تقع مدافن المسيحيين في دمشق على مقربة من الباب الشرقي الاثري ، في مكان يدعى تل العظام.ولا يعرف متى بدئ بدفن الاموات فيه .وتشير الدلائل الى انه قديم جدا، ولعل عهده يعود الى ما قبل الميلاد كما يتضح من بعض الاثار القديمة التي عثر عليها فيه .
وقد كشف النبش عن قبور متراكمة، لاجل ذلك دعوه تل العظام. ولا شك ان المسيحيين جعلو يدفنون فيه منذ القرون الاولى. والقديس جاورجيوس (هو غيرالقديس جاورجيوس الذي يمثلونه في هيئة فارس في يده رمح يطعن به تنينا رابضا عند اقدام جواده .
اما القديس جاورجيوس الذي يدور كلامنا عنه فانه حبشي ضابط في جيش مدينة دمشق (الرومانية ) . وكانوا قد عهدو اليه في حراسة البرج الذي على السور هناك فلقد سهل هذا القديس الحبشي الاصل الهرب للقديس بولس لاجل ذلك حكموا عليه بالموت . (ص: 593 من كتاب الاراضي المقدسة للاب مايسترمن)
الذي عاش في القرن الاول ودفن فيه واقيم بعدئذ على قبره مزار في شكل معبد. وهو المعبد الذي يقال ان احد ولاة دمشق امر بدكه مدفوعا بوشاية رفعت اليه مؤداها ان المسيحيين خبأوا في اسفله كنوزا عظيمة الشأن .فذلك الخبر الملفق اثار فيه الطمع والشوق الشديد الى الحصول عليها لاعتقاده انه تجعله صاحب ثروة بين عشية وضحاها .
ثم حدث ان اكره المسيحيون على الكف عن دفن موتاهم في تل العظام . فاخذوا يدفنون في كهوف واقعة في اسفل كنيسة مار نقولا وهي التي دخلت بعدئذ في كنيسة المريمية .( كان قديما في هذا المكان ثلاث كنائس اولاها كنيسة المريمية وهي اكبرها واشهرها واقدمها وكان يقال لها الكنيسة الجوانية لتميزها من البرانية المقامة على اسم القديس كبريانس والقديسة يوستينا والثالثة على اسم القديس نقلاوس. ( راجع الحاشية للاب قسطنطين الباشا في ذيل صفحة 110 من كتاب تاريخ الشام للخوري ميخائيل بريك الدمشقي طبعة الاباء البولسيين – حريصا .) .
غير انه في منتصف القرن السادس عشر فشا وباء فتاك بدمشق .فخوفا من استفحال امره، وتفاقم اضراره امر الوزير صاحب دمشق . ان يعود المسيحيون الى دفن موتاهم في تل العظام.
ولكي لا يقدم احد على منعهم او التعرض لهم دفع الى البطريرك بحجة شرعية تخولهم حق الاستيلاء على التل وقيل انها محفوظة الى اليوم في بطريركية الروم الارثوذكس. ولولا تلك الحجة ما جرؤ المسيحيون على دفن جميع موتاهم هنالك .وقد يتبادر الى الذهن ان خصما قويا لا طاقة لهم على مقاومته ولا سبيل الى معاداته اكرههم لغرض بنفسه على التخلي له عن مكان كان يضم اجداث ابائهمواجدادهم . فمنذ ذلك الحين ، ظل تل العظام المثوى لجميع اموات المسيحيين .بلا تمييز ولا تفريق اذ انه الى قرنين او ثلاثة قرون خلت كانت سلطة كنسية واحدة تهيمن عليهم .وكاتدرائية جامعة واحدة تضم شتاتهم لا فرق بين اصيلهم والمقيم بين ظهرانيهم. وبعد ان صار مسيحيو دمشق فريقيين واصبح لكل فريق كيان خاص. اخذ كل منهما يدفن موتاه على حدة في التل . واما القسمة النهائية الرسمية .فانها جرت في سنة 1923 م .
ومما يجدر ذكره ان الطيب الاثر المطران افتيموس الصيفي مؤسس دير المخلص الشهير في الربع الاول للقرن الثامن عشر دفن في البقعة التي الت بمقتضى القسمة الى طائفة الروم الارثوذكس ثم نقل الى ديره رفاته وحجر ضريحه الحامل اسمه وتاريخ وفاته.
فاصبح بعد تلك القسمة لكل واحدة من الطوائف المسيحية كاثوليكية وارثوذكسية قطعة من التل خاصة بها. واما القطعة التي الت الى طائفة الروم الكاثوليك فهي الواقعة ما بين قطعة الارمن الكاثوليك غربا .وقطعة الروم الارثوذكس شرقا .وقد سعى انئذ رئيس طائفة اللاتين بواسطة قنصل ايطاليا في دمشق لدى الطيب الذكر البطريرك ديمتريوس قاضي . للتخلي لللاتين عن جزء من قطعة طائفته وهو الجزء الذي فيه الصخرة فالبطريرك لبى الطلب بشرط ان يبقى ذلك الجزء ملكا للطائفتين. وان لا يكتب شيء فوق مدخله . وان يحتفظ كل من الطائفتين بمفتاح له للدلالة على ان حقوقهما عليه متساوية . ومن الشروط المتفق عليها ايضا ان يبني اللاتين فيه معبدا على نفقتهم. ويرى هنالك حتى اليوم قبورا لبعض من طائفة الروم الكاثوليك .واللاتين لا يدفنون فيه بل في مكان اخر واقع الى جنوب شارع يفصل بينه وبين مقبرة السريان الكاثوليك .
اما الصخرة التي هنالك فان المسيحيين جعلوها مزارا منذ القدم لاعتقاد بعضهم .ان عليها حدثت الرؤيا التي على اثرها اهتدى بولس الى الديانة المسيحية .
ويؤكد غيرهم ان وراءها او تحتها اختبأ بولس من طالبي قتله . بعد ما دلي في زنبيل من اعلى السور. ومن المشهور ان مسيحيي دمشق ثابروا منذ القرون الاولى على زيارتها كل سنة في عيد القديس ( 29حزيران ) .لاجل ذلك هي معروفة لدى جميعهم بصخرة مار بولس .
( لم تتفق الاراء على حقيقة المكان حيث حدثت الزؤيا فقد قال الاب ميسترمن العالم بالاثار المسيحية
“”زار انطونيوس البليزنسي في سنة 570 مكان اهتداء بولس عند التخم العسكري الثاني للمدينة فرأى فيه ديرا على اسم بولس الرسول.واما القديس وليبليد فانه شهد في القرن الثامن كنيسة الاهتداء على بعد فرسخين من المدينة. وروى فرتيلوس حوالي سنة 1148 م ان تلك الكنيسة تقع على مسافة فرسخين ايضا . وقال انطون الكريموني القرن 14 م انها تبعد فرسخا واحدا. ثم على مسافة 18 كيلو مترا من السور القديم جنوبا بغرب قرية كوكبا حيث اطلال كنيسة قديمة بقرب رابية تدعى تل مار بولس على جنب الطريق الرومانية الاتية من الجبل.)