B044

بدايات ظهور المقهى الشعبي

تشير الدراسات التاريخية إلى أن ظهور أنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في فضاء المدينة العام في العالم دمشق قبل ظهورها في أوروبا، حيث ظهرت في النصف الأول القرن السادس عشر محلات عامة تجارية لخدمة شرب القهوة، ويرجح أن ظهور المقاهي في دمشق كان في النصف الأول من القرن السادس عشر.

ذكر العديد من المؤرخين في القرن السادس عشر وجود المقاهي بكثرة في دمشق، وهناك إشارة واضحة لدى الغزي تفيد بوجود “بيت للقهوة” في محلة السويقة بدمشق قام بفتحه وبيع القهوة فيه الشيخ محمد اليتيم[1] قبل سنة 976ه/1568م[2]،  كما تكشف المصادر عن قيام الوالي درويش باشا[3] ببناء “بيت للقهوة” في جوار السوق الذي أنشأه سنة 980هـ/1572م بدمشق قرب الجامع الأموي، وذلك في إطار وقفه الضخم الذي اشتمل على حمام وقيسارية وجامع[4]. وهناك مكان معد لطبخ القهوة في سوق السباهية أو سوق الأورام[5] الذي أضيف سنة 983هـ/1574م إلى الوقف الضخم الذي أنشأه الوالي أحمد شمسي باشا خلال وجوده في دمشق (985-962ه/1550-1554م)[6].

وفي السنوات اللاحقة قام الوالي مراد باشا[7] (ت1020هـ/1611م) أثناء وجوده بدمشق (1001-1004هـ/1592-1595م) ببناء مقهى في جوار السوق الذي أنشأه عند باب البريد ضمن وقفه قرب المسجد الأموي[8].

وتدل وثيقة تحمل تاريخ العام 1004ه/1596م على أن والي دمشق سنان باشا أوقف ثلاث مقاهٍ على منشآت دينية، والمهم في هذه الوقفية أنها تحدد موقع بيت القهوة الأول في سوق العمارة والذي لايزال موجوداً في دمشق، والثاني في سوق السنانية، بينما أنشأ الثالث في خان عيون التجار، الذي كانت تقصده القوافل لأهميته التجارية لأنه كان يفترق منه الطريق القادم من دمشق إلى اتجاهين: القدس جنوباً ومصر غرباً[9].

ومن مقاهي القرن السادس عشر، بيت القهوة الذي شيّده عبد اللطيف بن محمد محب الدين ابن أبي بكر (ت1023ه/1614م) خارج باب السلام[10]، ويشير المحبي إلى أحد المقاهي التي مرّ بها وشاهدها قائلاً: “ومما اتفق لي أني كنت ذات مرة جالساً بالمكان المعد لبيع القهوة المسمى بالقهوة الجديدة تحت قلعة دمشق..”[11]

ويلاحظ أن كل هذه المقاهي الأخيرة قد أُنشئت في إطار الأوقاف الجديدة، وهو كل ما يؤكد في حد ذاته على مدى انتشار القهوة والإقبال غلى المقاهي، فالوقف بطبيعته كان يحتاج إلى منشآت تدر عليه الدخل (خان، حمام، مقهى.. إلخ) لتغطية النفقات التي تحتاجها المنشآت الأخرى (الجامع، المدرسة، المكتبة.. إلخ). ومن هنا فقد أصبحت المقاهي بعد انتشار القهوة وازدياد الإقبال على الأماكن التي تقدمها تمثل بالنسبة للوقف استثماراً جيداً من خلال تأجيرها. ويمكن ترتيب تسلسل تاريخ ظهور المقهى الشعبي في دمشق استناداً لما سبق كما في الجدول التالي:

 

اسم المقهى

مؤسسه

الموقع

الهجري

الميلادي

1

مقهى محمد اليتيم

محمد اليتيم

السويقة

976

1568

2

مقهى الدرويشية

درويش باشا

الدرويشية

980

1572

3

بيت القهوة

أحمد شمسي باشا

سوق الأروام

983

1574

4

مقهى المرادية

مراد باشا

باب البريد

1002

1593

5

مقهى السنانية

سنان باشا

سوق العمارة

1004

1596

6

مقهى السنانية

سنان باشا

سوق السنانية

1004

1596

7

مقهى السنانية

سنان باشا

خان عيون التجار

1004

1596

وفيما يلي مخطط لمدينة دمشق يعود لعام 1929م يوضح توزيع المقاهي في مدينة دمشق في القرن السادس عشر والتي من الملاحظ بأن بداية ظهورها كان خارج أسوار المدينة، في حي السويقة، مما نستنتج بأن المعارضة الشديدة للقهوة والمقاهي من قبل رجال الدين لم تسمح بإنشاء مقاهي داخل سور المدينة إلا في وقت متأخر من القرن السادس عشر، تحديداً بعد ما يقارب ثلاثين عاماً عن افتتاح أول مقهى:

[1] محمد ابن اليتيم العاتكي الشافعي الصوفي، أخذ الطريق عن الشيخ سعد الدين الجباوي، كان يهتم بمعرفة الكيمياء، كان يتكسب ببيع القهوة في أول أمره في السويقة، وكانت قهوته مجمع الصالحين، وكان إلى جانبه حوش يجمع بنات الخطا، فاستأجره وأخرجهن منه واتخذ فيه مسجداً، وقيل أن مراد باشا اختار هذا المكان ليعمر فيه مسجدا أطلق عليه اسم مسجد المرادية، الواقع في حي الميدان التحتاني.توفي سنة 1005هـ ودفن بمقبرة باب الصغير في دمشق. انظر “لطف السمر وقطف الثمر من تراجم  أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر”  للغزي، ج1، ص100
[2] نجم الدين الغزي الدمشقي، لطف السمر وقطف الثمر من تراجم  أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر، تحقيق: محمود الشيخ، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، سورية، 1993، ج1 ص100
[3] درويش باشا ابن رستم باشا الرومي، ولي نيابة طرابلس، ثم ولي نيابة دمشق، وكانت سيرته مستحسنة وله مقاصد جميلة وأحبه أهل دمشق، وعمر الجامع خارج باب الجابية بدمشق إلى جانب السيبائية، وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي من جهة باب البريد، توفي في ديار بكر سنة 789هـ. ودفن في دمشق بالقرب من جامعه. انظر “الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة” للغزي، ج3، ص135
[4] نجم الدين الغزي، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، تحقيق: جبرائيل جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، 1979، ج3، ص:135
[5] سوق الأورام: سوق الحميدية
[6] عبد القادر بدران، منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، دار البشائر، دمشق، سورية، 1940، ص:172
[7] مراد باشا باني المرادية خارج باب الجابية توفي سنة 976هـ/1568م، ودفن في جوار جامعه. انظر “الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة” للغزي، ج3، ص205.
[8] Jean-Paul Pascual, Café et Cafes A Damas, Berytus, Bierut, Lebanon, 1995, Page151
[9] محمد الأرناؤوط، معطيات عن دمشق وبلاد الشام الجنوبية في نهاية القرن السادس عشر، دار الحصاد، دمشق، سورية، 1993، ص103
[10] محمد أمين المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، تحقيق: عبد الكريم سنان، ج3، ص19
[11] المصدر السابق، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، ج3، ص226