B045

المقهى الشعبي في القرن الثامن عشر

غدت المقاهي في القرن الثامن عشر من فعاليات السوق والمرافق العامة في دمشق، وظهر المقهى بصفته مرفقاً عاماً يرتاده الناس للترويح والترفيه عن أنفسهم، وتشكلت مع مرور الزمن ثقافة خاصة بالمقاهي.

ومما اشتهر منها في النصف الأول من القرن الثامن عشر قهوة خبيني الواقعة في بستان الشرف المطل على المرجة التي ذكرها ابن كنّان في يومياته قائلاً: “ذو القعدة، أوله الاثنين أو الثلاثاء، كنا في بستان في الشرف مطل على المرجة، غربي المولوية، وهو جنينة وقهوة يقال لها قهوة خبيني، ودخلناه في بكرة النهار، وهو كثير الأزهار، مترقرق الجداول والأنهار، أشرقت على صفا جوهر أنهاره شمس الشروق، كسطوع النور بلوامع البروق، مع فئة من الأصحاب، ممن شملهم بسط الوجه وبدا عليهم الشراب”[1]. الصورة رقم (2-4).

وقهوة الخزارتية في محلة القنوات، وقهوة المناخلية التي ذكرها البديري الحلاق في يومياته سنة 1160ه/1747م  قائلاً: “دخلت إلى قهوة المناخلية بعد انصراف الماء فوجدت الماء في أعلى مساطبها أعلى من ذراع، وقد غرق بها أناس محصورين[2].

 

ويبدو أن تشييد المقاهي ووقفها استمر وتنافس من أجله الولاة وكبار رجال الإدارة، إذ يشير البديري إلى أن من جملة مبرات فتحي أفندي الدفتري (ت1159ه/1746م) “عمّر الحمام في ميدان الحصا وإلى جانبه القهوة”، كما بني مقهى آخر في الحي نفسه عام  1163ه/1749م تعود ملكيته إلى أسرة الموصللي. وفي خبر آخر يشير البديري إلى وجود مقهى خلف الجامع الأموي دون ذكر اسمه، ولعله مقهى النوفرة، كما هو مبين في الصورة رقم(2-6،7). وفي شهر جمادى الأولى من عام 1167ه/1753م رمم الحاج أسعد باشا العظم أحد أهم الولاة والبناة الطامحين مجموعة منشآت على نفقته قرب مقهى الخريزاتية، وكذلك الدكاكين المجاورة ومجاري الماء التي تغذي المنطقة.

ويشير البديري الحلاق في كتابه من خلال أحداث سنة 1168ه/1754م إلى قهوة بسوق الخيل كانت لدرويش آغا الكردي[3]. وفي عام 1169ه/1755م “عمّر أسعد باشا قهوة الشاغور التي هي مقابلة للشيخ السروجي، وبتلك الأيام عمرت أيضاً قهوتان بباب السريجة وقهوة أمام “باب مصلى”، وهناك مقهى آخر في سوق الخيل[4]، كان الأكراد يرتادونه[5].

لم تنتشر المقاهي في أماكن المتنزهات والحدائق فقط، بل يشير ابن كنّان إلى وجود مقهى في حي الصالحية بجوار المدرسة الجهاركسية عند منزل الشيخ عبد الغني النابلسي (ت1143ه/1730م) وقد تهدم المقهى بفعل اعتداءات العسكر في أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1143ه/1730م، وفي ذات الأحداث يذكر ابن كنّان “القهوة التي في السكة شمالي العقيبة”[6]؛ ويشير السجل الشرعي إلى وثيقة تقول أن درويش بن أحمد الحمصي استأجر ثلاثة عشر حانوتاً للقهوة في دمشق بالقرب من الجامع الأموي، وكانت تلك الحوانيت من جملة أوقاف تحددها الحجة الشرعية[7]، ويبدو أن الأوقاف مثلت مصدراً ممولاً لبناء المقاهي، سواء من قبل الولاة أو الأعيان، ويلاحظ أن غالبية المقاهي شيدت في الأسواق أو في داخل المدينة وعند أبوابها القديمة.ومن المقاهي التي يكشف عنها السجل الشرعي في القرن الثامن عشر ويمدنا بمعلومات عن مستثمريها والعاملين فيها وأجورهم، مقهى باب سريجة، الذي استأجره محمد بن علي الديري بأجر قدره أحد عشر بارة[8] في الشهر[9].  كما استأجر معتوق القهوجي من سليم بن خليل آغا القهوة الكائنة في دمشق بمحلة السويقة[10].

 

 وفيما يلي جدول يبين تاريخ المقاهي الشعبية في دمشق في القرن الثامن عشر حسب تسلسلها الزمني استناداً لما سبق:

 

اسم المقهى

مؤسسه

الموقع

الهجري

الميلادي

1

قهوة المناخلية

——–

المناخلية

——–

——–

2

قهوة خبيني

——–

بستان الشرف

1111

1699

3

بيت للقهوة

——–

الصالحية

1140

1727

4

بيت للقهوة

فتحي الدفتري

الميدان

——–

——–

5

بيت للقهوة

أسرة الموصللي

الميدان

1163

1749

6

13 مقهى

درويش الحمصي

الجامع الأموي

1164

1750

7

مقهى الخريزاتية

أسعد باشا العظم

خلف الجامع الأموي

1167

1753

8

بيت للقهوة

درويش آغا الكردي

سوق الخيل

1168

1754

9

بيت للقهوة

معتوق القهوجي

السويقة

1168

1754

10

قهوة الشاغور

أسعد باشا العظم

الشاغور

1169

1755

11

مقهى باب سريجة

محمد بن علي الديري

باب سريجة

1169

1755

يوضح الشكل رقم (2) والمنجز عام 1929م توزع المقاهي في مدينة دمشق في القرن الثامن عشر على عدة محاور، أهمها محور طريق الحج الذي يتجه جنوباً باتجاه السويقة الذي شهدت انتشاراً واسعاً للمقاهي في القرن الثامن عشر، ومن الملاحظ أيضاً أنها توزعت في أماكن هامة من المدينة، فمثلاً عن الجامع الأموي حيث يعتبر أكبر مكان تجمع اجتماعي على مستوى مدينة دمشق، وجنوباً في حي الشاغور وشمالاً إلى حي العمارة، بالإضافة إلى عدة مقاهي شرقاً باتجاه ساحة سوق الخيل.

 

[1] ابن كنّان، يوميات شامية في تاريخ أحد عش وألف ومية، ص431، ومكان القهوة ساحة الحجاز تقريباً.
[2] البديري، حوادث دمشق اليومية، ص31
[3] البديري، حوادث دمشق اليومية، ص185
[4] حدد ابن عبد الهادي موقع هذا السوق بأنه تحت قلعة دمشق، ابن عبد الهادي، نزهة الرفاق، ص81
[5] البديري، حوادث دمشق اليومية، ص185
[6] ابن كنّان، يوميات شامية في تاريخ أحد عش وألف ومية، ص412
وفي يوم الجمعة خامس ربيع الثاني، قتل شيخ حارة المحلة الشرقية الكاينة بالصالحية، ويسمى ابن فطم. جيء به لنايب الصالحية محمد أفندي، وطلبوا سجلاته، فأخرجوها وقروها، وادعى عليه أكثر أهل الصالحية من جهة أمور لا تحصى من الفسق والفجور والفساد والسكر، وفي غاية من الضرر في تلك المحلات والبلص وغير ذلك من القبائح، فأثبت عليه الحاكم الشرعي، وقتلوه في دهليز المحكمة، وشهدوا بأنه حجر أسود في طريق المسلمين، فأُثبت عليه ثم، وقتل كما ذكرنا> ثم وصل الخبر بذلك لقبول القلعة، وكان مكتوباً معهم. فهرع جماعة منهم ومقدمهم الآبا، بمد الهمزة، من زعر المزابل، يتعيش في العمارة، وكان أيضاً انكتب قبولاً، وطلعوا الصالحية من ناحية الدحداح نحو مايتين بالعدد الكاملة فوصلوا الجركسية وضربوا بيت الشيخ عبد الغني بالرصاص وشتموه وهزوا بجامعته، ثم وصلوا الجركسية فخربوا دكاكينه الأربعا، شرقي القهوة مقابل المحكمة، وكسروا القطارميز، وكبوا الزيوت والسمن والدبس والعسل والخل، وأخذوا نحاس الحوانيت، وحملوا حلة الطباخ الذي هناك، وأكلوا ما فيها جميعاً، وأخذوا خبز الخباز، وأخذوا دكان عطار ورموه بالمعظمية، ورموا عليه عطاراته في الطريق، وأخذوا غلال الحوانيت المنهوبة، وأخذوا لحم اللحامة على ظهورهم. ثم ذهبوا نواحي العقيبة لقتل السيد محمد المغسل، وكان شجاعاً مقداماً، وكان من جملة من ادعى على ابن فطم وغيره ما لا يحصى، فاخذوه على حين غفلة من القهوة التي في السكة شمالي العقيبة، وقتلوه بالبارود والجروخ حتى قتل، وأخذوا ابن فطم إلى عندهم لباب القلعة وغسلوه ثم دفنوه بالدحداح.
[7] سجل شرعي 130، حجة 551، ص273، 15جمادى الآخرة 1164هـ/1750م
[8] البارة: وهي وحدة نقدية قديمة ضربت سنة 1620م، وكان القرش يساوي أربعين بارة خلال تلك الفترة، بينما البارة تساوي 10 قطع، انظر البديري، حوادث دمشق اليومية، ص75
[9] سجل شرعي 149، حجة 9، ص4، 23شوال 1169هـ/1755م
[10] سجل شرعي 147، حجة 23، ص12، 210ذي القعدة 1168هـ/1754م