أبو الفداء الجراحي

بقلم الأستاذة نبيلة القوصي

إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني  [1087هـ – 1162هـ]

العجلوني، الدمشقي الشافعي الشهير بالجراحي أبو الفداء

قال أبو الفداء العجلوني: (إذ من النصيحة في الدين كما قال الحافظ ابن حجر في خطبة كتابه اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة التنبيهُ على ما يشتهر بين الناس مما ألفه الطبع، وليس له أصل في الشرع، قال وقد صنف الإمام تاج الدين الغزاري كتاباً في فقه العوام، وإنكار أمور اشتهرت بين الأنام لا أصل لها أجاد فيها الانتقاد، وصان الشريعة أن يدخل فيها ما يخل بالاعتقاد، قال وقد رأيت ما هو أهم من ذلك، وهو تبين الأحاديث المشتهرة على ألسنة العوام وكثير من الفقهاء لا معرفة لهم بالحديث، وهي إما أن يكون لها أصل يتعذر الوقوف عليه لغرابة موضعه، أو لذكره في غير فطنته، وربما نقاء بعضهم لعدم اطلاعه عليه، والنافي له كمن نفى أصلاً من الدين، وضل عن طريقه المبين، وأما لا أصل له البتة، فالناقل لها يدخل تحت ما رواه البخاري في ثلاثياته من قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال علّيَّ ما لم أقل، فلْيتبوَّأ مقعده من النار).

صاحب الكتاب الشهير (كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس): كتاب جُمع فيه أحاديث السخاوي مع تلخيص لكلامه، وزاد أحاديث كثيرة جداً حتى أصبحت حوالي 3250 حديث.

فمن هو هذا الشيخ الملقب بالعجلوني و الدمشقي الجراحي؟

اسمه: إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الشافعي الشهير بالجراح، العجلوني نسبة لعجلون قرية قريبة من إربد في الأردن، والجراح نسبة إلى مقام سيدنا أبو عبيدة بن الجراح القريب من مدينة عجلون على مسافة عشرة كيلومترات من الشرق. وعُرف بالدمشقي لنشأته ووفاته ودفنه فيها، رحمه الله.

أما عن ولادته في عجلون و نشأته ودفنه في دمشق، لها حكاية فما هي؟

تخبرنا الكتب أن والد الشيخ إسماعيل قد سماه في أول سنة من عمره اسم محمد، ثم غير اسمه إلى مصطفى وبقي حوالي ستة شهور، ثم غير اسمه لإسماعيل وبقي على هذا الاسم. ولقد اعتنى والده في تربيته وتنشئته نشأة صالحة على طاعة الله ورسوله، حفظ كتاب الله العزيز منذ الصغر عن ظهر غيب، وأخذ في تشجيعه على حضور مجالس العلم، وكان يتميز عن أقرانه بحبه وتعظيمه ومحافظته على حضور مجالس العلم .

 أما عن سر نشأته ثم دفنه في دمشق، فلتستمع ، رأى الشيخ رؤيا وهو في سن التحيز، أن رجلاً ألبسه جوخةً خضراء اللون مركبة على فرو أبيض، في غاية الجودة والبياض، وقد غمرته لكونها سابغة على يديه ورجليه، فأخبر والده بالمنام، ابتسم والده بسرور وقال له: إن شاء الله يجعل لك يا ولدي من العلم الحظ الوافر ودعا له بذلك، ثم أخذ والده في إعداده لهذه المكانة العلمية العالية ليس بالأماني والتسوف، إنما بالعمل الجاد الهادف، قدم إلى دمشق التي كان قد ذاع صيتها منذ القدم كحاضرة علم و دين بأخلاق محمدية ، ملبيا دعوة المصطفى صلى الله عليه و سلم: عليكم بالشام ..و جعل ولده في حصن العلم الشرعي بين علماء مدينة دمشق ، مدينة (العلم و العلماء) ، فأخذ هذا الولد البار والصالح يرتشف من علومها، مع فهم دقائق أسرار هذه العلوم، ليطل علينا بأروع مؤلفات تركها لينتفع منها الناس، حيث سينال هو ووالديه الأجر العظيم عند الله عز وجل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:

(إذا مات ابن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاثة: (صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا آمين.

 أما عن صفاتهلا ينفع علما إلا بالتعلم  مع التحلم ، و مجاهدة النفس و تزكيتها هي جوهر الدين ، فكان حليماً سليم الصدر سالماً من الغش. سالماً من المقت صابراً على الفاقة والفقر، ملازماً للعبادات والتهجد، وملازماً في الاشتغال بالدروس العامة والخاصة، كافياً لسانه عما لا يعنيه، مع وجاهة نيرة في الوجه، ألبسه إياها الله عز وجل لصدقه في خلوته وجهره ولورعه مع الخلق.

وظائفه أو تدريسهدرس في الجامع الأموي بعد وفاة شيخه يونس المصري، عند قبة النسر في عهد الوالي الوزير يوسف باشا قبطان. حيث بقي في التدريس إلى أن مات رحمه الله، وكذلك كان له درس في مسجد السفرجلاني حيث لزمه جماعة كثيرون لا يحصون عددهم من التزاحم لحضور مجالس علمه.

أما عن مؤلفاته– كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: كتاب جُمع فيه أحاديث السخاوي مع تلخيص لكلامه، وزاد أحاديث كثيرة جداً حتى أصبحت حوالي 3250 حديث. – الفوائد الدراري بترجمة الإمام البخاري.- إضاءة البدرين في ترجمة الشيخين ، – تحفة أهل الإيمان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان.

 – نصيحة الإخوان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان،- عرف الرزين بترجمة سيدي مدرك والسيدة زينب.

– الفوائد المجردة بشرح مصوغات الابتداء والنكرة، – الأجوبة المحققة عن الأسئلة المفرقة، – الكواكب المنيرة المجتمعة في تراجم الأئمة المجتهدين الأربعة، ولكل واحد منها اسم خاص يعلم من الوقوف عليها ،- أربعون حديثاً كل حديث في كتاب ، – عقد الجوهر الثمين بشرح الحديث المسلسل بالدمشقيين ، – شرحه على البخاري المسمى بالفيض بـالفيض الجاري بشرح صحيح البخاري وهو من أجلها، وقد كتب من مسوداته 292 كراسة، قيل لو كمل هذا الشرح لكان من نتاج الدهر.

وهناك الكثير من الكتب التي لم تكتمل، منها: إسعاف الطالبين بتفسير كتاب الله المبين، عقد اللآلئ بشرح منفرجة الغزالي، فتح المولى الجليل على أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي… وغيرها من الكتب أو المسودات التي لم يُكتب لها أن تكتمل رضي الله عنه.

وفاتهتوفي الشيخ إسماعيل رحمه الله في محرم سنة 1162هـ ودفن في تربة الشيخ أرسلان رحمهما الله ورضي عنهما.

خرجت دمشق في جنازته المهيبة وهي تودعه وداع الحب والتقدير والدعاء له بما نفعهم من علمه وعمله وسيرته الخلقية العطرة الوضاءة التي وصفها تلميذه الشيخ سعيد السمان قائلاً:

(خاتمة أئمة الحديث ومن ألقت إليه مقاليدها بالقديم والحديث، اقتدح زناده فيها فأضاء، وشاع حتى ملأ الفضاء، آخذاً بطرفي العلم والعمل، يقطع آناء الليل تضرعاً وعبادة، ويوسع أطراف النهار، قراءة وإفادة، لا يشغله عن ترداده النظر في دفاتره حرام، ولا عن نشر طيبها نقض ولا إبرام، مع ورع، ليس للرياء عليه سبيل، وغض بصر عما لا يعنى من هذا القبيل، وهو وإن كانت عجلون تربة ميلاده، فإن الشام تشرفت بطارف فضله وتلاده، فقد طلع في جبهتها شامة… ولم يزل يسبح وحده، بلل الله بالرحمة ثراه، فهو ممن أخذت عنه الإسناد، وأمدني بقراءتي عليه بما ينفع إن شاء الله يوم التناد).

إخوتي في الختام أدعوكم لنقف معاً في محراب الله عز وجل أمام سيرة وترجمة هذا العالم القدير، وقلوبنا تنبض بفيضٍ من التقدير والدعاء له، اللهم اجزه عنا خيراً كثيراً ، و اجعلنا خير خلف لخير سلف ، آمين.

المصادر و المراجع:
– سلك الدرر في التراجم / المرادي
– الأعلام / للزركلي
– موسوعة المدن العربية والإسلامية / د. يحيى الشامي