- info@damascus-heritage.org
إن التصوير الشعبي الدمشقي فن فطري يخضع لتقاليد متوارثة عبر الأجيال، يقوم به أناس من عامة الشعب، يتمتعون بثقافة عادية؛ هو مجموعة من الخطوط والأشكال والألوان، مرسومة بمواد وألوان ميسّرة، غنية بالرموز والدلالات، تختصر تاريخ أمة لما لها من تقاليد وعادات؛ فن أفرزته الثقافة مع الأيام، يمارسه الناس إبداعاً وتذوقاً، يكون مجهول الهوية والتاريخ أحياناً، لأنه ملك الجماعة، فن وظيفي غايته إما جمالية بقصد تزين البيوت والأماكن العامة، وإما علاجية بقصد الاستشفاء من بعض الأمراض، وإما دينية بقصد التقوى والعبادة، مواضيعه دائماً تدور حول السير الشعبية والدين والتاريخ والزخرفة[1].
لم تكن الفنون الشعبية بأقل أهمية عن الفنون الأخرى، ويعود ذلك لصدقها وبراءتها، ولتعبيرها عن الوعي الجمعي وذاكرته البصرية. وهي أيضاً إحدى تجليات الهوية الروحية في شكلها البصري للمجتمع، وأياً كانت هي التسمية لهذا الفن الفطري/الشعبي/التقليدي/الساذج، فهو فن كان ولا يزال جزءاً من البساط الاجتماعي في تلويناته المختلفة سواء بالرسم والتصوير أو النحت والفنون الأخرى مثل الأدب والرقص والتمثيل. وإن هذا الفن بعفويته حطم كل المقاييس العقلانية كما حطم النسب الواقعية للشكل، لم يعر اهتمامه للمنظور التقليدي. هو كما فن الطفل يشتغل بما يدور في ذهنه بصرياً، غير مبالٍ بالواقع، مما يجعله أكثر ميلاً نحو نوع من التأكيد على استمرار الصور الغريزية والموروث البصري من خلال بناء الشكل والرموز في أشكالها المختلفة.
ثمة ترابط مستمر ربما يعود إلى ما قبل الميلاد عبر أشكال النحت السوري القديم مروراً بالأيقونة إلى المنمنمات الإسلامية وحتى الفنون الشعبية، مضافاً لها القصص التي تشكلت بالمنطقة (عنترة، عبلة، أبوزيد الهلالي، الزير سالم، علي بن أبي طالب، النبي داوود، النبي الخضر، ابراهيم الخليل، الظاهر بيبرس، النبي يونس، سفينة نوح)، وصولاً إلى القصص المحكية الشعبية.
. بداية التصوير الشعبي في مدينة دمشق: لم تهتم مدينة دمشق قبل الحرب العالمية الأولى بالفن الشعبي، أما الفن التشكيلي فكان محصوراً بتصوير المواضيع النسبية، فكانت كغيرها في الوطن العربي، رسوماً لها أصول وتاريخ ومعنى، ازدهرت في العصر المملوكي، وتأثرت بالأتراك خلال العصر العثماني، فالمجالات الفنية تنوعت:
ارتبطت مقاهي مدينة دمشق بفن التصوير الشعبي، فلم تكن هناك مقهى تخلو جدرانها من تلك الرسومات التي تحكي قصص السير الشعبية من عنترة إلى الملك الظاهر بيبرس إلى سيرة سيف بن ذي يزن، وتلك الحكاية هي نفسها التي كان يرويها الحكواتي، واللذان يعتبران ركن أساسي من أركان المقهى الشعبي؛ وربما لولا تلك الحكايات المروية على لسانه لما أوحت للرسام الشعبي برسمها بتقنيات مختلفة على الأقمشة والزجاج.
. الرسام الشعبي: الرسام الشعبي يقوم بدور مشابه للدور الذي يقوم به الحكواتي، فلهذا نرى أن اللوحة الشعبية هي بمنزلة مشهد الحكاية التي يلقيها الحكواتي في المقهى الشعبي؛ فالصورة تمثل نصّاً معروفاً لدى العامة، ليس تمجيداً للأبطال فحسب، بل تمسكاً بالمبادئ التي يتحلون بها، وهي معظم الأحيان مبادئ حميدة تختص بالكرم والمروءة والشجاعة والفروسية، وما الرسوم الشعبية إلا وسيلة لنشر هذه المبادئ وتعميمها والاستمرار بها؛ إذاً فالرسام الشعبي، أحد أفراد المجتمع، يعيش وسط الجماعة، يتأثر بهم ويحمل ثقافتهم، ويمارس عاداتهم ومعتقداتهم، ويجسد في أعمالهم الفنية كل المفاهيم الاجتماعية والثقافية الشعبية، لذلك من الضروري أن نفهم دور الرسام الشعبي قبل الدخول إلى عالم اللوحة الشعبية التي كانت تزيّن جدران المقاهي قديماً؛ ولهذا لا بد من التوقف عند أهم رسامين اللوحة الشعبية في مقاهي دمشق، وهو أبو صبحي التيناوي[3].