دكان الجوخ

أ. خلدون الشيشكلي

الأقمشة الجوخية من أنواع النسيج المركبة التي تكثر في خيوطها نسبة الخيوط الصوفية الطبيعية أو الصناعية، وتمتاز بالمتانة وجمال المظهر، والخامة والنقشات والألوان المعروفة بثباتها. والأنواع السميكة من هذه الأجواخ تتميز بحفظ حرارة الجسم والمحافظة على دفئه، وقد كانت أغلب أنواع الأجواخ الطبيعية قابلة جداً للتجعد منذ المرة الأولى لارتدائها، لكن ومع ظهور خيوط النايلون ومركبات البوليستر وإضافتها لتركيبة النسيج الجوخي خفت احتمالات التجعد، وقد اشتهر في الماضي من أنواع الأجواخ القليلة التجعد قماش دعي (الديولين).

كان للأقمشة والمنسوجات الجوخية سوق خاص بها يدعى سوق الجوخيين وكان يتوضع في موازاة الشارع المستقيم (سوق مدحت باشا) جانب سوق الفرايين ما بين سوق الطواقين وخان التكة وقرب سوق العبي. ولا زالت هناك شوارع خاصة بمنطقة الحريقة ومحلة (سيدي عامود) متخصصة ببيع الأجواخ الرجالية حتى هذه الأيام. وكانت هذه الدكاكين تغص بأنواع وأشكال وألوان وخامات ونقشات وتقليمات وسماكات وقياسات ومواصفات الأجواخ الشتوية السميكة، (والمحيرة) الخريفية والربيعية، والرقيقة الصينية منها، والمستوردة كلياً من أوربا وبخاصة إنجلترا، فقد كانت الأجواخ الإنجليزية هي الأكثر شهرة ورواجاً بين الأجواخ المعروضة والمباعة في دكاكين الجوخ بالماضي، وكان الباعة والخياطون وكذلك الزبائن يفاخرون بما يبيعونه أو يخيطونه أو يرتدونه من الأجواخ الإنجليزية، ومن أشهر ماركاتها كان (الهيلد) وكان شعارها التاج والعلم البريطاني. كانت الأجواخ (السادة) الخالية من النقشات هي الأنسب والمتداولة أكثر لخياطة (البنطلونات أو البناطيل) السراويل و(الأطقم) الأثواب الرجالية الرسمية. أما أنواع الجوخ المقلم والمقشش بنعومة فكان النوع المفضل للأطقم العادية الإفرنجية والعربية الطراز (الغلابيات) الجلابيب الشتوية. أما الأنواع التي تكثر فيها الترابيع ويسمك قماشها ويخشن ملمسها، فكانت تستعمل (للجواكيت) المعاطف القصيرة، وكانت هذه الأنواع السميكة من الجوخ تسمى (بالسكوتش). الأنواع الأسمك والأخشن كانت تستعمل لخياطة (الكبابيد جمع كبود) وهو المعطف الشتوي الواقي من البرد، والسميك الطويل، وكما كان هناك أنواع سميكة شتوية من الأجواخ كانت هناك نوعيات صيفية رقيقة متنوعة منها أيضاً. ومن أنواع الجوخ دومي سيزون (نصف موسمي) للربيع والخريف. كان باعة الجوخ خبراء في الأجواخ الرجالية، وكانوا يفاخرون بما لديهم من (كوبونات) مجموعات وتشكيلات من الأجواخ الفاخرة. زبائن تلك الدكاكين هم من الناس والخياطين، لأن الخياطة كلها كانت تفصيل وليست جاهزة كما هي الآن.