- info@damascus-heritage.org
تم التوجه إلى ربط الحملات التبشيرية الخيرية بالتطبيب بشكل كبير، وحسب بول هاريسون[1] فقد تم العمل على إنشاء مستشفيات ترتبط بجوانب دينية، وانتشر الطب الشافي بقدرة دينية ورعاية متميزة مجانية[2]؛ وظهرت في دمشق كما في المدن العربية العديد من الشواهد المعمارية الهامة لممارسة هذا النشاط، بغض النظر عن التفسيرات والدوافع يمكن ذكر عدد من المستشفيات أهمها:
المستشفى الدنمركي: من أقدم المستشفيات في سوريا، يقع في النبك من منطقة القلمون، نظراً لأهمية الموقع الاستراتيجي كنقطة عبور من دمشق إلى مدن الشمال؛ أسسته البعثة الدنمركية التبشيرية في العام 1896، وعرف بالمستشفى الدنمركي وتوقف عن العمل في العام 1914، بقي المستشفى لفترة طويلة حتى العام 1958 تحت رعاية البعثة التبشيرية الدنمركية، وكان يضم طاقم طبي وتمريضي دنمركي بالإضافة لبعض العاملين السوريين؛ وفي أواخر الستينات تم تأميم المستشفى ليصبح مستشفى حكومي عام باسم مستشفى النبك، وقد جرت عدة توسعات للمستشفى، أهمها عام 1995 حيث تم إنشاء بناء جديد كليا وتم تحويل المستشفى القديم لقسم نسائية وتوليد وبشكل مستمر يتم إضافة أقسام وملحقات جديدة في المستشفى.
وهو مستشفى متفرد بطراز خاص يعكس الطابع المحلي لأبنية المنطقة، مجدداً في واجهاته ومواد بنائه الطراز الريفي الخاص بأبنية القلمون، لا يزال البناء الرئيسي قائماً حتى اليوم، وهو يتألف من طابقين: طابق تحت أرضي فيه ست غرف ومجموعة خدمات، وطابق أرضي يحتوي على /13/ غرفة وجناح ومطبخ ودورات مياه، يتوسطه حديقة مشجرة.
المستشفى الإنكليزي: أسسته البعثة الدنمركية مع مستشفى النبك في ريف دمشق في العام 1896؛ وظلت تشرف عليه البعثة حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وبعد 7 أعوام على تأسيسه تخلت عنه البعثة التبشيرية الدنمركية إلى بعثة تبشيرية اسكتلندية: “جمعية أدنبرة الطبية التبشيرية[3]– Edinburgh Medical Missionary Society”، يقول كرد علي[4]: احتفلت جمعية اسكتلندا الإنكليزية بافتتاح المستشفى الاسكتلندي يوم 24/ أيار/ 1899، الذي أسسته في أرض الزينية على طريق بغداد، وهو في غاية من حسن الهندسة وجمال الحديقة وسعتها.[5] وأصبح يعرف منذ ذلك الحين بالمستشفى الانجليزي، أو مستشفى فيكتوريا نسبة لملكة بريطانيا، حتى وهبته هذه البعثة إلى الحكومة السورية عام 1958، وتوقف عن العمل؛ ومع استقلال سورية سنة 1946، تحول لمستشفى وطني حكومي وسُمّي “مستشفى الزهراوي” نسبة للطبيب والجراح العربي الأندلسي: أبو قاسم خلف الزهراوي[6]، حيث افتتح كمستشفى متخصص بالعيون وكان الوحيد من نوعه في سورية، لكن بعد ذلك تحول إلى مستشفى عام يقدم خدمات الجراحة العامة، وظل الأمر هكذا حتى عام 1967، حين ارتأت وزارة الصحة تحويله إلى مستشفى متخصص بالتوليد وأمراض النساء؛ يقع في حي القصاع، على امتداد الشارع باتجاه ساحة العباسيين بدمشق، وقد ذكر دهمان[7] في كتابه[8] أن هذه المستشفى شُيدت بموضع قرية “بيت لهيا” التي اضمحلت في القرن العاشر الهجري؛ وهو أول بناء شيد في منطقته؛ لا تتجاوز مساحته الألف متر مربع، إلاّ أنه يقدم خدمات كثيرة، يتميز بنظام المهاجع الانجليزي، حيث لا يوجد غرف للمرضى، إنما يقيمون في مهاجع[9].
المستشفى الفرنسي: تأسس المستشفى بفرمان صادر عن السلطان عبد الحميد في العام 1899 وكان مخصصاً لمرضى الجذام، حيث من المعروف تاريخياً أنه لم يكن أحد يتصل بمرضى الجذام لاعتقادهم بأن المرض معد، حتى جاء القديس منصور وراهبات جمعية المحبة[10]، فأقاموا علاقات مع هؤلاء المرضى وصارت الاتصالات معهم، وبعد ذلك تحول إلى مستشفى شامل يضم جميع الاختصاصات الجراحية، وهو مصمم بأسلوب العنابر والمهاجع.
يقع مبنى المستشفى الفرنسي مقابل المستشفى الانكليزي على مساحة تتجاوز العشرة آلاف متر مربع، في حي القصاع بدمشق، وبشارع باب توما، ويُعرف باسم مستشفى القديس لويس، شُيد سنة 1902، وذكره كرد علي في كتابه باسم المستشفى اللعازري الذي بنته أخوية[11] اللعازريين الفرنسية قبالة المستشفى الاسكتلندي، وكان حسن البناء والتنظيم ومازال قائما إلى اليوم؛ وقد تأسس المستشفى بهدف معالجة الفقراء.
المستشفى الإيطالي: شيدته جمعية خيرية إيطالية مشكلة من الجالية الإيطالية المتواجدة في دمشق؛ وهي من تصميم المهندس “بييرومولي” على طراز العمارة الأوروبية بتأثيرات إيطالية تعكس أسلوب عصر النهضة ومنهج الباروك الغني بالتفاصيل الدقيقة والبذخ الجريء؛ بدأ بناء المستشفى عام 1913، إلا أن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون افتتاحها حتى عام 1925 حين بدأ تشغيل المستشفى وظل يعمل حتى سنة 1940، حيث بدأت الحرب العالمية الثانية، فاضطر القائمون على المشفى لإغلاقه بسبب الحرب بين إيطاليا وفرنسا وانجلترا، والفرنسيون كانوا في دمشق فطلبوا من العاملين فيه البقاء، لكن من دون أي نشاط، وذهبت الراهبات إلى بيت لحم بفلسطين، وفي العام 1946 عاود المستشفى نشاطاته ، واستمر حتى الآن؛ وقد تم تطوير المستشفى وتعديل المهاجع، وزيادة الاختصاصات الطبية التي يغطيها وتطوير أجهزته، وفي المستشفى حوالي /19/ راهبة يعملن متطوعات، كما يضم مائة طبيب ما بين مقيم وزائر، ويخدم الطبقة الوسطى من المجتمع.[12]
المستشفى الألماني: مستشفى خاص فخم، أسسه ثلاثة أطباء أخوة من عائلة “نخمن” البروتستانتية من حي القيمرية- حارة حمام البكري، درسوا في الجامعة الأمريكية ببيروت؛ بُنيت المستشفى في شارع بغداد بجانب مدرسة اللاييك في أواخر الثلاثينيات، وكان المبنى يتألف من ثلاثة طوابق، وكان اختصاص المستشفى في الجراحة العامة والتوليد، وخصصت عيادة للأطفال؛ وبحسب اسم العائلة “نخمن” الذي يأخذ ملامح ألمانية أو نمساوية، له شهرة كبيرة، وأطلق عليه الدمشقيون اسم المستشفى الألماني، ولا يوجد ما يشير إلى علاقة المستشفى بأية بعثة ألمانية؛ وقد باعت عائلة “نخمن” المستشفى، والمبنى حالياً لا يزال مستشفى خاص يحمل اسم: “الطب الجراحي”.