- info@damascus-heritage.org
نجد أن المقاهي انتشرت انتشارا كبيرا وغير مسبوق وخاصة بعد عام 1918م اي نهاية الحكم العثماني ، ومنها مقهى التايبين الواقعة عند مفرق المزة من ربوة دمشق ، شيد هذه المقهى حمزة المسلماني، على أرض عائدة لآل شحادة، واخذت الزبائن تتردد إليه من مناطق الربوة وكيوان والمزة للصيت المكتسب للأركيلة الشامية العريقة في ذلك المقهى. وكان من ميزات هذا المقهى عدم وجود ألعاب القمار في صالته، فكان صاحبه يكتفي بما يدره عليه من ربح من تقديم الشاي والقهوة والزهورات فقط[1].
أما تسمية المقهى بالتائبين يبدو أنها لاحقة بعد تشييد المقهى، فيقول الشهابي بأن التسمية تعود إلى لقطة سينمائية من فيلم قدمه الفنانان دريد لحام ونهاد قلعي وعنوانه “امرأة تسكن وحدها” في السبعينيات من القرن الماضي ، ويظهر في الفيلم لقطة تصور بعض أفراد العصابة يجلسون في مقهى شعبي، بينما يقوم دريد لحام ونهاد قلعي بمراقبتهم خلسة، ثم يقوم دريد لحام بالاتصال بشرطة النجدة ويطلب حضورهم إلى المقهى ويسميه مقهى التائبين ومنذ ذلك اليوم التصق هذا الاسم الطريف بالمقهى ، حتى جرى هدمه لإقامة جسر عقدة الربوة عام 1976م[2].
وقد ساعد ظهور الكهرباء في دمشق وايصالها إلى جميع أنحاء المدينة على دخول آلات العرض السينمائية إلى المقاهي وكان أول من جلبها هو حبيب الشماس صاحب مقهى ومسرح زهرة دمشق في ساحة المرجة وذلك في عام 1912م أخدت تلك الآلة تعرض صورا متحركة فذهل الجالسون في المقهى من هذا الإختراع الجديد[3]. الصورة رقم (2-18).
كان لمبنى مقهى و مسرح وسينما زهرة دمشق دور كبير ومميز في الحياة الدمشقية ، فهو المقهى الذي يؤمه أهل دمشق وضيوفها من كتاب ومفكرين و مواطنين عاديين ، فمر عليه فنانون ومسرحيون وكبار الأعيان من البلاد السورية والعربية، وكان المكان الذي عرض فيه أول فيلم سينمائي بدمشق ، كان هذا المبنى من أهم مراكز الاحتفالات الرسمية والشعبية السورية، ففي الثامن من آذار عام 1920م خصصت بلدية دمشق مبنى مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق للمتفرجات من السيدات اللواتي شاركن في الاحتفالات التي أقيمت بدمشق آنذاك واستمرت لمدة ثلاثة أيام احتفالا بإعلان استقلال البلاد السورية وتتويج الملك فيصل عليها .
تعرض هذا المبنى لحريق كبير عام 1928م إثر حريق هائل أتى على سينما النصر بأكملها ولحق الحريق قسما من دار*زهرة دمشق*،وعلى إثر ذلك اوقف نشاط هذا الصرح الحضاري واستغل المكان بإقامة مطعم ومقهى وكباريه إلى ان هدم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وبني مكانه بناء القباني وجزء من فندق سمير .كان مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق وصاحبه الشماس من الدعائم الأساسية لبناء المسرح والسينما السورية ، واستمر أبناء حبيب الشماس في السير بالطريق الذي اختطه لهم والدهم ففي عام 1924، افتتح ابنه توفيق سينما “الكوزموغراف” في منطقة البحصة ،وعرفت فيما بعد بسينما “أمية”. ومن أشهر عروضها الفيلم السوري (،المتهم البريء) وهو أول فيلم من إنتاج سوري وقد عرض عام 1928 ونال شهرة كبيرة، كما ساهم أبناء الشماس في إنشاء صالتي “العباسية” و”دمشق” بمشاركة ابناء (قطان وحداد)، وكانوا من أوائل الذين أدخلوا السينما الناطقة إلى صالات دمشق.
وهناك قهوة خبيني الواقعة بآخر سوق القباقبية تجاه النوفرة، الصورة رقم (2-19) ،وأصل الاسم قديم ،أطلق عليه في القرن الثاني عشر الهجري على مقهى كان يقع غرب التكية المولوية[4]، الصورة رقم (2-20) ثم شاعت هذه التسمية الشعبية الطريفة بين الناس في زمن الإتحاديين الأتراك ،فعندما كانوا يبحثون عن الشبان لسوقهم إلى الخدمة العسكرية إبان الحرب العالمية الأولى المعروفة بحرب (السفر برلك) وذلك على اساس مبدأ القرعة ،كان ضابط مفرزة السوق،(الشاويش )،يعتمر قبة طويلة من اللباد ،فكان يسمى (ابو لبادة)، وكان اسمه يقترن بالخوف والهلع لدى الشبان، إذ كان الذهاب إلى معارك بعيدة يعني الموت، وشاع عن هذه القهوة أنها سميت بذلك لأن الشبان الهاربين كانوا يلجؤون إليها طالبين الملاذ قائلين لمن بها :”خبيني”[5].
أما قهوة خود عليك والتي تقع في منطقة الشادروان على طريق بيروت، الصورة رقم(2-21)، فكانت على ضفة نهر ثورا وكان يلتقي على هذه الضفة العشرات من محبي السيران ليصنعوا الشاي ويشربوه على مقربة من الماء، فكان من يذهب إلى هذه المقهى يحمل معه عدة الشاي الكاملة من ببور الكاز والإبريق، ويستمتع بتناول الشاي في هذا المقهى المجاني اللطيف؛ ويدل اسم قهوة الله كريم الواقعة في جوزة الحدباء قرب جامع يلبغا على مرحلة تاريخية ذات دلالات سياسية، الصورة رقم(2-22)، هذه القهوة كما يفيدنا قتيبة الشهابي فقد كان يجلس فيها ضباط الجيش العثماني بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد عام 1908م، فكانت ملتقاهم المفضل ، وكانوا عندما يمر بقربهم ضابط شاب يلبس بزته العسكرية المهيبة ذات الشارات والأوسمة الذهبية ، يتحسرون على ايامهم الخوالي ويقولون مع تنهيدة عميقة :”ايه …الله كريم” أملا بعودتهم إلى الخدمة ورجوع أيام العز السابقة برجوع السلطان عبد الحميد.