B047

المقهى الشعبي في القرن العشرين

نجد أن المقاهي انتشرت انتشارا كبيرا وغير مسبوق وخاصة بعد عام 1918م اي نهاية الحكم العثماني ، ومنها مقهى التايبين الواقعة عند مفرق المزة من ربوة دمشق ، شيد هذه المقهى حمزة المسلماني، على أرض عائدة لآل شحادة، واخذت الزبائن تتردد إليه من مناطق الربوة  وكيوان والمزة للصيت المكتسب للأركيلة الشامية العريقة في ذلك المقهى. وكان من ميزات هذا المقهى عدم وجود ألعاب القمار في صالته، فكان صاحبه يكتفي بما يدره عليه من ربح من تقديم الشاي والقهوة والزهورات فقط[1].

أما تسمية المقهى بالتائبين يبدو أنها لاحقة بعد تشييد المقهى، فيقول الشهابي بأن التسمية تعود إلى لقطة سينمائية من فيلم قدمه الفنانان دريد لحام ونهاد قلعي وعنوانه “امرأة تسكن وحدها” في السبعينيات من القرن الماضي ، ويظهر في الفيلم لقطة تصور بعض أفراد العصابة يجلسون في مقهى شعبي، بينما يقوم دريد لحام ونهاد قلعي بمراقبتهم خلسة، ثم يقوم دريد لحام بالاتصال بشرطة النجدة ويطلب حضورهم إلى المقهى ويسميه مقهى التائبين ومنذ ذلك اليوم التصق هذا الاسم الطريف بالمقهى ، حتى جرى هدمه لإقامة جسر عقدة الربوة عام 1976م[2].

وقد ساعد ظهور الكهرباء في دمشق وايصالها إلى جميع أنحاء المدينة على دخول آلات العرض السينمائية  إلى المقاهي وكان أول من جلبها هو حبيب الشماس صاحب مقهى ومسرح زهرة دمشق في ساحة المرجة وذلك في عام 1912م أخدت تلك الآلة تعرض صورا متحركة فذهل الجالسون في المقهى من هذا الإختراع الجديد[3]. الصورة رقم (2-18).

كان لمبنى مقهى و مسرح وسينما زهرة دمشق  دور كبير ومميز في الحياة الدمشقية ، فهو المقهى الذي يؤمه أهل دمشق وضيوفها من كتاب ومفكرين و مواطنين عاديين ، فمر عليه فنانون ومسرحيون وكبار الأعيان من البلاد السورية والعربية، وكان المكان الذي عرض فيه أول فيلم سينمائي بدمشق ، كان هذا المبنى من أهم مراكز الاحتفالات الرسمية والشعبية السورية، ففي الثامن من آذار عام 1920م خصصت بلدية دمشق مبنى مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق للمتفرجات من السيدات اللواتي شاركن في الاحتفالات التي أقيمت بدمشق آنذاك واستمرت لمدة ثلاثة أيام احتفالا بإعلان استقلال البلاد السورية وتتويج الملك فيصل عليها .

تعرض هذا المبنى لحريق كبير عام 1928م إثر حريق هائل أتى على سينما النصر بأكملها ولحق الحريق قسما من دار*زهرة دمشق*،وعلى إثر ذلك اوقف نشاط هذا الصرح الحضاري واستغل المكان بإقامة مطعم ومقهى وكباريه إلى ان هدم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وبني مكانه بناء القباني وجزء من فندق سمير .كان مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق وصاحبه الشماس من الدعائم الأساسية لبناء المسرح والسينما السورية ، واستمر أبناء حبيب الشماس في السير بالطريق  الذي اختطه لهم  والدهم ففي عام 1924، افتتح ابنه توفيق سينما “الكوزموغراف” في منطقة البحصة ،وعرفت فيما بعد بسينما “أمية”. ومن أشهر عروضها الفيلم السوري (،المتهم البريء) وهو أول فيلم من إنتاج سوري وقد عرض عام 1928 ونال شهرة كبيرة، كما ساهم أبناء الشماس في إنشاء صالتي “العباسية” و”دمشق” بمشاركة ابناء (قطان وحداد)، وكانوا من أوائل الذين أدخلوا السينما الناطقة إلى صالات دمشق.

وهناك قهوة خبيني الواقعة بآخر سوق القباقبية تجاه النوفرة، الصورة رقم (2-19) ،وأصل الاسم قديم ،أطلق عليه في القرن الثاني عشر الهجري على مقهى كان يقع غرب التكية المولوية[4]، الصورة رقم (2-20) ثم شاعت هذه التسمية الشعبية الطريفة بين الناس في زمن الإتحاديين الأتراك ،فعندما كانوا يبحثون عن الشبان لسوقهم إلى الخدمة العسكرية إبان الحرب العالمية الأولى المعروفة بحرب (السفر برلك) وذلك على اساس  مبدأ القرعة ،كان ضابط مفرزة السوق،(الشاويش )،يعتمر قبة طويلة من اللباد ،فكان يسمى (ابو لبادة)، وكان اسمه يقترن بالخوف والهلع لدى الشبان، إذ كان الذهاب إلى معارك بعيدة يعني الموت، وشاع عن هذه القهوة أنها سميت بذلك لأن الشبان الهاربين كانوا يلجؤون إليها طالبين الملاذ قائلين لمن بها :”خبيني”[5].

أما قهوة خود عليك  والتي تقع في منطقة الشادروان على طريق بيروت، الصورة رقم(2-21)، فكانت على ضفة نهر ثورا وكان يلتقي على هذه الضفة العشرات من محبي السيران ليصنعوا الشاي ويشربوه على مقربة من الماء، فكان من يذهب إلى هذه المقهى يحمل معه عدة الشاي الكاملة من ببور الكاز والإبريق، ويستمتع بتناول الشاي في هذا المقهى المجاني اللطيف؛ ويدل اسم قهوة الله كريم  الواقعة في جوزة الحدباء قرب جامع يلبغا على مرحلة تاريخية ذات دلالات سياسية، الصورة رقم(2-22)، هذه القهوة كما يفيدنا قتيبة الشهابي  فقد كان يجلس فيها ضباط الجيش  العثماني بعد الانقلاب  على السلطان عبد الحميد عام 1908م، فكانت ملتقاهم المفضل ، وكانوا عندما  يمر بقربهم ضابط  شاب يلبس بزته العسكرية المهيبة ذات الشارات والأوسمة الذهبية ، يتحسرون على ايامهم الخوالي ويقولون مع تنهيدة عميقة :”ايه …الله كريم” أملا بعودتهم إلى الخدمة ورجوع أيام العز السابقة برجوع السلطان عبد الحميد.

مبنى مقهى وسينما زهرة دمشق
مقهى خبيني
توزع مقاهي دمشق في القرن العشرين (المصدر: إعداد الباحث) 1- مقهى ومسرح زهرة دمشق. 2- مقهى خبيني. 3- مقهى خود عليك. 4-مقهى الله كريم. 5-مقهى الكمال القديم. 6- مقهى الحاج علي. 7-مقهى البرازيل. 8- مقهى الهافانا. 9- مقهى القوتلي. 10-قهوة العباسية. 11 - مقهى الرشيد. 12- مقهى النجارين. 13- مقهى الحمام. 14- مقهى البخاري 15- مقهى العمال. 16- مقهى الديرية. 17- مقهى الشام. 18- مقهى القلمون. 19-مقهى العون بالله.
[1] هاني الخير،طرائف وصور من تاريخ دمشق،مؤسسة النوري، دمشق ، سورية ،1989،ص146
[2] قتيبة الشهابي ، معالم دمشق التاريخية ، منشورات وزارة الثقافة ،دمشق ،سورية،1996، ص458
[3] قام حبيب الشماس الذي اشتهربدمشق بإسم أبو خليل الشماس،بتوسيع مقهاه ، *زهرة دمشق*الذي تم انشاؤه بين عام 1899م بعد مغادرة الإمبراطورغليوم ، وعام 1908م، ومن ثم أضاف إليه صالة لعروض المسرح ، واستقطب مسرحة أهل دمشق والفنانين العرب ،ولم يقتصر مسرح *زهرة دمشق* على تقديم الروايات والمسرحيات إنما كان يرافقها الموشحات والتقاسيم  وأعمال الخفة والسحر. وعرف من الأعمال التي قدمت على خشبة هذا المسرح رواية *عائدة*  التي قدمها سلامة حجازي  وفرقته بناء على طلب جمعية الاتحاد والترقي عام 1909م لمساعدة  مدرسة مدحت باشا  الخيرية ،وفي نحو عام 1910 اشتهر رجل يلقب ب *الخواجة لمبو* بعروضه التي كان يقدمها على مسرح هذه السينما والتي تشمل ألعاب الخفة وتقليد الأصوات والشخصيات،وكانت تستقطب المتفرجين الذين يرون فيها جانبا كبيرا من الطرافة والعظمة.
[4] ابن كنان ، يوميات شامية في تاريخ أحدعش وألف ومية ،ص431
[5] قتيبة الشهابي ،معالم دمشق التاريخية ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق ،سورية ،1996،ص 459
[6] فخري البارودي ، مذكرات فخري البارودي، ج1، بيروت ،لبنان، 1951، ص77