المحمصة

أ. خلدون الشيشكلي

انقرضت دكاكين صنع وبيع الأختام، انقرضت لانتهاء الحاجة لها بعد أن كان الأمي والأمية يشتريان من هذه الدكان البديل المحفور على النحاس كي يضيفانه إلى بصمتي إبهامهما بدل توقيعهما اليدوي. وكان البعض من المتعلمين ورجالات الحكم في العهد العثماني يستعملونها كنوع من التفخيم لأسمائهم، وكانوا يفاخرون بجمال الخطوط التي تكتب بها أسماؤهم وحسن تركيباتها، ورائع نقوشها وفخامتها. كان الختم في أغلب الأحيان يتضمن الاسم والكنية، أو الحرف الأول من الاسم وكامل الكنية أو الحرفين الأولين للاسم المركب وكامل الكنية، وفي بعض الأحيان كان يضاف اسم الأب أيضاً، وقليلاً ما كان يضاف اسم الأم للختم وبأحوال نادرة. كانت دكاكين صنع وبيع الأختام تتجمع في سوقي باب الجابية وسوق الخجا القديم وشيئاً فشيئاً بدأت دكاكينهم وبسطاتهم تخسر، وانتقل بعض منها للتوضع أمام مبنى القصر العدلي ووزارة المالية، ثم زالت نهائياً بعد أن زالت الحاجة إليها، وبعد زوال سوق الخجا القديم من الوجود. كان صانع الأختام يحفر أسماء أصحابها على هواه تارةً، أو حسب رغبة الزبون تارةً أخرى، وكان أحياناً يتفنن بها، ويضيف لها تواريخ الميلاد، وبعض الرموز والنقوش والزخارف، ويكتبها بطرق خاصة تختلف بعضها عن بعض منعاً من التقليد والتزوير، كما كان يصلح الأختام القديمة التي قد تآكلت بعض أو كل حوافها، واهترأت من كثرة الاستعمال ومن عوامل الزمن، أو قد يبدلها بأخرى جدية تحاكيها تماماً إن استحال إصلاحها مع الاحتفاظ بالختم القديم كحجة. بعض الأختام كان الاسم هو الذي يبقى بارزاً فيها والبعض الآخر كان الاسم هو الذي يحفر فيها ويبقى سطح الختم هو البارز فيها، وبذا يبقى الاسم دونما لون أثناء عملية الطباعة بالختم، وبالعكس تماماً في حال كان الاسم هو البارز، فهو من سيتقى الحبر ويكون ملوناً. من الأختام ما كان يحفر على الذهب أو الفضة الخالصة، ومنها ما كان بسيطاً يحفر على النحاس المخلوط بالرمل (وكان ذو سطح خشن)، و كان بعضها يحفر على فصوص الأحجار المعدنية الكريمة كحجر العقيق وحجر الدم وغيره، وسطوح الأختام كانت على أشكال مختلفة: مستديرة، أو مربعة، أو مثلثة، أو مخمسة، أو مسدسة، أو مسبعة، أو مثمنة، أو مستطيلة، أو على شكل معين، أو غير معين، أو بيضوية، أو على شكل قلب، أو نجم، أو هلال، أو تقلد أوراق الشجر .. الخ أما مقابض تلك الأختام فكانت متنوعة الأشكال والزخارف والرسوم، وكلها ذات ثقوب لتحمل بخيط أو سلسلة وقد تعلق بالرقبة، بعضها كان يصنع على شكل قلائد جميلة وقد تضاف لها الأحجار الكريمة أو قد تصنع على شكل خواتم جميلة محفورة الفصوص على شكل ختم، وكانت هذه الأختام كثيراً ما ترافق صاحبها أو صاحبتها طوال رحلة العمر، ويذكر حرص الدولة في هذا المجال فقد عممت بلاغاً إلى حفاري الأختام يقضي بذكر التاريخ (تاريخ حفر الختم) حتى يتبين بالتمحيص إن كان صاحب التوقيع متوفى.