ابن الشاطر الدمشقي

بقلم الأستاذة نبيلة القوصي

علي بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الهمام

أبو الحسن، ابن الشاطر الدمشقي، و يعرف بالمطعم الفلكي (704-777هـ)

 قال المؤرخ ديفيد كبلنج: “بأن نظريات (كوبرينك) في الفلك قد ثبت أنها مأخوذة عن ابن الشاطر الفلكي العربي المسلم، وادّعاها كوبرينك لنفسه”.

ابن الشاطر صاحب أهم نظرية فلكية في التاريخ  ( نظرية دوران الارض و الكواكب حول الشمس) ولتينقض بها نظرية  بطليموس،  ثم نسبها بعد مئتي عام  كوبرنيكوس لنفسه .  

فمن هو ابن الشاطر؟

هو عالم فلكي دمشقي، عرف بابن المؤذِّن .. حفيد المؤقِّت، و معنى المؤقت أو الميقاتى: هو الذى عليه تحديد الأوقات لرفع الآذان فى مواقيت الصلاة الخمس، وكان من شروط الإلتحاق بهذه الوظيفة أن يكون الميقاتى على دراية بعلم الفلك، فأصبح ابن الشاطر، عالم فلك ورياضيات قضى معظم حياته في وظيفة التوقيت ورئاسة المؤذنين في الجامع الأموي بدمشق، ثم صنع ساعة شمسية لضبط وقت الصلاة سماها (الوسيط) وضعها على إحدى مآذن الجامع الأموي، لم تقتصر بحوث ابن الشاطر في الفلك عن الجوانب النظرية، بل إنها امتدت لتشمل أيضا الجوانب العلمية و التطبيقية، فقد كان عالماً بآلات الرصد و بعلم الفلك، فقد ابتكر الكثير من الأدوات المستخدمة في الرصد الفلكي، و الأدوات المستخدمة في القياس الحسابي، التي وصفها وصفا تفصيليا دقيقا، مثل الإسطرلاب و غيره .

عصره: عاش ابن الشاطر فى القرن الثامن للهجرة، مابين سنة 704الى سنة 777 ، حيث كانت دمشق فى تلك الفترة خاضعة لحكم الدولة المملوكية، عاش ابن الشاطر فى فترة مضطربة بسبب النزاع على الحكم بين المماليك، لكن امتاز عصر المماليك بنهضة علمية و ازدهار اقتصادي، بالرغم من الاضطراب السياسي، الذي لم يؤثر تأثيرا سلبا على الحركة العلمية والثقافية فوجد فى ذلك العصر نجوم تركوا بصمات واضحة فى مختلف العلوم، منهم ابن الشاطر .

اسمه: هو علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي، ابن الشاطر و عرف أيضا بالمطعم الفلكي .

ولد علي بن إبراهيم بمدينة دمشق في أواخر عهد الأيوبيين سنة (704هــ / 1304م)، و كان والده مؤذنًا بالمسجد الأموي، و جده كبيرًا للمؤقِّتين لمواقيت الصلاة في الجامع الأموي، توفي والد علي  وكان لايزال طفلًا و تزوجت والدته، فرعاه جده، ومع جده أحب علم التوقيت وشغف بعلم الفلك.

نشأته: انتقلت رعايته من جده إلى زوج خالته و ابن عم أبيه، علي بن إبراهيم بن الشاطر، قرأ عليه وعلمه تطعيم العاج، فسمي بابن الشاطر، الذي علمه تطعيم العاج، ومنه اكتسب كنيته “المطعم”.

جنى ثروة كبيرة من صنعة التطعيم واستغلها في التنقل بين الأمصار لتعلم الرياضيات والفلك، ما بين مدن مصر و بلاد الشام، عاد إلى دمشق وواصل علومه في الفلك وصناعة الاسطرلاب الذي نبغ فيه.

أهم إنجازات هذا العالِم:  تصحيحه لنظرية كلاوديوس بطليموس، التي تنص على أن الأرض هي مركز الكون، والشمس هي التي تدور حولها، وأن الأجرام السماوية كلها تدور حول الأرض مرة كل أربع وعشرين ساعة. وكان العالم كله في عهد ابن الشاطر يعتقد بصحة هذه النظرية .

فعندما وضع أفلاطون القواعد لعلم الفلك الإغريقي، ووضع أرسطو وفيثاغورس نظريات مركزية الأرض، وحوالي سنة 140 بعد الميلاد إقترح كلاوديوس بطليموس، الفلكي الإسكندراني، تمثيلا شاملا للكون، و هو تمثيل هندسي في طبيعته، يضع الأرض مركزا للكون، و يجعل القمر والشمس و الكواكب تدور حولها و النجوم ثابتة خلف الكل.

إلى أن جاء ابن الشاطر و أجرى تجاربه و سجل مشاهداته و استنتج خطأ هذه النظرية، فقام بتعديلها، و تمكن ابن الشاطر من تحديد مداري “عُطارد و القمر”، و وضع لحركتيهما نموذجين، ثم وضع هو نظرية دوران الارض و الكواكب حول الشمس قبل كوبرنيكوس و اعتمد في ذلك على ظاهرة تراجع الكواكب، فقال:

(إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها؟ وأشد من ذلك أن هناك كواكب تختفي وتظهر سموها الكواكب المتحيرة، لذا الأرض والكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض) .

وقد توصل الفلكي كوبرنيكوس إلى هذه النتيجة، بعد ابن الشاطر بقرون .

يقول صديقه المؤرخ الصفدي الذي لازمه و كان معجبا به، قائلا: (رأيته غير مرة و دخلت إلى منزله في رمضان سنة 743 هجري، لرؤية الأسطرلاب الذي أبدع وضعه، فوجدته قد وضعه في قائم حائط منزله داخل باب الفراديس في درب الطيار، فرأيت الأسطرلاب فأنشأ لي طربا …. و من علوم علاء الدين ابن الشاطر كتاب أرقليدس و الهندسة الثانية و ما يتعلق بالحساب و الجبر و المقابلة و فن المساحة و ما وضعه من آلات الوقت، فوضع كتاب نهاية الغايات في الفلكيات، و كتاب في المساحة، و كتاب في الحساب، و الهندسة و سماه المحصول في ضبط الأصول، و كتاب الذبح السيفي، وضعه للأمير سيف الدين تنكز، أما صناعة التطعيم و النجار و النحت فله في ذلك اليد الطولى مع الإتقان و التحرير).

أما النعيمي فقال: (قرأ على علي بن إبراهيم بن يوسف وكان يعرف بابن الشاطر فسمي هو بذلك، وهو الإمام فريد الزمان، المحقق، المتقن، البارع، الرضي، أعجوبة الدهر، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، إليه ينسب عمل المنحرفتين في قبلة مأذنة العروس بالأموي).

و قال ابن العماد: (كانت فضائله لا تنكر و مع ذلك لا يفخر بعلومه، و له ثروة و مباشرات و دار من أحسن الدور وصفا و أغربها ، و له الزيج المشهور و الأوضاع الغريبة المشهورة التي فيها البسيط الموضوع في منارة العروس بجامع بني أمية، و يقال إن دمشق زينت عند وضعه) .

و هكذا نرى بأن عليًّا اليتيم قد نشأ و هو يتعلم و يعمل، وأفاد لمهنته من معرفته بالرياضيات، فوضع نماذج من التصميمات الجديدة، لتطعيم أخشاب الأبواب والنوافذ والجدران والسقوف في المساجد والقصور، وتطعيم أخشاب الأثات المنزلي، وتطعيم ألعاب الأطفال الخشبية، فصار غنيًّا من ممارسته للتطعيم بيديه تصميمًا وتنفيذًا، ليصبح مشرفًا على المطعمين العاملين معه في ورشة زوج خالته الذي كفله، و صار مشهورا بهذا الفن في الشام كله، ثم أصبح كثير الأسفار لشراء العاج والأصداف والقرون والعظام من مواطنها في الهند والسودان، بألوان و أنواع جيدة، أكثر مما كان  يشتريه زوج خالته منها من مدينة القدس، التي كانت شهيرة بدورها بالتطعيم شهرة دمشق بها.

بنى له في مدينة دمشق قصراً عجيب الصنع، كل ذلك و لم يتوقف لتحقيق حلمه الكبير، بأن يكون عالما من علماء الفلك، متجاوزًا حدود ما يعرفه المؤقت من معارف علم الفلك وقد كان في الوقت نفسه، هو المطعّم الثري و مؤقتًا وكبيرًا للمؤقتين مثلما كان جده بالمسجد الأموي الجامع.  

إذن هو لم يُبدع في صنعته فقط، و إنما برع في الفلك فزاد فوق معرفته، و ألف كتبا كثيرة في الفلك، و تاج كتب ابن الشاطر هو (الزيج الجديد)، الذي اشتمل على نظريات ومعلومات فلكية جديدة ويطلق عليه البعض أحيانا (زيج ابن الشاطر) .

ففي هذا الكتاب حقق ابن الشاطر أماكن الكواكب وبيّن سائر حركاتها، وقد رتب كتابه أحسن ترتيب، وشرح كل ما ورد به في مائة باب، ويأتي هذا الزيج أو الجداول الفلكية، من حيث تسلسله التاريخي، بعد زيج البتّاني، وزيج الطّوسى، وزيج ابن يونس الحاكمي.

و من الكتب التي ألفها، كتاب في الرياضيات اسمه، (الجبر والمقابلة) و كان يلتقى بعلماء  الفلك ويحصّل ما لديهم من معلومات فلكية، ويحمل معه كتبًا في الفلك خلال أسفاره، بعضها جداول فلكية شهيرة، وآلات فلكية، ورسائل وكتيبًا عنها، وعن كيفية عملها ووظائف كل منها في الرصد الفلكي.  

ما أروعها من سيرة نتلمس منها معاني رائعة، حيث كان لابن الشاطر طموح لا حدود له بلا شك، فمرصد دمشق كان آنئذ مرصدًا متواضعا، بالنسبة إلى ما سبقه من مراصد كبرى كانت في بغداد في العصر العباسي، وسمرقند ومراغة في عهد المغول، والقاهرة في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي.

 حيث بدأ ابن الشاطر من هذا المرصد الدمشقي المتواضع رحلته مع علم الفلك، ليصبح العصر الذي عاش فيه ابن الشاطر، أشهر قرون الحضارة الإسلامية معرفة بالرياضيات وعلم الفلك، فالحضارة أن تقدم شيئا جديدا و مفيدا للبشرية، مستفيدا من علم من سبقك بالحياة  .

عاش ابن الشاطر حياة حافلة بالعمل و الجد مع البحث والرصد والتنقيب والإبداع ، وترك الكثير من المؤلفات ليستفيد الناس فيما بعد … فهنيئا لمن اغتنم حياته فيما ينفع البشرية، أرجو أن نتدارك و إياكم الوقت الذي يمر بسرعة، اللهم ألهمنا الفائدة المرجوة من أعمارنا و أوقاتنا .

و أخيراً، ماذا قال عنه المستشرقون؟   

قال بروكلمان في: (تاريخ الأدب العربي)، وسميث في: (تاريخ الرياضيات)، وسيديو في: (خلاصة تاريخ العرب)، وفيدمان في: (ابن الشاطر: فلكي عربي من القرن الرابع عشر الميلادي)، وجورج سارتون في كتابه: المدخل إلى تاريخ العلم).

وقد قال سارتون فيما كتبه عن ابن الشاطر: ( إن ابن الشاطر عالم فائق الذكاء  فقد درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة، وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة عام 1365 الميلادي، علما بأن القيمة المضبوطة التي توصل إليها علماء القرن العشرين هي: 23 درجة, و31 دقيقة و19,8 ثانية) .

وفاته: توفى ابن الشاطر فى ربيع الأول عام 777-1375م  ودفن في مقبرة باب الصغير، بدمشق  في ركن متواضع في جانب من المقبرة، كتب على ضريحه:

( ضريح العلامة الفلكي، الراصد المؤقّت، ورئيس المؤذنين في الجامع الأموي: أبو الحسن علاء الدين، علي بن إبراهيم بن ثابت الأنصاري الشهير بابن الشاطر الدمشقي) .

هذه نبذة مختصرة عن العالم الفلكي ابن الشاطر – الذي درس علومه الأولى في مجالس شيوخ دمشق مسقط رأسه، ثم ارتحل إلى القاهرة والإسكندرية للاستزادة العلمية، ثم عاد إلى دمشق ليتولَّى التوقيت والآذان في الجامع الأموي، وليترأَّس المؤذّنين فيه، ثم ليبدع بما اكتسبه وجناه في مجالس العلم في علوم الرياضيات والفلك والتوقيت والميكانيك، و يزداد شهرة بما أبدعه من منجزات علمية في الفلك.

رحمه الله و جزاه عنا خير جزاء، فيما ترك من علوم ينتفع بها، و سيرة تُتلى ليحتذى بها .

المصادر و المراجع:
ـ الوافي بالوفيات / الصفدي
ـ الدرر الكامنة / ابن حجر العسقلاني
ـ الدارس في تاريخ المدارس / النعيمي
ـ شذرات الذهب / ابن العماد
ـ الحوليات الأثرية مجلد 35 / مديرية الآثار و المتاحف بدمشق