- info@damascus-heritage.org
تبدو اللوحة بعناصرها التأليفية، وكأنها مشهد مسرحي، يقوم الرسام فيه بدور المخرج الذي يوزع الأجوار ويحدد عدد ونوعية العناصر على مسطح اللوحة ويبرز الحركة الأساسية في المشهد، ويوزع العناصر الثانوية بشكل يتلاءم وأهمية الموضوع، ومن الملاحظ أن غالبية لوحات السير الشعبية فيها مشاهد قتالية، مما يعطي انطباعاً أولياً بأن الرسام الشعبي كان دموي ولا يتعامل إلى بمنطق السيف، وإذا ما عدنا إلى الفترات التي تعود لها مواضيع اللوحة أي الجاهلية وفي أوائل عصر الإسلام نلاحظ أن السيف كان هو الحكم في جميع الأمور.
أما في عصر الجاهلية، فكان السيف يستخدم لإظهار الشجاعة والفروسية كما يظهر في غالبية لوحات عنترة ابن شداد للفنان أبو صبحي التيناوي، الصورة رقم(4-19). وفي عصر الإسلام اعتمده المسلمون لنشر العقيدة الجديدة ومحاربة أهل الشرك وحماية الدين الإسلامي؛ لهذا السبب كانت المشاهد القتالية التي توثق لمرحلة مهمة من تاريخ الأمة العربية، والفنان الشعبي بعودته إلى تلك الأحداث ودعوته للاقتداء بمعانيها ورموزها وتمجيد أبطالها، يكون قد أضفى على لوحاته طابعاً رمزياً يشمل معاني البطولة والفروسية بما تحمل من قيم نبيلة. ومن خلال تحليل هذا الرمز، يبدو أنه ارتبط بشجاعة شخص، يكون هو فتى المجموعة وبطلها، والفتى صفته الفتوة ومعناها في الاصطلاح الإسلامي مجموعة من الفضائل الخلقية من مروءة وشجاعة وكرم الضيافة والتضحية وإغاثة الملهوف، وكل تلك الخصال كانت في الجاهلية، واتسعت في صدر الإسلام بعد أن دخلت عليها الفضائل الإسلامية وتبلورت في مفهوم جديد[1].
تناولت البطولة والفروسية والإخلاص في الحب ورفض العبودية والعنصرية، والسعي وراء العدالة والمساواة والعمل في سبيل الحرية، لهذا تنوعت الرسوم، وتعددت الشخصيات بما يتلاءم والحالة الاجتماعية والسياسية للمجتمع، فكانت هناك مواضيع لم يتناولها الرسام بشكل واسع بل بقيت محصورة ببعض البيئات، كسيرة الأميرة ذات الهمة[2] وسيرة سيف بن ذي يزن[3] وحمزة البهلوان[4] وعلي الزيبق[5]؛ وموضوعات أخرى رسمت وانتشرت على نطاق واسع، أهمها:
وأحياناً أخرى يظهر بسيفه مقاتلاً عدوّه، وحيناً يصارع مك الجان أو يقطع برمحه رأس الثعبان رمز الشر. إلى جانب هذه الرسوم يسجل الرسام ألقاب عنترة وأسماء مرافقيه مثل “عنترة أبي الفوارس وشيبوب وجيان”. أما عبلة، فصورها الرسام الشعبي امرأة جميلة، مزدانة بالحلي والعقود ومتألقة بالزي البدوي، تارة تظهر على حصان، وتارةً على جمل داخل هودجها؛ أما عبلة وعنترة في رسم واحد فيظهران كأنهما في عرس، هو على الحصان وهي في الهودج، ومعهما مرافقون، وخلفهما رموز شعبية ” أفعى، نخيل، أسد، طيور وزهور”[7].
سيرة بني هلال[8]: منذ ستة قرون مازال الدمشقيون يتغنون بهذه السيرة ويحفظون أحداثها، فالسلطان حسن بن سرحان يمثل الاعتدال في السلوك والاستعلاء على الصغائر، وأبو زيد الهلالي يمثل العلم والخبرة والشجاعة إلى جانب المزايا العربية الأصيلة، ودياب بن غانم يمثل الحماسة العربية؛ سيرة بني هلال ذات أحداث مثيرة ومعاني عميقة، إنها كانت الغذاء الفكري للإنسان الشعبي وعنصر استلهام لكثير من المبدعين العرب، حيث استوحى الرسام الشعبي من أحداثها وصوّر أبطالها بكل اندفاع وعفوية وصدق؛ فهذا أبو زيد الهلالي، أسود اللون، يركب على ظهر جواده، شارباه طويلان، يلبس رداءه الحربي، ولم ينسى الرسام كتابة أسماء الأبطال في اللوحة.
سيرة الظاهر بيبرس[9]: نالت هذه السيرة اهتمام الدمشقيين، ولا سيما أنها عرضت الحروب الصليبية؛ كانت الرسوم الشعبية الخاصة بهذه السيرة قليلة، أما المشهورة منها، فهي تصوير الملك الظاهر بيبرس إلى جانبه قائد آخر يدعى معروف، وحولهما الحرس بكامل أسلحتهم، كما يظهر في الصورة رقم(4-22)، أو أنهم يصورون جيش معروف على ظهور الخيل، وفي الوسط فارس يرفع سيفين ويقوم بدور الحكم بين الفريقين. .