B076

رسم الموضوعات الدينية

أ. هلا قصقص

انتشرت هذه الرسوم في الوسط الشعبي، وأدت دوراً كبيراً في نشر الثقافة الدينية بين الناس عن طريق التصوير واللوحة الشعبية في مجتمع لا يفقه القراءة والكتابة؛ وكانت غالبية هذه الرسوم مستمدة من آيات القرآن الكريم، وقصص الأنبياء والصحابة وزينت في كثير من الأحيان المساجد وأماكن العبادة بالإضافة إلى المقاهي والأسواق، والذي ساعد في انتشار هذه الرسوم هو عدم وضوح موقف الإسلام من التحليل أو التحريم، والرسام الشعبي وخوفاً من الوقوع في المعصية[1]، لجأ إلى التحوير والزخرفة وإهمال الأبعاد والأحجام في اللوحة، وأما الموضوعات التي رسمها تمحورت حول:

  • موضوع آدم وحواء: كان من أهم ما صوّر الرسام الشعبي آدم وحواء في جنة الخلد، عاريين يستران عورتيهما بأوراق التوت وبينهما شجرة التفاح، تلتف حول جذعها أفعى، حواء تقدم التفاحة إلى آدم، وتحت أقداميهما يقف طاووس؛ الرسام الشعبي هنا يحاول أن يترجم موضوع الخطيئة وخروج آدم وحواء من الجنة بسبب التفاحة التي أكلها آدم من يد حواء، ودور الأفعى التي تعبر عن إبليس في تنفيذ الخطة.
  • سفينة نوح: كان الرسام الشعبي أميناً في رسمها، وصفها كما وردت في القرآن الكريم، سفينة من ثلاث طبقات، طولها ثلاثمائة ذراع من ذراع نوح وعرضها خمسون ذراعاً، عليها رفوف من الخشب، الطبقة السفلى مخصصة للحيوانات والوسطى للطيور والعليا لنوح وقومه؛ لوحة الطوفان هي إكرام لنبي الله نوح، وعبرة لكل الخارجين عن تعاليم الله ورسوله.
  • ابراهيم الخليل: تابع الرسام الشعبي قصة النبي ابراهيم وابنه اسماعيل، عايش أجواءها وفهم معانيها، ورافق مشاهدها ابتداء من المنام الذي رأى فيه النبي أنه يذبح ابنه إلى أن نزل الملاك جبريل عليه السلام بكبش من السماء ليذبحه كفدية عن ابنه اسماعيل؛ فرسم ما ورد في مشهد رائع يجمع الابن معصوب العينين بين يدي والده يسلم نفسه للذبح ،والنبي شيخ عجوز حامل بيده سكين، وجبريل على صورة إنسان مجنح هابط من السماء وفي يده كبش.

الخضر[2]: صور الرسام الشعبي النبي الخضر على هيئة شيخ جليل تشع علامات الإيمان والتقوى من عينيه ووجهه، وفي يده سبحة، وحول عنقه زرع أخضر؛ وكان يصور أحياناً برفقة السلطان ذي القرنين[3]، وبجانب شخصيات اللوحة كتب أسماؤها وألقابها لتعرف بها، فهذا الشيخ بكداش بيده السبحة جالساً فوق حوت البحر، وذلك الشيخ البداوي الرفاعي ممسكاً بالأفاعي، وذلك أسد ملقب بسبع البر.

  • النبي سليمان: لقد أطلق المصورون خيالهم، يرسمون ويصفون قصص وحكايات النبي سليمان مع الجن والحيوانات، فتلك القصص أثارت قريحتهم لغرابة صورها ومشاهدها؛ فثمة صورة تمثل سليمان على عرشه وعلى رأسه هالة من نور وبين يديه الحيوانات والجن والشياطين والملائكة، إشارة لما ورد في القرآن الكريم: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير وسخر له الريح تجري بأمره)[4]، و (علّمناه منطق الطير)[5]،ونادى جبريل: “أيتها الجن والشياطين أجيبوا بإذن الله تعالى نبيه سليمان بن داود، فخرجت الجن والشياطين، سوق الراعي لغنمه حتى حشرت لسليمان ساجدة طائعة”[6].

وفي صور أخرى يبدو النبي سليمان على عرشه وإلى جانبه الهدهد يدله على مكان ملكة سبأ بلقيس، قال سليمان بأن تفقد الطير بأمر من الله تعالى: (مالي أرى الهدهد أم كان من الغائبين)[7]

  • الإسراء والمعراج: اهتم الرسام الشعبي بالوسيلة التي كلفت بحمل الرسول محمد (ص) على ظهرها من مكة إلى القدس ليلة المعراج من مكة إلى القدس ليلة المعراج، حيث قال تعالى في سورة الإسراء: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)[8]. ورغم أن الآية لم تأت على وصف أو تسمية لتلك الوسيلة، فإن ثمة اتفاقاً قد أجمع عليه من تناولها بالبحث، أو سعى إلى تصويرها، لا تخرج بها عن كونها دابة برأس إنسان، كرمز للتفكير وعلو الشأن بين الكائنات الحية وجسد حيوان قوي يدفع بخطاه إلى أقاصي أطرافه، وجناحا طائر تعبيراً عن سرعة الحركة والتنقل[9]، هذه الدابة هي “البراق”[10]، وهكذا صورها الفنان أبو صبحي التيناوي في إحدى رسومه. وهذا الوصف للبراق نسجه الخيال الشعبي، فكانت رسوماً لفرس أبيض له وجه آدمي وعليه تاج كرمز السمو والرفعة، وله جناحا طاووس ملوّن بأبهى الألوان، هذا الإيجاز لرسم البراق شمل العناصر الرفيعة من كل فصيلة من المخلوقات، فالطاووس ملك الطيور، والفرس أجمل الحيوانات، كدليل على أهمية البراق بالنسبة للوجدان الشعبي.
  • موضوع الحج: الرسوم الشعبية التي تتعلق بالحج منتشرة في البلدان العربية، لها نفس الرموز، ومتشابهة في العناصر والوحدات الزخرفية، وأهم الرسوم المتعلقة بالحج صورتي الكعبة والمحمل، فالأولى رسمت على شكل مربع أسود، تحيط به المساجد والحجاج، مزينة بزخارف وآيات قرآنية، والثانية المحمل[11] المحمول على ظهر الجمل، ترافقه البيارق والسنجق[12]، مزخرفاً بالألوان والأشكال، ومزيّناً بالكتابات الجميلة مثل “ماشاء الله” و “ياحافظ” و “ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، التي تمثل رسماً للفنان الشعبي أبو صبحي التيناوي لمحمل الحج.
[1] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:67
[2] اختلف العلماء والمؤرخون كثيراً في شخصية الخضر، حيث اعتبره البعض منهم نبياً من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قد أطال في عمره حتى يدرك الدجال فيكذبه، ومنهم من رأى بأنه ولي من أولياء الله، وقيل أنه ابن آدم لصلبه. القول الراجح أن الخضر هو نبي من أنبياء الله تعالى لقوله: (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )، أي كان فعله بوحي من الله تعالى إليه. أما سبب تسمية الخضر بهذا الاسم فقد أورد الإمام البخاري حديثاً يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيه: “أن الخضر إنما سمي خضراً، لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خلفه خضراء”
[3] ذو القرنين المذكور في سورة الكهف في قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ) الكهف/ 83 كان ملكا من ملوك الأرض وعبدا صالحا مسلما ، طاف الأرض يدعو إلى الإسلام ويقاتل عليه من خالفه ، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل
[4] القرآن الكريم، سورة النمل، الآية 17
[5] القرآن الكريم، سورة النمل، الآية 16
[6] سليم الحوت، الميثولوجيا عند العرب. دار النهار، بيروت، 1983، ص:210
[7] القرآن الكريم، سورة النمل، الآية 20
[8] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 1
[9] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:72
[10] ورد في مختار الصحاح أن البراق هي الدابة التي ركبها النبي ليلة المعراج، وهي الدابة المجنحة التي طارت بالنبي محمد من مكة إلى المسجد الأقصى، وقيل سمي البراق لنصوع لونه وشدة بريقه وسرعة حركته.
[11] المحمل: هو إطار خشبي مربع فوقه هرم يكسوه نسيج حريري مطرز بزخارف ونقوش وكتابات دينية، كان يوضع على ظهر جمل ويرسل إلى مكة في موسم الحج، تفنن المسلمون في صنعه، فأدخلوا عليه مواد فضية وذهبية، وزينوه بالمصاحف وطرزوا عليه صورة الكعبة.
[12] السنجق: هو بيرق المحمل في المناسبات الدينية