- info@damascus-heritage.org
غدت المقاهي في القرن الثامن عشر من فعاليات السوق والمرافق العامة في دمشق، وظهر المقهى بصفته مرفقاً عاماً يرتاده الناس للترويح والترفيه عن أنفسهم، وتشكلت مع مرور الزمن ثقافة خاصة بالمقاهي.
ومما اشتهر منها في النصف الأول من القرن الثامن عشر قهوة خبيني الواقعة في بستان الشرف المطل على المرجة التي ذكرها ابن كنّان في يومياته قائلاً: “ذو القعدة، أوله الاثنين أو الثلاثاء، كنا في بستان في الشرف مطل على المرجة، غربي المولوية، وهو جنينة وقهوة يقال لها قهوة خبيني، ودخلناه في بكرة النهار، وهو كثير الأزهار، مترقرق الجداول والأنهار، أشرقت على صفا جوهر أنهاره شمس الشروق، كسطوع النور بلوامع البروق، مع فئة من الأصحاب، ممن شملهم بسط الوجه وبدا عليهم الشراب”[1]. الصورة رقم (2-4).
وقهوة الخزارتية في محلة القنوات، وقهوة المناخلية التي ذكرها البديري الحلاق في يومياته سنة 1160ه/1747م قائلاً: “دخلت إلى قهوة المناخلية بعد انصراف الماء فوجدت الماء في أعلى مساطبها أعلى من ذراع، وقد غرق بها أناس محصورين“[2].
ويبدو أن تشييد المقاهي ووقفها استمر وتنافس من أجله الولاة وكبار رجال الإدارة، إذ يشير البديري إلى أن من جملة مبرات فتحي أفندي الدفتري (ت1159ه/1746م) “عمّر الحمام في ميدان الحصا وإلى جانبه القهوة”، كما بني مقهى آخر في الحي نفسه عام 1163ه/1749م تعود ملكيته إلى أسرة الموصللي. وفي خبر آخر يشير البديري إلى وجود مقهى خلف الجامع الأموي دون ذكر اسمه، ولعله مقهى النوفرة، كما هو مبين في الصورة رقم(2-6،7). وفي شهر جمادى الأولى من عام 1167ه/1753م رمم الحاج أسعد باشا العظم أحد أهم الولاة والبناة الطامحين مجموعة منشآت على نفقته قرب مقهى الخريزاتية، وكذلك الدكاكين المجاورة ومجاري الماء التي تغذي المنطقة.
ويشير البديري الحلاق في كتابه من خلال أحداث سنة 1168ه/1754م إلى قهوة بسوق الخيل كانت لدرويش آغا الكردي[3]. وفي عام 1169ه/1755م “عمّر أسعد باشا قهوة الشاغور التي هي مقابلة للشيخ السروجي، وبتلك الأيام عمرت أيضاً قهوتان بباب السريجة وقهوة أمام “باب مصلى”، وهناك مقهى آخر في سوق الخيل[4]، كان الأكراد يرتادونه[5].
لم تنتشر المقاهي في أماكن المتنزهات والحدائق فقط، بل يشير ابن كنّان إلى وجود مقهى في حي الصالحية بجوار المدرسة الجهاركسية عند منزل الشيخ عبد الغني النابلسي (ت1143ه/1730م) وقد تهدم المقهى بفعل اعتداءات العسكر في أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1143ه/1730م، وفي ذات الأحداث يذكر ابن كنّان “القهوة التي في السكة شمالي العقيبة”[6]؛ ويشير السجل الشرعي إلى وثيقة تقول أن درويش بن أحمد الحمصي استأجر ثلاثة عشر حانوتاً للقهوة في دمشق بالقرب من الجامع الأموي، وكانت تلك الحوانيت من جملة أوقاف تحددها الحجة الشرعية[7]، ويبدو أن الأوقاف مثلت مصدراً ممولاً لبناء المقاهي، سواء من قبل الولاة أو الأعيان، ويلاحظ أن غالبية المقاهي شيدت في الأسواق أو في داخل المدينة وعند أبوابها القديمة.ومن المقاهي التي يكشف عنها السجل الشرعي في القرن الثامن عشر ويمدنا بمعلومات عن مستثمريها والعاملين فيها وأجورهم، مقهى باب سريجة، الذي استأجره محمد بن علي الديري بأجر قدره أحد عشر بارة[8] في الشهر[9]. كما استأجر معتوق القهوجي من سليم بن خليل آغا القهوة الكائنة في دمشق بمحلة السويقة[10].
وفيما يلي جدول يبين تاريخ المقاهي الشعبية في دمشق في القرن الثامن عشر حسب تسلسلها الزمني استناداً لما سبق:
اسم المقهى | مؤسسه | الموقع | الهجري | الميلادي | |
1 | قهوة المناخلية | ——– | المناخلية | ——– | ——– |
2 | قهوة خبيني | ——– | بستان الشرف | 1111 | 1699 |
3 | بيت للقهوة | ——– | الصالحية | 1140 | 1727 |
4 | بيت للقهوة | فتحي الدفتري | الميدان | ——– | ——– |
5 | بيت للقهوة | أسرة الموصللي | الميدان | 1163 | 1749 |
6 | 13 مقهى | درويش الحمصي | الجامع الأموي | 1164 | 1750 |
7 | مقهى الخريزاتية | أسعد باشا العظم | خلف الجامع الأموي | 1167 | 1753 |
8 | بيت للقهوة | درويش آغا الكردي | سوق الخيل | 1168 | 1754 |
9 | بيت للقهوة | معتوق القهوجي | السويقة | 1168 | 1754 |
10 | قهوة الشاغور | أسعد باشا العظم | الشاغور | 1169 | 1755 |
11 | مقهى باب سريجة | محمد بن علي الديري | باب سريجة | 1169 | 1755 |
يوضح الشكل رقم (2) والمنجز عام 1929م توزع المقاهي في مدينة دمشق في القرن الثامن عشر على عدة محاور، أهمها محور طريق الحج الذي يتجه جنوباً باتجاه السويقة الذي شهدت انتشاراً واسعاً للمقاهي في القرن الثامن عشر، ومن الملاحظ أيضاً أنها توزعت في أماكن هامة من المدينة، فمثلاً عن الجامع الأموي حيث يعتبر أكبر مكان تجمع اجتماعي على مستوى مدينة دمشق، وجنوباً في حي الشاغور وشمالاً إلى حي العمارة، بالإضافة إلى عدة مقاهي شرقاً باتجاه ساحة سوق الخيل.