذي يعتبر أيضاً القائد الروحي لما يقارب المليار كاثوليكي في مختلف بقاع الأرض. (غربال: 1261).
[64] انتهت مقدمة الرسالة التي تمثل أول 25 صفحة من المخطوط، وفيما يلي الصفحات رقم: 42 و 43 و44 و45، التي تمثل الفصل الثاني من الباب الأول المتعلق بإيالة دمشق.
[65] دَمَسْقُوس: بالانكليزية DAMASCUS ؛ وداماس: بالفرنسية DAMAS .
[66] غوطة الشام: هي الأراضي الخضراء المحيطة بدمشق، ويشكل اجتماع نهر بردى مع الغوطة مع جبل قاسيون السبب الرئيسي لاستمرار دمشق في التاريخ، تغنّى بالغوطة كل من مر بها على أنها جنة الله في الأرض، على شكل رياض أنيقة متصلة ببعضها ومنبسطة على ضفاف نهر بردى وفروعه السبعة؛ تبدأ من ينبوع نهر بردى وتنتهي عند مصبه في بحيرة العتيبة، وتقسّم إلى غوطتين: شرقية وغربية. (العظمة: ص 67).
[67] الأرجح أنه يقصد سوق الحميديَّة الذي يعد من أهم أسواق دمشق، حيث تُعرَض فيها البضائع المحليّة الصنع ذات الطّابع الشّرقي- وخاصّةً الدمشقية- كالموزاييك الدقيق الصنع ونسيج البروكار المصنوع على الأنوال اليدوية وصناعات الخشب المُطعّم بالصّدف والزخرف، والمطرّزات وأشغال الإبرة، والآنية النّحاسية المنقوشة؛ وفي نهايته يقع الجامع الأموي. وقد جدد بناء السّوق السّلطان عبد الحميد ، فسُمّيت باسمه.
[68] في بيوت دمشق القديمة ينغلق المسقط على الفناء الداخلي مهما كانت الحالة الاقتصادية للمالك، ويعزى ذلك إلى توفير الخصوصية المعيشية والدينية؛ وتظهر القصور والمنازل متساوية في الشكل من الخارج، لسببين: أولها يقع في مراعاة الجوار لحالات بعضهم الاقتصادية والاجتماعية، وثانيها يتعلق بتوفير عوامل أمان من الاعتداءات والسرقات وزيادة الضرائب؛ وكانت الفروقات تظهر بجلاء من داخل المنازل على شكل زيادة في المساحات والاهتمام بالواجهات الداخلية واستخدام أنواع الرخام والأحجار الملونة والزخارف والحليات. (كبريت: 1/53)
[69] الفسقية: حوض صغير جميل الشكل من الحجر أو الرخام به ماء يجري إليه ومنه بشكل دائم؛ قد يكون أصل التسمية من “الفِسْق” وسميت بذلك لأنَّها تخرج عن مسار جريان الماء، أو لأنَّها تستهلك الماء بكثرة، أو أنها تفسق عن محيطها بوظيفتها وشكلها. (أنظر لسان العرب: ف س ق).
[70] الجنينة: تصغير جَنَّة (كما ورد في معجم البلدان)، حديقة المنزل بلغة العامَّة من الدمشقيين، والاسم المستخدم فعلياً هو: أرض الديار؛ وقد قام الشيخ أبو اليسر عابدين في شرح (الجنينة) من خلال تفكيكها وربطها بالأصل كأنها من صنع الجِنِّ لجمالها، أو من التخيلات المصاحبة للجلوس فيها، أو بالجَنَّة: البستان ، وذلك في كتابه المخطوط: لما سمي؟.
[71] يعود نظام المياه في منازل دمشق القديمة إلى أيام الرومان، حيث كان يتوزع على منازل المدينة ثلاث قنوات رئيسية: الأولى منها للشرب وتدخل إلى المنازل بقنوات فخارية دائرية، والثانية للري والغسيل وتدخل بمجاري مكشوفة، والثالثة كانت لاستيعاب الفائض من المياه المستعملة، يضاف إلى ذلك وجود بئر مياه خاص بكل منزل؛ وفق قواعد وقوانين وأعراف وعادات تحترم الحقوق وتراعي جميع مفاهيم الصحة والنظافة والطهارة. (مرتضى: ص 31).
[72] من أهم مساجد دمشق هو مسجد بني أميّة أو المسجد الأموي، ورابع الأماكن المقدسة، ويُعَد مثالاً رائعًا من الحُسن والصّنعة في العمارة؛ بدأ عمارته الوليد بن عبد الملك سنة 86هـ. واستمر العمل فيه تسع سنين. (عقيلي:54).
[73] تعد كنائس دمشق من أهم الكنائس في العالم بعد كنيسة القيامة، ويوجد في دمشق كنائس عديدة منها: كنيسة “القديس حنانيا الرسول” القديمة وهي تحتفظ بطابعها البسيط في قلب كهفٍ حجريٍ، والكنيسة المريمية، وكاتدرائية وكنيسة سيدة النياح، وكنيسة سلطانة العالم، وكنيسة سيدة دمشق، وغيرها الكثير. ( راجع أثناسيو، 2004).
[74] قهوة الخنوردي: يمكن رصد تاريخ المقاهي في دمشق بدءاً من منتصف القرن السادس عشر الميلادي بمساهمة كبيرة من ولاة دمشق آنذاك، وكان أولها مقهى الدرويشية؛ ثمَّ انتشرت بكثرة؛ وذكر في تاريخ مقاهي دمشق أسماء كثير لم يكن الخنوردي بينها، إلا أنَّ أهمها في القرن الثامن عشر كان مقهى العصرونية بالقرب من قلعة دمشق الذي كان يستقدم فنانين أجانب، منهم مالديس الفرنسي الذي أقام عدة حفلات فيها في العام 1876م؛ ولعل صاحبها كان يدعى الخنودري فسمِّيت باسمه آنذاك. (راجع الإيبش والشهابي: 2/874).
[75] بحر راضي: لم أجد نهراً حول مدينة دمشق يدعى بحر راضي، ولم استشبه بالتسمية مع نهر آخر.
[76] ينقسم نهر بردى في منطقة الربوة إلى فرعين عن يساره هما: يزيد وتورا؛ وعن يمينه: بانياس والقنوات والمزاوي والديراني؛ يضاف على هذه الأنهر السبعة بعض القنوات الفرعية الأقل أهمية مثل: الداعياني والعقرباني والمليحي. (مرتضى:17).
[77] أشيدت منازل وقصور كثيرة على ضفاف نهر بردى قبل دخوله للمدينة، أهمها كان في منطقة كيوان والربوة ودمر؛ وقد رصدت في فسيفساء الجامع الأموي نماذج منها. (عقيلي: 221).
[78] امتازت السيوف الدمشقية عن غيرها بظاهرة فنية عرفت باسم “جوهر السيف” أو “فرنده”، وللجوهر أسماء منها: الدمشقي أو الشامي، وله أشكال عديدة تظهر على النصال وتشاهد له تموجات وبقع، ومن أهم خصائص الجوهر الدمشقي أنه يمتاز بأشكال البقعة المحكمة كتموجات رائعة، كما يمتاز بإشراق له مائل إلى البياض مع عدم قابليته للصدأ كسائر أنواع الجوهر، كما يمتاز بلينه ولدانته وثباته؛ من مراحل صناعته “التكفيت” أي تنزيل الذهب والفضة على نصال السيوف، وعملية “التسقية” لجعل الصلب الفولاذ أنشف حتى لا يتآكل بسرعة، ويستعمل لعملية التسقية الزئبق والماء البارد المذاب فيه قليل من ملح الطعام أو الزيت مثل زيت الذرة أو زيت القطن أو الماء الساخن. (راجع بولاد: 1989).
[79] في الأصل المخطوط: (انفقد الآن).
[80] طيمور: كما في المخطوط؛ والمقصود به القائد المغولي تيمورلنك  مؤسس الإمبراطورية التيمورية (13701405م) في وسط آسيا، وأول الحكام في العائلة التيمورية التي استمرت بالحكم حتى عام 1506 م. ويعني اسمه “لنك الأعرج” نتيجة لإصابته بجرح خلال إحدى معاركه. أما كلمة تيمور فتعني بالتركية والمنغوليةالحديد“. كان تيمورلنك قائدًا عسكريًا فذّاً قام بحملات توسعية شرسة أدّت إلى مقتل العديد من المدنيين وإلى اغتنام مجتمعات بأكملها. و تيمورلنك كان يدعي الإسلام، واهتم بجمع العلماء الصناع المهرة من البلاد التي يغزوها وإرسالهم إلى عاصمته سمرقند. (راجع ابن عربشاه: 1299هـ).
[81] لا يستخدم خشب الأبنوس في صناعة المفروشات الدمشقية، وغالباً ما تصنع المفروشات الدمشقية المزينة بالعاج والصدف والقصدير من خشب شجر الجوز المحلي لتوفره بكثرة في غوطة دمشق، وقد التبس الأمر على الكاتب بسبب حسن الصنعة، وتماثل اللون على الأغلب.
[82] قافلة مكة: لم أجد ما يفيد بوجود قافلة إلى مكة غير محمل الحج، ولعله المقصود بها؛ وقد كان يخرج من بلاد الشام أربعة محامل للحج حسب الباشاوات، وكان أهمها محمل الحج الذي يخرج من جنوب دمشق انطلاقاً من منطقة الميدان. (راجع كيال، 2006).
[83] خط نصف النهار: وهي دائرة وهمية تحيط بالأرض تمرّ بأقطاب المعدّل والأفق، وتفصل بين النصف الشرقيّ والغربيّ فيما يتعيّن فيه الشرق والغرب، وتقطع الأفق على نقطتي الشمال والجنوب والخطّ الواصل بينهما خطّ الزوال، وحيث إنه ينتصف النهار حسّاً في أكثر بقاع الأرض حين وصول الشمس إلى هذه الدائرة فوق الأفق، سميّت بنصف النّهار وهي التي غاية ارتفاع الشمس حينئذ. (الحاج إبراهيم: 30).
[84] في دمشق واديان:وادي البنفسج: المنطقة الممتدة من دمشق باتجاه الجنوب الغربي: بساتين الشاغور والفحامة مروراً بالمزة واللوان وكفرسوسة وداريا والميدان، إلى المعضمية والجديدة؛ ووادي الزنبق: المنطقة الممتدة من دمشق باتجاه الشرق حتى العتيبة.(الشهابي: 3/375).
[85] الأنهار الخمسة هي: بردى وبانياس والقنوات والمزاوي والديراني. (الشهابي: 3/365 و366).
[86] نهر بردى: ارتبط اسم نهر بردى بتاريخ مدينة دمشق، وكان للنهر كبير الأثر في حضارة المدينة عبر العصور وتغنى به العديد من الشعراء قديما وذكر في الكثير من المراجع التاريخية لأهميته، ويقول المؤرخ ابن عساكر: إنَّ نهر بردى كان يعرف قديماً باسم نهر باراديوس أي بمعنى نهر الفردوس، وأطلق عليه الإغريق اسم نهر الذهب، وقد ذكر نهر بردى في الكتب المقدسة وفي مراجع تاريخية كثيرة؛ ويوجد لوحات فسيفساء أثرية في المتحف وعلى جدران الجامع الأموي تبين نهر بردى ماراً بين منازل دمشق، وقامت على ضفافه أحداث هامة منذ فجر التاريخ، ولازالت آثار المعبد الروماني (حصن عزتا) باقية إلى الآن فوق مخارج نبع الفيجة، ولا تزال القنوات الرومانية شاهدة على عظمة هذا النهر. (مرتضى: 23).
 ويبدأ النهر من بحيرة نبع بردى في جنوب الزبداني على سلسلة الجبال السورية شمال غرب دمشق على بعد 40كم من دمشق، ويسير باتجاه دمشق في واد سمِّي باسمه، يرفده في هذا الوادي نبع أكثر أهمية من نبع بردى يسمَّى عين الفيجة، ويدخل إلى دمشق من منطقة الربوة، ويصب بعدها في بحيرة العتيبة جنوب شرق مدينة دمشق، ماراً بالغوطة، ويبلغ طوله 71 كم، ويتراوح عرضه بين 4.5 إلى 15 متراً. (مرتضى: 25).
[87] انتهى الجزء الذي تم اختياره للتحقيق من المخطوط.
[88] للتوسع والاستزادة انظر: ابن عساكر أبا القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأوائل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، مج 2، ق1، خطط دمشق، تحقيق / د. صلاح الدين المنجد، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، المطبعة الهاشمية، 1954.
[89] ابن عساكر: 1/119؛ وذكره الهندي في كنز العمال عن الطبراني عن أبي أمامة برقم (35012).
[90] نقلاً عن ابن عساكر: 1/288 في باب ما روي في أن أهل الشام مرابطون وأنّهم جند الله الغالبون، ولم أجده في الأحاديث القدسية.
[91] ابن عساكر: 1/393؛ وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء: (لا تقوم السّاعة حتى تخرجَ نارٌ من قِبَلِ الحجاز)، عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر برقم (2217).
[92] ابن عساكر: 1/395؛ أخرجه ابن حنبل في مسنده عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه برقم (17613، و17609، و17470).
[93] عابدين محمد أبو اليسر، التعريفات، مكتبة الغزالي، دمشق، سورية،1994.
[94] ابن خلدون ولي الدين عبد الرحمن بن محمد- تحقيق: الدرويش عبدالله، مقدمة ابن خلدون، دار يعقوب، دمشق- سورية، 2004.  ص: 94.