دكان البسطرمة والسجق والنقانق

أ. خلدون الشيشكلي

من منا لم تثر شهيته رائحة الحلية، ومنظر اللحم المتطاول المعلق والمغلف لتلك الطبقة البنية المحمرة الداكنة المميزة للحم البسطرمة المملح والمجفف، وهو يقطع تحت ضربات سكين البائع إلى شرائح رقيقة جداً لدرجة الشفافية ، وصيرورة لون اللحم المقطوع إلى لون زهري، وكانت تلك الشرائح تقطع متناسبة السماكة كما لو كانت تقطعها آلة لا يد البائع الخبير والمتمكن جداً بمهنته، وتصورك أن هذه الشرائح ذات الرائح الجد مثيرة للشهية ستكون على مائدتك مع طبق آخر من السجق أو النقانق المقلية لشيء جد مبهج ومسر. منذ قديم أيام زمان هناك كذا دكان متخصص ببيع لحم البسطرمة والسجق والنقانق اللذيذ جداً باعتراف الجميع كلحوم مقددة، والتي قد تعلق في البيوت لأيام وأسابيع وحتى شهوراً دونما حاجة إلى التبريد. كان صناع وباعة لحم البسطرمة والسجق والنقانق أغلبهم وأشهره من الأخوة الأرمن المستعربين، الذين كانوا متقنين جداً لمهنتهم، ومهرة للغاية بها ولأغلب صنائعهم، ذاك الزمان تصنع البسطرمة من قطع كبيرة متطاولة من لحم البقر، وفي كل من مدينتي حلب واللاذقية كان هناك من يصنع البسطرمة من لحم الضأن ومن لحم الفخذ بالذات، وتعتمد على طريقة التجفيف مع إضافة المواد المانعة للفساد وعلى رأسها: الملح والفليفلة الحمراء والثوم ومسحوق الحلبة والكمون وأزوتات البوتاسيوم، ونتيجة لتجفيف اللحم وطلائه بتلك الخلطة الحافظة يمنع سطح اللحم من التأثر بالبكتيريا والفطور وتكاثرها كما تمنع دخول الرطوبة للحم. أما النقانق فتصنع من اللحوم المفرومة والمحفوظة بالتجفيف ، وإضافة المواد المانعة للفساد، وأنواع كثيرة من التوابل والبهارات والملح والفليفلة الحمراء، ثم تحشى بمعي الخروف الدقيقة المغسولة جيداً من الداخل والخارج بعد وضع فوهتها على قمع تسهيلاً لحشوها، وبعد تمام الحشور يقسم المعي إلى أقسام طول كل منها 10 سم، وذلك بضغط اليد على الأمعاء المحشوة دون قطعها ثم يلف كل قسم مرتين جول نفسه، وبعد ذلك يربط أحد طرفي الأمعاء بالآخر، وتعلق بفيء الظل حتى تجف.