المستشفيات العثمانية

أ. هلا قصقص

لا تفيد المراجع التاريخية بذكر منشآت صحية بعد العصور الوسطى حتى الفترة العثمانية المتأخرة، حيث شيد المستشفى العثماني العسكري “الخستاخانة الميرية العثمانية” المشيد في العام 1865، وكان قريباً من بوابة الصالحية، وقد حل محله اليوم أبنية حديثة.

وتفيد الوثائق والصور التاريخية إلى أن البوابة الرئيسية للمبنى مطلة على طريق الصالحية، وتتوسط الأجنحة والتي حوت في ذاك الزمان على ثلاث مستويات للإقامة فيها على الشكل التالي:

  • المستوى الأعلى: في الطوابق العلوية خصص لضباط الجيش العثماني ذوي الرتب العالية، و كذلك من علية القوم والبشاوات ووجهاء دمشق ذوي السلطة والجاه العثماني، فهي عبارة عن غرفة قبلية غربية كبيرة بسرير واحد تطل على حديقة الخستخانة وبساتينها المتصلة بالهواء القادم من منطقة كيوان وخانق الربوة.
  • المستوى الوسطي: عبارة عن غرفة بسريرين، وقد خصصت للضباط الأقل شأناً تطل على طريق الصالحية وبساتين الكركة وبساتين بندق.
  • المستوى الأرضي: يدعى بـ”القاعة”، وتحتوي القاعات على مجموعة أسرة خصصت للجنود الصغار وضباط صف الجيش العثماني، وكذلك عوام الناس، لعدم وجود مستشفى بدمشق يقدم الخدمات الطبية والجراحة بذاك العصر سوى البيمارستان النوري .

ويتوسط ما سبق حديقة كبيرة في وسط المستشفى، وفيها بحرات مائية ومنتزهات ومسجد، إضافة لمطبخ وخدمات التمريض ومركز العطارة- الصيدلية،  والحمامات التي أقيمت بالقرب من طريق الجبخانة .

وتحول المستشفى العثماني إلى مستشفى عسكري خلال الانتداب الفرنسي، ثم مستشفى تابع لوزارة الدفاع الوطني في الدولة السورية، وأتى وصفه بأنه عبارة عن /25/ بناء مستقل من حجر وآجر وخشب وقرميد، له ثلاثة أبواب على الجادة، يحتوي على /126/ محل لسكن المرضى وثلاثة مماشي مسقوفة، ومطبخين ومحل لتبخير ثياب المرضى ومستودعات للتخزين، وقبو وحمام وحديقة ضمنها بركة ماء؛ وتشير الوثائق إلى أنه هدم في أواخر الستينيات.

مستشفى الغرباء: بدأ تشييد هذا المبنى في 18/3/1899، خلال ولاية حسين ناظم باشا[1] ضمن الأرض التي كانت تشغلها مقابر الصوفية، وبملاصقة بستان الأعاجم من جهة الغرب في الشرف الأدنى؛ وقد بني كبديل عن البيمارستان النوري بهدف في معالجة الفقراء والأغراب، ومن هنا جاءت تسميته، كما بنيت عند مدخله بركة ماء تبرع بنفقتها رئيس المجلس الطبي العسكري الفريق عثمان باشا[2] من ماله الخاص صدقة عن روح ابنته فاطمة خانم؛

عُرف هذا المشفى في أوائل عهده باسم المستشفى السلطاني الحميدي[3]، ثم مستشفى الغربا، وصار في العهد الفيصلي 1918 – 1920 المستشفى الوطني، وكان “مكتب الطب” أو كانت كلية الطب خلفه إلى الجنوب.

 الواجهة الرئيسية للخستاخانة الميرية العثمانية.. المصدر: أرشيف الباحث عماد الأرمشي.
مخطط الطابقين الأرضي والأول لمستشفى الغرباء
مستشفى الغرباء.. المصدر: أرشيف الباحث عماد الأرمشي
[1]  حسين ناظم باشا: كان ناظراً لشؤون الأمن العام في عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول، ثم ولاه السلطان العثماني ولاية دمشق، حيث تولاها ثلاث مرات أولها عام 1895، والثانية عام 1909 والثالثة عام 1911، ويعتبر هذا الوالي من أفضل وآخر الولاة الذين تولوا الحكم في سورية أيام الحكم العثماني نظراً لما له من أياد بيضاء في مجال الإعمار والتنظيم الإداري وإنشاء المشاريع المفيدة للبلاد، ومن أعمال على سبيل المثال: بنى أول مستشفى عام في دمشق عام 1899م، ويقع في حي الحلبوني، وتطلق عليه العامة اليوم اسم مستشفى الغرباء أو المستشفى الوطني، بنى في عام 1901م داراً للحكومة على ضفة بردى عرفت باسم “السرايا”، وهي اليوم مقر وزارة الداخلية، بنى القشلة الحميدية التي أصبح مقرها فيما بعد تابعاً لجامعة دمشق ومازال،  بنى دار المعلمين، وهو البناء الذي تشغله اليوم وزارة السياحة، وقد شغلته فترة من الزمن كلية الحقوق، بنى النصب التذكاري في ساحة المرجة من معدن البرونز ووضع في أعلاه مجسماً لمسجد في اسطنبول.
 [2]  عثمان نوري باشا: (1837- 1900)،  قائد تركي. حارب في القرم ولبنان وكريت وبلاد العرب، ورقي إلى رتبة “مشير” لانتصاراته.
[3]  نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني: وهو خليفة المسلمين الثاني بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرين من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم.