B079

الأشكال الرمزية في الرسم الشعبي

يعتبر الرمز من أهم عناصر الرسم الشعبي، لأنه موجود في معنى مضمون وموضوع اللوحة، فنادراً ما نرى عملاً تشكيلياً شعبياً إلا والرمز يمثل قيمته ويقربه من ذوق العامة؛ والرمز من الناحية الفنية لغة تشكيلية يستخدمها الفنان للتعبير عن أحاسيسه وانفعالاته نحو كل ما يلامس مشاعره من أفكار ومعتقدات، وكلما تعرفنا على تلك اللغة وأجدنا تفسيرها، أصبحنا أكثر قدرة على دراسة الفنون الشعبية[1]؛ إنه الوحدة الفنية التي يختارها  الرسام من محيطه لكي يزين بها إنتاجه الفني، ويكسبه طابعاً خاصاً، بشرط أن يحمل الرمز قيم المجتمع الثقافية والفكرية، فالرمز قد يكون شكلاً لطير أو نبات أو حيوان ما، وقد يكون شكلاً لشيء شائع الاستخدام أو خطوطاً هندسية أو مصطلحات أخرى لها معنى وقيمة تنتشر بين الجماعة وتستمر كرمز متفق عليه[2]؛ فالمجتمع هو الذي يحدد قيمة الرمز فهو الإشارة الصادقة التي توضح تاريخ الفن الشعبي ومعانيه.

و الرمز التشكيلي الشعبي يتميز بانطلاقة التعبير و البعد عن المقاييس المقننة في الفن الأكاديمي، كما أنه يحكى عن طريق الأشكال و القصص و المعتقدات الدينية و الشعبية، و ألوانه رمزية تعبر عن تلقائية الفنان الشعبي و بيئته البسيطة. وتزخر مفردات الفن الشعبي الدمشقي بمجمـوعات هائلة من الرموز ذات الدلالات والعلامات والرسوم والأشكال والنصوص والكتابات، و التي تحوي العديـد من القيم التشكيلية والتعبيـرية ، و التي يمكن الاستفادة منها في صياغات تشكيلية تتفق مع مفاهيم الحداثة في الفن، وخاصة مجال التصوير، فالمفردات التشكيلية في الفن الشعبي، وارتباطها بالقصص الشعبية والأسـاطير لها عقيدة في الوجدان الشعبي، فالموروث الثقافي تتلاقى فيه الأصالة مع الحداثة في الجمع بين خبرة الفنان والمعرفة بمفهومه الموروث والحفاظ على الهوية ، وأشكال الإبداع الشعبي الأصيل[3].

إن هذه المفردات بدائية فطرية تفتقر إلى حنكة الرسام ، وإلى قدرة الملـون العارف بالنسب ، وقواعد المنظور، ولكنها معبرة موحية لما فيها من فطرة ورمزية، ومن ثم فإن هذه التصورات والرؤى ، وإن كانت الخرافة مصدرها ، إلا أنها كانت بالنسبة للاتجاهات الفنية الحديثة على جانب كبير من الأهمية ، فيما بدا من مظاهر تمثلت في أعمالهم الفنية المستلهمة من طبيعة الرموز الشعبية، فالاتجاهات الفنية الحديثة للصورة المرئية تتجه إلى الاستلهام من التراث القومي والشعبي.

أولاً: أهم الأشكال الرمزية في الرسم الشعبي:

  • النخيل رمز الخصب: النخيل في التصوير الشعبي رمز قديم يدل على الانتشار والوفرة، رسمه الفنان من جذع بسيط وبعض الوريقات؛ إنه اختصار لمعانٍ قديمة ومعتقدات شعبية تدل على الازدهار والخصب، فاستخدمه الرسام في أعماله بذات المعنى، وقيمة النخيل في الوسط الشعبي لها خلفية دينية وجذور تاريخية عميقة؛ ففي الإسلام ذكر النخيل عشرين مرة في القرآن الكريم[4]، كما أنها ذات أهمية كبيرة في حياة العربي فكان التمر الغذاء الأساسي له؛ ومما زاد في قيمة هذا الرمز أن النخلة كانت في القديم من الأشجار المقدسة، فقد وحّد الفينيقيون بين النخلة وبين آلهة الخصب عشتروت، وقد جعل العرب من النخلة في العصر الجاهلي إلهاً، ففي نجران عبدوا نخلة طويلة كانوا يحتفلون بها كل عام[5]. كما يظهر في لوحة الخضر عليه السلام للفنان أبو صبحي التيناوي، الصورة رقم(4-25).
  • الأسد رمز القوة: يحتل الأسد موضعاً متميزاً الوجدان الشعبي فمنذ أقدم العصور هو ملك الغابة ورمز القوة والبسالة، فصوّره الرسام الشعبي أمام الأبطال والقواد؛ فالأسد ارتبط بالملوك وأصبح يرمز إليهم في العصرين القديم والحديث، فقد نصب كتماثيل تحرس مقابر المصريين القدماء، وأبوا المعابد الآشورية. وكلمة أسد أدخلت في أسماء بعض القواد والأبطال كألقاب تعبر عن القوة والعظمة، فالمسلمون لقبوا الإمام علي بن أبي طالب بــ”أسد الله الغالب” ولقبوا حمزة بن عبد المطلب أيضاً بــ”أسد الله”، وهذا ما ساعد الفنان الشعبي على استخدامه كرمز في لوحاته، فكان رسماً من خطوط بسيطة عيناه على شكل إنسان، أحياناً يحمل بيده سيفاً ويقطع به أفعى، بمعنى الحق قوة والباطل هزيمة[6].
  • الأفعى رمز الشر: وجدت الأفعى في لوحات الرسام الشعبي كرمز للشيطان والشر والعداوة والكراهية، وقد توحدت مع الشيطان حين تسلل إبليس إلى الجنة داخل الأفعى، وهي التي أغوت حواء بالأكل من الشجرة المحرمة، واستجاب آدم لإغرائها، فهبطا من الجنة إلى الأرض؛ فكان العرب يخشون شرها لأن صورتها في بالهم مرتبطة بالجن. رسم المصور الشعبي هذا الرمز في مواجهة مع الأبطال والأسود والنسور وكان دائماً مهزوماً لأنه يمثل الشر، وكان يرسم على شكل خط لين متموج منقط أحياناً، له رأس عليه قرنان، تخرج منه أنياب حادة. كما يظهر في الصورة رقم(4-31) التي تمثل لوحة للفنان الشعبي أبو صبحي التيناوي وفيها تظهر الأفعى السوداء التي كانت تحارب سيدنا علي بن أبي طالب إلى جانب ملك الجان[7].
  • السيف رمز البطولة: لا يرسم السيف إلا في أيدي الأبطال والفرسان، لأنه علامة مميزة للبطولة والشجاعة والفروسية، والعرب من أكثر الشعوب حفاوة بالسيف، لهذا زخرفوه بالرسوم، ونقشوا عليه الكتابات، وسموه بعدة أسماء وحافظوا عليه وتوارثوه[8] ودفنوه أحياناً مع الأبطال[9]. تفنن الرسام الشعبي بتصوير السيوف وأبدع بأشكالها وألوانها وزخرفتها، فتارة يرسمها بيد البطل وتارة بيد الأسد، ومن هذه السيوف “ذو الفقار” وهو سيف وهو سيف ينتهي بشفرة لها شقان، وهو من أهم السيوف التي صورت في اللوحة الشعبية كما يظهر في الصورة رقم(4-19)، بالإضافة إلى سيف عنترة وأبو زيد الهلالي والملك الظاهر.
  • الكف والعين ضد الحسد: رسم العرب على أبواب منازلهم وعلى عرباتهم يداً مبسوطة الأصابع، كما علقوا على صدورهم تعاويذ على شكل كف، درءاً للشر وإصابة العين، وهكذا صور الفنان الشعبي الكف، فهو مدلول سحري في المفهوم الشعبي، ونلاحظ بأن صورة الكف رافقت العين، والسبب أنها أداة الحسد، لهذا صور الفنان سهماً يخترق العين الحاسدة، وخاصة الزرقاء لأنها في المفهوم الشعبي تعتبر غريبة، فلون عيون العرب أسود. كان للفنان الشعبي أسلوبه الخاص في مواجهة الحسد وإصابة العين، فرسم صوراً تمثل كفاً مفتوحة في وسطها عين كتب تحتها كلمة “ياحافظ” كما كتب إلى جانبها بعض الآيات الكريمة كسورة الفلق وسورة الناس، وهذه الرسوم والكتابات غالباً ما كانت ترافقها الزخرفة الهندسية والنباتية[10].
  • السمكة رمز التكاثر: السمكة رمز قديم دخل المسيحية وأصبح أهم رموزها، فالسمكة رمز التجدد والأدلة في الميثولوجيا قاطعة، ففي الأساطير العربية والحضارات السامية غالباً ما يدل هذا المخلوق على الانبعاث[11]؛ كما عرف هذا الرمز في الأساطير الفرعونية، ونسج في المنسوجات القبطية، ورسم على الخزف الإسلامي. صور في الرسم الشعبي على الأواني والنسيج والزجاج والورق، فكان يظهر إلى جانب رسوم النخيل والكف والهلال والزهور وبعض الزخارف والكتابات العربية[12].
  • اليمامة رمز السلام: أقدم ذكر لليمامة يعود إلى قصة طوفان نوح، عندما أرسل نوح الغراب للبحث عن بر الأمان، ولكنه طار ولم يعد، ثم أرسل نوح اليمامة فعادت تحمل في منقارها غصن زيتون، عندئذٍ أدرك نوح أن الماء قد انحسر وأن شاطئ السلام بات قريباً، كما يظهر في الصورة رقم(4-32). فرسمه الفنان الشعبي هذا الرمز يمامة بيضاء في منقارها غصن أخضر.
  • الهلال والنجمة: رمزان إسلاميان يظهران في الرسوم الشعبية الدينية، يرمزان إلى التفاؤل، فالمسلمون بتفاءلون بهلال أول الشهر، ويحددون أوقات أعيادهم على أساس هلال القمر؛ والفنان الشعبي استوحى هذين الرمزين في لوحاته، ووضعهما في أعالي المآذن، كما يظهر في لوحة الإسراء والمعراج للفنان أبو صبحي التيناوي، الصورة رقم(4-29).

وبالإضافة إلى ما ذكر هناك رموز كثيرة أخرى، منها الزهور والورود التي ترمز للصداقة والمحبة والمودة، النبات الأخضر الذي يرمز للرزق والازدهار، الغراب والبوم رمز التشاؤم والموت والخراب، العقرب رمز اتقاء الشر والأذى، الحرباء رمز التلون والتقلب، السلحفاة رمز الكسل والبطء، الإبريق وسجادة الصلاة رمز الطهارة، المسبحة رمز التقوى.

ثانياً: الرموز الهندسية في الفن الشعبي:

لم تقتصر الرموز في التصوير الشعبي على الصور الواضحة، بل شملت الأشكال الهندسية والعناصر المجردة بأنواعها المتعددة، فكان لها جميعاً في الوسط الشعبي معان وعبر، وهي:

  • رسم شكل المربع يعني التوازن والقدسية، لأن هذا الشكل بالنسبة للمسلم يحقق علاقات متوازنة حول نقطة المركز، فالكعبة البيت المقدس وقبلة المسلمين بنيت على أساس مربع، وكذلك المآذن الأولى بنيت على أساس هذا الشكل.
  • رسم شكل الدائرة يعني القدسية، لأن الدائرة لها صلة بكثير من الأشكال المقدسة كالشمس والقمر، وهي الشكل الذي يرسمونه المسلمين بطوافهم حول الكعبة في موسم الحج.
  • رسمت الأشكال الهندسية “المثلث والمربع والدائرة” متداخلة ومتفرقة، للتعبير عن دلالات سحرية وطلاسم، وتكون موجودة بكثرة في السجاد والبسط والحصير.
  • هناك أشكل طبيعية تتحول إلى أشكال مجردة، فرمز العين الواقية اتخذ شكل الخطوط المنكسرة في عدد من حضارات البحر المتوسط، واستخدم في النسيج والمشغولات الخشبية.

ثالثاً: الرموز اللونية:

الألوان التي استعملها الفنان الشعبي كانت تحمل دلالات وتفسيرات كثيرة، أي أن استخدامها كان واقعاً تحت تأثير الفكر الاعتقادي، ومثال ذلك:

  • اللون الأبيض رمز الصفاء والسلام، وهو في الإسلام لون رداء الإحرام والطواف حول الكعبة، وهو في القرآن الكريم رمز لأصحاب الجنة، قال تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)[13]؛ وهو عند العرب رمز الطهارة، ولون راية الرسول محمد. واللون الأبيض في الأمثال الشعبية يدل على الطيبة والكرم، وهو رمز النقاء والصفاء، وهكذا استخدم الفنان الشعبي هذا اللون بكثرة حيث لون يمامة السلام وملائكة الطهارة تعبيراً عن الخير والأمان.
  • اللون الأسود رمز الحزن والموت، كما يدل على العسر والضيق، أما في القرآن الكريم فهذا اللون يشار به إلى سوء العاقبة، يقول تعالى: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم)[14]. إذاً فاللون الأسود لون الخطايا والمعاصي، والفنان الشعبي لون بالأسود الغراب وكل رموز الشر والشؤم.
  • اللون الأخضر رمز الخير والإيمان، فالناس يتفاءلون به باعتباره لون النبات، وهو أكثر الألوان شيوعاً في الرايات الإسلامية، بالإضافة إلى قباب المساجد وعمائم رجال الدين، إنه اللون الذي وصفت به الجنة وأهلها، قال تعالى: (متكئين على رفرف خضر)[15]، والفنان الشعبي لون بالأخضر كل الرموز والصور الخيرة والمعطاءة والمزدهرة.
  • اللون الأزرق رمز اللؤم والحزن، وهو لون العصاة يوم القيامة، قال تعالى: (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقا)[16].
  • اللون الأحمر رمز الحب والخطر، وأحياناً لون الدم والموت، وفي المعتقد الشعبي يمثل الشر والكفر، وأحياناً يعبر عن الفرح والأعياد؛ والفنان الشعبي رسم القلب والسهم باللون الأحمر تعبيراً عن الحب والهيام.
[1] حسن الباش، المعتقدات الشعبية في التراث العربي، دار الجليل، القاهرة، 1986، ص335
[2] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:85
[3] عبد الحميد يونس، دفاع عن الفلكلور. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1973، ص:260
[4] وهي الشجرة الطيبة التي ضرب الله بها المثل لكلمة التوحيد عندما تستقر في القلب الصّادق فتثمر الأعمال المقويّة للإيمان قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) القرآن الكريم، سورة ابراهيم، الآية 24
[5] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:87
[6] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:88
[7] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:89
[8] مثال ذلك سيف “ذو الفقار” الذي انتقل من الرسول إلى علي بن أبي طالب.
[9] دياب بن غانم أوصى في سيرة بني هلال أن يدفن سيفه معه.
[10] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:92
[11] علي زيغور، الكرامة الصوفية والأسطورة الحلم، دار الأندلس، القاهرة، 1984، ص:181
[12] أكرم قانصوه، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الكويت، 1995، ص:92
[13] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 106
[14] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 106
[15] القرآن الكريم، سورة الرحمن، الآية 76
[16] القرآن الكريم، سورة طه، الآية 102